أعادت صفقة تبادل الأسرى "طوفان الأحرار" الأمل للأسرى المرضى بقرب نيل حريتهم التي طال انتظارها، وكسر قيودهم التي أثقلت أجسادهم المنهكة بالأمراض والجراح.
وفي الدفعة الثانية من صفقة التبادل التي جرت يوم السبت الماضي، كان من بين المفرج عنهم الأسير ياسر ربايعة المحكوم بالمؤبد والمصاب بالسرطان.
وخلال السنوات الماضية، رفضت محاكم الاحتلال طلبات الإفراج عن الحالات المرضية الصعبة، فاستشهد العديد منهم داخل السجون، وأغلقت معها آفاق الحرية أمام الأسرى المرضى.
ووفق معطيات حديثة صادرة عن هيئة شؤون الأسرى، تجاوز عدد المعتقلين المرضى 800 معتقل، بينهم نحو 200 أسير يعانون من أمراض مزمنة، منهم ما لا يقل عن 30 أسيرًا مصابون بالسّرطان والأورام بدرجات متفاوتة، بالإضافة إلى مئات الجرحى، وممن يعانون جراء التعذيب.
وتتضمن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة بين المقاومة الفلسطينية و"إسرائيل"، التي تمتد 42 يوما، الإفراج عن نحو ألفي أسير فلسطيني؛ بينهم 250 من المحكومين بالسجن المؤبد، ونحو ألف من المعتقلين بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
فرصة ذهبية
ويعتبر حسن عبد ربه، مستشار هيئة شؤون الأسرى والمحررين، أن صفقة التبادل "فرصة ذهبية وكبيرة وحقيقية لإنهاء معاناة المرضى القدامى الذين يعانون مشاكل صحية مزمنة وخطيرة.
وأوضح عبد ربه لـ"وكالة سند للأنباء" أن عدد الحالات المرضية بمختلف دراجتها وأنواعها، بلغت قبل 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 قرابة 600 حالة مرضية داخل سجون الاحتلال.
لكن مع حملات الاعتقال الواسعة التي شنتها قوات الاحتلال منذ السابع من أكتوبر، والتعتيم الذي يفرضه الاحتلال حول واقع الأسرى وظروف اعتقالهم، تواجه مؤسسات الأسرى صعوبة في حصر أعداد الأسرى المرضى وبياناتهم من بين أكثر من 10 آلاف أسير، عدا عن الأسرى من أبناء قطاع غزة.
وهناك عشرات الحالات التي تصنف بالصعبة، ومن بينها حالات الإصابات التي تعاني من شلل أو بتر، بالإضافة لمرضى الكلى والقلب والرئتين، وحالات الإصابة بأورام سرطانية.
وأشار عبد ربه إلى أن "إسرائيل" كانت دائما ترفض الإفراج عن الأسرى لأسباب صحية، الأمر الذي أدى لاستشهاد الأسرى كمال أبو وعر، وناصر أبو حميد، وخضر عدنان، وغيرهم في السنوات الأخيرة.
وقال إن هناك مطالبات حثيثة لإعطاء أولوية للمرضى في صفقة التبادل، رغم أن الكثير منهم مدرجون ضمن بند الأوليات الأخرى، خاصة وأن معظمهم من كبار السن، وذوي الأحكام العالية، وقدامى الأسرى.
إن لم يكن بالصفقة.. فمتى؟
وتعيش عائلة الأسير المريض منصور موقدي من بلدة الزاوية غرب سلفيت حالة توتر وترقب، وتأمل بأن ينال حريته قريبا ليتسنى له أن يعيش بينهم ولو أسبوعا أو شهرا واحدا.
وقال شقيق الأسير منصور لـ"وكالة سند للأنباء": "أملنا برب العالمين أن يخرج شقيقي بالدفعة الثالثة أو بالدفعات اللاحقة في هذه الصفقة".
وأضاف: "هذه الصفقة هي فرصة منصور ليخرج للحرية، وإذا لم يفرج عنه الآن، فمتى؟".
وكان موقدي قد أصيب بجراح خطيرة خلال اشتباك مسلح مع قوات الاحتلال التي حاصرته مع مجموعة من المقاومين، واعتقلته عام 2002.
وعلى إثر إصابته، عانى من شلل في الأجزاء السفلية، وتهتك في الجهاز الهضمي في المعدة والأمعاء والمثانة، ومن أوجاع حادة، ويقضي حاجته بواسطة أكياس، ويشتكي من مشاكل بالعينين والأسنان، ويتناول أكثر من 12 نوعاً من الأدوية والمسكنات.
وأشار شقيقه إلى أن الوضع الصحي الذي يعيشه منصور منذ اعتقاله "كارثي"، وما زاد الطين بلة انقطاع أخباره منذ بداية الحرب على غزة، وكل ما هو متوفر من معلومات عنه أنه نقل من مستشفى سجن الرملة إلى سجن "عوفر"، دون أي تفاصيل أخرى.
