الساعة 00:00 م
الجمعة 11 ابريل 2025
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.88 جنيه إسترليني
5.3 دينار أردني
0.07 جنيه مصري
4.21 يورو
3.76 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

"الصحة العالمية": الحصار على غزة يترك العائلات جائعة وتعاني من سوء التغذية

تقشّعر لها الأبدان.. شهادة ممرض شارك في إجلاء ضحايا مجزرة الشجاعية

ودعت أغلى ما تملك.. وجع الفقد يُصيب قلب إخلاص الكفارنة في مقتل

غزة بقيت صامدة لآلاف السنين ولا يمكن لترامب وإسرائيل أن يمحواها

ميدل إيست: غزة عصية على خطط النفي والمحو الإسرائيلية

حجم الخط
غزة.webp
غزة- وكالة سند للأنباء (ترجمة خاصة)

أبرز موقع Middle East Eye البريطاني أن غزة عصية على خطط النفي والمحو الإسرائيلية وأن المدينة التي بقيت صامدة لآلاف السنين لا يمكن للرئيس الأمريكي دونالد ترامب والاحتلال الإسرائيلي أن يمحواها.

ونبه الموقع إلى تصريحات ترامب، الذي لا يهتم أبدا بالتفاصيل التاريخية، بأن أفضل خطة لغزة هي "هدم الموقع والتخلص من المباني المدمرة"، مما يمهد الطريق أمام مشروع استيلاء أمريكي وإعادة تطوير.

وقال الموقع إن هذا هو منطق الغزو. أولاً، الغزو والتدمير؛ ثم الوقوف على الأنقاض وإعلان الأرض خاوية.

وأضاف أن التقليد الطويل الملطخ بالدماء للاستعمار يتحدث من خلال هؤلاء السياسيين المستوطنون الذين يصلون إلى الشواطئ المدمرة، ويذبحون السكان الأصليين، ثم يعلنون اكتشافهم لأرض جديدة، أرض بلا ماض. لكن غزة ليست فارغة، ولم تكن غزة فارغة قط.

وأكد الموقع أن ما يحدث أمام أعين العالم ليس مجرد حرب، بل إبادة ثقافية ــ محاولة مدروسة لمحو ماضي غزة، حتى يمكن إنكار حق شعبها في المستقبل.

ولم يستهدف الهجوم الإسرائيلي الأحياء فحسب، بل التاريخ نفسه. فقد تم محو أكثر من مائتي موقع تراثي ــ ليس بالصدفة، ولا كضرر جانبي، بل من خلال حملة متعمدة لفصل غزة عن ماضيها.

وتشير التقارير إلى أن أكثر من 1100 مسجد في غزة تعرضت للهجوم، وتم تدمير ثلاثة أرباعها بالكامل. كما تم تدمير ثلاث كنائس واستهداف أربعين مقبرة، بالإضافة إلى نبش القبور وسرقة الجثث.

وبحسب موقع Middle East Eye فإن ليس مجرد تدمير؛ بل هو محاولة لمحو فكرة أن غزة وشعبها كانوا ينتمون إلى هذه الأرض في يوم من الأيام.

ومع ذلك، كانت غزة قديمة عندما كانت روما في ريعان شبابها. وكانت مزدهرة قبل أن يتصور أحد وجود لندن وباريس.

الاستهداف المنهجي

لقد نشأت إمبراطوريات في غزة ثم انهارت. فقد بنى البيزنطيون الكنائس، وبنى العثمانيون المساجد والمدارس الدينية، واستولى الصليبيون على غزة، ولكن صلاح الدين صدَّهم، ثم مضى في تحرير القدس.

وفي غزة ولد الشافعي ، أحد أعظم علماء الإسلام، والذي لم يخف شوقه إلى مسقط رأسه: "أحن إلى أرض غزة، وإن كان الصمت بعد الفراق يخونني"، كما قال ذات مرة.

ولكن الآن، وفي خضم الهجوم الإسرائيلي الأميركي المتواصل، وصف أحد مقدمي البرامج في قناة فوكس نيوز الفلسطينيين في غزة بأنهم "غير متعلمين"، مكررا نفس الخطاب الاستعماري الذي استخدم دائما لتبرير الإبادة الجماعية.

إن الهدف واضح: نزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين في غزة ـ جعلهم يبدون بدائيين، وعاجزين، وغير جديرين بالاهتمام. ومن خلال تهميشهم، يتصور العالم أن القضاء عليهم لم يخلف أي خسائر كبيرة.

لكن الحقيقة تكشف الكذب. إذ أن فلسطين لديها واحدة من أعلى معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة في العالم ، حيث تصل إلى حوالي 97%.

وقبل حرب الإبادة الإسرائيلية، كان في غزة 12 جامعة أنتجت علماء وأطباء ومهندسين ومفكرين من الطراز العالمي. والآن تم تدمير كل هذه المؤسسات، لأن الفلسطيني المتعلم يشكل تهديداً ـ ليس للعالم، بل لأولئك الذين يرغبون في رؤيتهم يندثرون.

