الساعة 00:00 م
الأحد 25 مايو 2025
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.89 جنيه إسترليني
5.09 دينار أردني
0.07 جنيه مصري
4.11 يورو
3.61 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

الطبيبة آلاء النجار.. أم الشهداء التسعة تقف "محتسبة" في حضرة الفقد

تحرك قانوني في جنيف ضد مؤسسة "إغاثة غزة" الأمريكية

عبر سياسة التطهير العرقي.. الاحتلال يسيطر على 77% من مساحة قطاع غزة

في أول أيام الشهر الفضيل..

بالصور حَكَايا بين السطور.. في غزة أفئدة مُثقلة تستقبل رمضان بذكريات لا تندثر

حجم الخط
استقبال الفاقدين لرمضان
غزة - فاتن عياد الحميدي - وكالة سند للأنباء

يعود شهر رمضان المبارك مرة أخرى على قطاع غزة فوق ركام الحرب المُكدس في الطرقات والقلوب، يؤجج نار الشوق والذكريات، هُنا حَكَايا كثيرة، وتنهيدات دفينة، ودُموع وُثقت بين السطور، فيا لوعة قلوب المحبين، ويا قسوة الموت على قلوب الفاقدين الذين يرقبون الشهر المبارك على وجلٍ من وجع يُفتح، وجرح لا يندمل.

ويستقبل أهالي قطاع غزة رمضانهم الأول بعد اتفاق وقف إطلاق النار بين فصائل المقاومة الفلسطينية و "إسرائيل"، بفؤاد فارغ وموائد منقوصة، حيث شهدوا عاماً مُثقلاً مُعبأً بالوجع والدمار ورائحة الشهداء الذين زاد عددهم عن ٤٨ ألف شهيد وذكرى!

شملٌ لم يجتمع..

ليس هذا رمضان الأول الذي تقضيه السيدة فاطمة عبد الله دون زوجها محمد الشعراوي "أبو البراء"، لكنه الأول والأقسى الذي غاب فيه جسداً وروحاً وارتقى شهيداً إلى جوار ربه.

كان الأمر مختلفاً على "عبد الله" في أول رمضان لها خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عام ٢٠٢٤، دون زوجها الذي فرق النزوح بينها وبينه، ليبقى هو في شمال القطاع وهي نزحت إلى جنوبه.

لكن هذا العام ورمضان تحديداً، جاء حاملاً معه فقداً أكبر ووجعاً أقسى من مجرد مسافات، بعد أن غيَّبت رصاصات الاحتلال الإسرائيلي خِلَّها وأنيسها وسند بيتها في ديسمبر/كانون الأول ٢٠٢٤.

وتروي "فاطمة" لـ"وكالة سند للأنباء"، "كان هناك أمل أن يجتمع الشمل مرة أخرى، وأن نقضي رمضان هذا العام معاً بعد مرارة الفراق، لكنني لم أكن أعلم أن غياب عام بين الشمال والجنوب امتد ليصبح فراقاً أبدياً، لكنه قدر الله النافذ، و الحرب التي أبت إلا أن تسلبنا نور بيتنا".

وتستذكر "فاطمة" مع مراسلتنا بدمعات عينها التي انحدرت على وجنتيها بعضاً من ذكريات الشهر الفضيل، حيثُ كُلُ ركن يُذكرها بفقيدها، وكُل طقس كانت تقضيه برفقته من ذهاب إلى السوق وشراء الزينة وأغراض السحور، وبعض حاجيات الإفطار آنذاك.

"بكيت بكاءً شديدًا"، كانت هذه الطقوس لابد أن تكون برفقة "حبيبي أبو البراء" كما وصفته، "وبصحبة أبنائي"، أما هذا العام، فهو أول رمضان دون "فقيدي الشهيد"، لكنه حاضراً في كل تفاصيله، وفي الخير الذي قدّمه لنا ولكل الناس.

"أبو البراء بينزعل عليه.."

ويا لقسوة استقبال رمضان على قلب "فاطمة" في غياب زوجها، والبيت الذي لم يعد موجودًا، والصوت الذي لم يعد يُسمع، والمائدة التي فقدت شخصًا كان يحرص على أن يكون الخير فيها ممتدًا للآخرين، كلها أشياء تُراكِم الفقد وتجعله مضاعفاً.

تقول ضيفتنا "كنت أفخر بصنيعه وبما كان يفعله، وكيف كان يمدّ يد العون للناس، فالأشخاص الذين أعانهم، والعائلات التي كانت تنتظر دعمه وسؤاله المستمر، ستفتقده كما أفقده".

ولا تنفك "فاطمة" تستذكر مناقب زوجها الشهيد، "كان صاحبي أجود ما يكون في رمضان، وأسرع ما يجبر الخواطر، يلملم أوجاع الناس ثم يطبطب عليها بصنيعه، يوفقه الله للخير ويجد راحته وابتسامته حاضرة في إدخال السرور على الناس".

وتُتابع في وصفه "كنت أقول له ألا تتعب يا حبيب ألا تستريح قليلاً، يجيبني أن هذا أثر لا يزول، هنا أجر ممتد، وهنا راحتي ومتعتي".

131f7b31-e002-40ca-bc55-b43a744405a9.jpg

6a444720-c53d-4223-b902-c04820f46206.jpg

وفي التفاصيل الصغيرة، تفتقد "فاطمة" حضور زوجها "الاستثنائي" على مائدة الإفطار، وهو الذي كان يبشرها "كل عام وأنتِ بخير، رمضان كريم" بابتسامته التي تحفظها عن ظهر قلب.