ويضيف: "منصور دائماً كان يقول إنه يتمنى أن يعيش حتى يتحرر لو يوماً واحداً، كي يحتضن أبناءه وأشقاءه".
خلال سنوات أسره، فقد منصور والديه، دون أن يتمكن من وداعهما. وقبل وفاتها، عاشت والدته لسنوات على أمل معانقته حرا خارج أسوار السجن، وكانت تردد باستمرار: "بدي منصور، جيبولي منصور".
ومنصور أب لأربعة أبناء، أصغرهم كان في شهره الخامس عند اعتقاله، وكبر أبناؤه بعيداً عن أحضان والدهم الذي لم يعرفوه إلا من خلال الصور والزيارات المقتطعة.
عاد الأمل
وأوضح شقيقه أن العائلة كانت تنتظر أن يفرج عن منصور في صفقة "وفاء الأحرار" عام 2011 ولكن هذا الحلم لم يتحقق في حينه، ومع التوصل للصفقة الجديدة، عاد لهم الأمل، ويتوقعون أن يكون على رأس قائمة الإفراجات.
وقال: "كنا ننتظر أن يكون في الدفعة الأولى، لكن وجدنا أنها خصصت للأطفال والنساء، أما الدفعة الثانية فكانت لأصحاب المؤبدات، وحتى إطلاق الدفعة الثالثة الأسبوع القادم لا ندري كيف سيمر علينا هذا الأسبوع".
وتعتبر عائلة الأسير موقدي أن تحرير أي أسير محكوم بالمؤبد إنجازا مهما، فلكل أسير أهل ينتظرون عودته، لكن وضع منصور مختلف، فهو من أصحاب المؤبدات، ومعتقل منذ 23 سنة، ويعاني من وضع صحي صعب.
وتساءل شقيقه: "إلى متى سيظل أمثال منصور في السجن؟ هل ينتظرون استشهاده داخل السجن؟".
طوق نجاة
أمضى الأسير المريض معتصم طالب رداد (43 عاما) من صيدا بطولكرم، 19 عاما من مدة حكمه البالغة 20 عاما، والتي تنتهي في 12/1/2026، ومع ذلك فإن عائلته استبشرت خيرا بقرب الإفراج عنه بعد إدراج اسمه في المرحلة الأولى من الصفقة.
ويقول شقيقه عمرو لـ"وكالة سند للأنباء": "كل يوم أو كل ساعة يقضيها معتصم خارج الأسر هي مكسب له، نظرا لحالته الصحية التي تعتبر الأخطر بين جميع الأسرى في سجون الاحتلال".
خلال عملية اعتقاله عام 2006 تعرض رداد لإصابات بعشرات الشظايا، وواجه -لاحقاً- ظروفاً اعتقالية قاسية وصعبة ساهمت بتفاقم وضعه الصحي وبإصابته بأمراض مزمنة وخطيرة أدت إلى حدوث التهابات خطيرة في الأمعاء، وهو يعاني منذ سنوات من نزيف دائم تسبب له بهبوط حاد في الدم.
وأقدمت إدارة سجون الاحتلال على نقله منذ بداية الحرب على غزة، من عيادة سجن "الرملة" إلى سجن "عوفر".
وفي مايو/أيار من العام الماضي، وعلى إثر تدهور حالته الصحية، واستشهاد عدد من الأسرى داخل السجون، بعث رداد برسالة عبر أحد الأسرى المفرج عنهم، نعى فيها نفسه، قائلا: "أشعر بداخلي بأنني الشهيد القادم داخل سجون الاحتلال".
وفي رسالته، أوضح أن وضعه يتدهور يوميًا، وأنه أصيب خلال الأشهر الماضية بحالات إغماء متواصلة، وأمعاءه تنزف دمًا يوميًا، ويعاني من عدم انتظام دقات القلب، وارتفاع دائم في ضغط الدم، وضيق التنفس، وآلام شديدة في الظهر والمفاصل، وصعوبة كبيرة في النوم.
وأوضح أن الكلمة الوحيدة التي كان يتلقاها من السجانين: "إنك ميت ميت هنا".
وتأمل عائلة رداد أن يكون الإفراج عنه في الدفعة القادمة من الصفقة بعد أيام.
وقال شقيقه: "منذ سنوات ونحن نطالب بالإفراج عن معتصم ولا مجيب، وجاءت هذه الصفقة بمثابة طوق نجاه له، وإن كنا نأمل أن يكون تحريره في الدفعة الأولى أو الثانية، فحالته الصحية لا تحتمل التأخير".
وأوضح أن العائلة يساورها قلق كبير على صحة معتصم، خاصة وأن الاحتلال يمنع المحامين من زيارته، وأن آخر المعلومات التي وردتهم تفيد بأنه كان يقبع في سجن "الرملة" ثم نقل إلى مستشفى مدني بعد أن انخفض وزنه إلى ما دون 40 كغم وتدهورت صحته بشكل سريع.