وبالإضافة إلى استهداف المدارس في غزة، أقدمت دولة الاحتلال الإسرائيلي بشكل منهجي على قتل الأكاديميين والعلماء والباحثين، حيث قتل الجيش الإسرائيلي أكثر من 90 أستاذاً جامعياً، إلى جانب مئات المعلمين وآلاف الطلاب.

العمود الفقري للهوية الوطنية الفلسطينية

أبرز موقع Middle East Eye أن غزة ليست مجرد مدينة، بل هي العمود الفقري للهوية الوطنية الفلسطينية.

إذ بعد نكبة عام 1948، عندما تم تهجير 750 ألف فلسطيني من مدنهم وقراهم لتمكين إقامة دولة الاحتلال، أصبحت غزة الملاذ الأخير لمئات الآلاف من الناس.

ومن مخيماتها وشوارعها خرج زعماء النضال الفلسطيني: ياسر عرفات، وخليل الوزير (أبو جهاد)، وصلاح خلف (أبو إياد)، والشيخ أحمد ياسين، وغيرهم كثيرون. ومن أهلها خرج سعيد المزين شاعر الثورة الذي ألف كلمات النشيد الوطني الفلسطيني.

في غزة اليوم يجلس طفل صغير وسط الأنقاض، وقد تقلص حجم جسده الصغير أمام الدمار الذي لحق به. يرتفع صوته ـ واضحاً، ثابتاً، وجميلاً ـ وهو يغني: "وطني، وطني، وطني هو أنا".

إن كلماته المؤثرة تخترق الصمت، وتحمل عقوداً من النضال والصمود. إنه لا يغني فحسب؛ بل يعلن حقيقة لا يمكن كسرها. الفلسطينيون هم الأرض. ومحو أحدهما يعني محو الآخر.

والواقع أن تدمير غزة لم يبدأ في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، بل كان دائماً جزءاً من خطة الاحتلال الإسرائيلي المدعومة من الغرب.

قبل عقدين من الزمان، قدم الخبير الاستراتيجي الإسرائيلي أرنون سوفير وصفة مخيفة لمستقبل غزة: "عندما يعيش 2.5 مليون شخص في غزة المغلقة، فسوف تكون كارثة إنسانية. سوف يتحول هؤلاء الناس إلى حيوانات أكبر مما هم عليه اليوم، وسوف يكون الضغط على الحدود مروعا. وسوف تكون حربا رهيبة. لذا، إذا أردنا البقاء على قيد الحياة، فسوف نضطر إلى القتل والقتل والقتل. طوال اليوم، كل يوم".

وقد قام الإسرائيليون بإغلاق غزة. ثم قاموا بتجويعها. والآن يحاولون القضاء عليها.

رؤية استعمارية

إن رؤية ترامب لغزة هي رؤية استعمارية تقوم على الإبادة. وهذه الرؤية لا تكتفي بالموت، أو هدم المنازل، أو سحق المستشفيات، أو إسكات الفصول الدراسية حيث كانت جذور المستقبل تترسخ. لا يكفي قصف الأحياء؛ هذه الرؤية تسعى إلى محو الموتى - لتحويل غزة إلى فراغ، أرض بلا ماض، بلا ذاكرة، بلا شعب.

إن هذه هي نفس الحسابات الباردة التي بررت ذبح الملايين من السكان الأصليين في الأمريكيتين؛ وهي نفس اليد القاسية التي محت الأمم القديمة من على وجه الأرض في أستراليا، دائماً باسم الحضارة والتقدم. لقد تحولت المدن إلى غبار، وابتلع الصمت اللغات، وأعاد قلم الفاتحين كتابة التاريخ.

ولهذا السبب يبقى الفلسطينيون. لأن الرحيل يعني الاستسلام للكذب؛ والسماح بإعادة كتابة التاريخ في غيابهم.

بالنسبة للعالم، غزة ليست سوى حطام وخراب يجب إزالته. ولكن بالنسبة للفلسطينيين الذين يعيشون هنا، فهي أرض مقدسة، حيث تتنفس الذكريات تحت الغبار، وحيث يتردد ضحك الراحلين في الصمت.

لا يقف أهل غزة على أنقاض منازلهم فحسب، بل يقفون على أنقاض تاريخ مسروق، وعلى ذكريات مدن وقرى محيت من على وجه الأرض لإفساح المجال لحلم آخر. "أرض بلا شعب"، هكذا قيل لهم.

وهذا هو السبب الذي يجعل الفلسطينيين باقين. لأن الرحيل يعني الاستسلام للكذبة؛ والسماح بإعادة كتابة التاريخ في غيابهم. إنهم باقين لأن كل حجر وكل شارع وكل خراب تهمس باسمهم، والتخلي عنهم يعني خيانة أولئك الذين ساروا قبلهم.

وخلص الموقع "لا ينبغي للعالم أن يسمح بنجاح هذه الإبادة الثقافية. يجب إعادة إعمار غزة، وليس محوها. غزة ليست خرابًا، غزة ليست شيئًا، غزة هي تراث إنساني".