"أفتقد انتظاره عند أذان المغرب تلك اللحظة التي كان يجلس فيها بجانبي، يمدّ يده لكوب الماء، يذكّرنا بالدعاء، ويدعو بصوت مرتفع يا رب تقبل منا، كذلك إعجابه بالأكل ومدحه لي بطريقة فيها من الأجر والحب ما فيها، أما إمامته لنا وصوته الشجي الحنون المميز، فلها رواية أخرى".

وتختم بحديثٍ لا يُختم في قلبها "أفتقد كل شيء، حتى الصمت الذي كان يشاركني فيه وهو ينظر إلي وكأن كلامه كان يصل إلي دون أن ينطق"، وبعد صمتٍ لبرهة "والله أبو البراء بينزَعَل عليه".

"اشتقت لضجيج العائلة ولمة الأحفاد"..

ولقد اقتحم الفقد بيت الشابة تسنيم معين عمار، وغيَّب معه والديها وإخوتها، هذه العائلة التي كانت من أكثر الناس تغنياً بشهر رمضان وأجوائه وابتهالاته.

"هذا جرح لا يندمل"، تشارك "عمار" بعضاً من ذكرياتها المفقودة لـ"وكالة سند للأنباء": "كانت أمي تُحضر الفوانيس والهدايا للأحفاد مطلع كل رمضان كعادة لا تنقطع، ولا ينقطع معها صوت ضجيج العائلة وصخب الأطفال"، أما والدها الذين كان يُزين عمارتهم من الخارج بأجمل الترتيبات يُبهِجُ بها القريب والغريب.

وتُتابع بغصة في قلبها " ثاني رمضان دون لمة العائلة وأخواتي، دون صوت أهلي وزياراتهم، دون تنسيق الهدايا والعزائم، ودون بركات الوالدين، وأول رمضان أتجرعه كذلك برحيل أخي الوحيد الذي لحق بهم".

أسير ومصير مجهول..

وللشابة سماهر وائل فرحان وعائلتها جرحٌ آخر لا يقل حدةً عن قسوة الفقد والموت، فمصير أخيها المجهول في سجون الاحتلال "موتٌ بطيء" يُتجرع فيه أقسى ويلات العذاب.

وتفتقد "سماهر" وعائلتها أخيها الأسير "عبد الله فرحان"، الذي اعتقله جيش الاحتلال في ١٥ فبراير/ شباط ٢٠٢٤ على حاجز كان قد نصبه قرب مستشفى ناصر في مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة.

وبحسرة في قلبها تصف لـ"وكالة سند للأنباء" حال رمضان الذي يأتي هذا العام ليفتح الجُرح الذي أشغلهم عنه التنقل بين الخيام والبحث عن المأوى والطعام.

تقول: "هذا ثاني رمضان دون أخي لكنه الأصعب، رمضان الفائت رغم قسوته لكن الحرب أشغلتنا أمَّا وقد وضعت الحرب أوزارها، فُتِح الجرح من جديد!

وتحدثنا أن رمضان هذا العام يأتي ومصير "عبد الله" مجهولاً، فلا تعرف العائلة حالته الصحية، ولا موعد خروجه ولا ماذا يُقاسي في السجون، علماً أنه مصاب حرب وبحاجة إلى تركيب مفصل في القدم.

"سفرتنا ناقصة، ورمضان ما إلو طعم بغياب عبود وهو أخوي الوحيد"، تفتقد "سماهر" شقيقها الأكبر، وعراكها المستمر معه على أماكن وضع الزينة وترتيبها، وعلى اختيار صنف الطعام للإفطار، و"فعاليات رمضان التي اختفت"، وتختم" سفرتنا ناقصة كتير بدون حبيبي عبود".

"رمضان في بيتنا كان دافي"..

ولا يقل حال أمل ناجي عن سابقاتها، لكنه على حد تعبيرها "أخف الأضرار، على قد البيت والذكريات بسيطة"، ولبرهة تناقض نفسها "والله ما هي بسيطة، لكن الحمد لله إنه أهلي وحبايبي ضلوا بخير".

وبعد تنهيدة طويلة تستذكر "ناجي" مع مراسلة "وكالة سند للأنباء"، بيت العائلة وأحبال الإضاءة في كل ركن فيه، وزاوية رمضان، ورائحة الطعام الذي تعده والدتها داخل المطبخ، كذلك انتظار أذان المغرب على سطح البيت الذي دمره الاحتلال الإسرائيلي بالكامل ولم يُبقِ من رائحته إلا كومةً من حجار ودمار.

ومن خيمتها تستكمل ضيفتنا حديثها، " أصبح المطبخ والغرفة والسطح كلها واحد، أمتار معدودة لخيمة وضعناها حوالين البيت".

وبعفوية مطلقة تحمل معنى اسمها تحدثنا "أمل": "والله بيتنا كان دافي ومليان حب، مجرد أن ينتهي الإفطار نقوم نحن الفتيات الثمانية لترتيبه والتحضير لصلاة التراويح".

وتتابع:" نحن بفضل الله لم نفقد أحداً من أسرتنا، ونجتمع على مائدة واحدة وهذا أكبر إنجاز"، مستدركةً: "لكن البيت ركن وأمان، وفقد مأوى الحياة لا يقل عن فقد أحد فيها، ومع ذلك سنعيد رسم البهجة والأجواء لنستشعر بركة هذا الشهر الفضيل".