أبرز موقع Middle East Eye البريطاني هيمنة خطاب الإبادة على المجتمع الإسرائيلي بكافة مستوياته وأن الإسرائيليين "لم يعودا يخجلون من دعوات إبادة الفلسطينيين الذين يرفضون التخلي عن حقوقهم وأرضهم".
وقال الموقع إن طرد السكان المدنيين من غزة إلى سيناء أو غيرها من المناطق المجاورة باتت الخطة الفعلية والرسمية للحكومة الإسرائيلية، منذ بدء حرب الإبادة الجماعية على القطاع في 7 أكتوبر 2023.
وأضاف "أن هيمنة خطة الطرد والإخلاء القسري الآن قد تعود في المقام الأول إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب. ولكن لا يمكن إنكار أن هذه الخطة تعكس تطور فكرة طالما اعتز بها الرأي العام الإسرائيلي".
في الواقع، حتى بعد أن بدأ ترامب في تخفيف خطته للنقل في الأيام الأخيرة، ووصفها بأنها ليست " إخلاءً قسريًا " بل " توصية فقط "، واصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تمجيد "خطة الرئيس ترامب الرائدة للسماح بحرية الخروج لسكان غزة" ويقوم وزير الجيش "إسرائيل كاتس" بإنشاء إدارة من أجل "الخروج الطوعي" من غزة.
وعلى هذا فإن من غير المستحسن أن نتجاهل ببساطة دعوة نائب رئيس الكنيست الإسرائيلي نيسيم فاتوري إلى "فصل الأطفال عن النساء وقتل البالغين [الذكور] في غزة"، وهو ما يمثل تطوراً في الخطاب اليهودي الإسرائيلي.
إذ لم يعد هناك تهديدات بالنكبة الثانية، والتي سيطرت على الخطاب اليميني حتى قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ثم دخلت بعد ذلك إلى الخطاب السائد.
ولم يعد هناك " خطة الجنرالات " للحصار والتجويع، والتي تم تنفيذها بالفعل بطرد سكان شمال غزة وهدم منازلهم ولم تتوقف إلا بسبب وقف إطلاق النار. بل هناك مخطط للإبادة: من أجل حل نهائي لمشكلة غزة ومشكلة الفلسطينيين بشكل عام.
وإذا كان وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو قد اضطر إلى الالتواء بعد قوله في بداية الحرب إن إسقاط قنبلة نووية على غزة هو "إحدى الطرق" للتعامل مع حماس"، فإن مثل هذه التصريحات تُسمع الآن علانية - دون أي محاولة لإخفائها أو تبييضها.
الأمثلة كثيرة ومتنوعة. المحامية كينيرت باراشي، وهي شخصية بارزة في اليمين، تحرص دائمًا على ذكر أنها كانت تصوت لحزب ميرتس، نشرت على موقع X أن "كل أثر للطفرات القاتلة في غزة يجب أن يُمحى، من غرف الولادة إلى آخر شخص مسن في غزة. يجب أن يموت 100٪ في غزة".
وهذا في الحقيقة مجرد غيض من فيض. فالتجوال السريع عبر وسائل التواصل الاجتماعي للإسرائيليين يسفر عن أمثلة أخرى كثيرة ــ رجال ونساء، عنصريون، متحدون جميعا في جوقة من الإبادة.
صدمة السابع من أكتوبر تجددت
وقال موقع Middle East Eye إنه حتى في غياب البحث الكمي، فإنه يبدو أن خطاب الإبادة هذا اكتسب زخماً بعد وقف إطلاق النار في 19 يناير/كانون الثاني.
فقد صدم المجتمع الإسرائيلي من مشاهد حماس والمقاومة وهي تستعرض الأسرى أمام الحشود وأنها تحظى بدعم دائم من الفلسطينيين في غزة. بل إن الشعور بالإذلال إسرائيليا تزايد مع كل عملية تسليم.
وإلى جانب فشل هدف "القضاء على حماس"، أصبح إخلاء قطاع غزة، أو على الأقل مدينة غزة والبلدات الواقعة إلى الشمال منها، هدفاً معلناً لكثير من القادة الإسرائيليين من اليمين المتطرف وكبار القادة في الجيش.
وهذا هو ما كان في صميم "خطة الجنرالات" التي تبناها الجيش بالفعل. وكان هدف القيادة الجنوبية، الذي نشره موقع Ynet في منتصف ديسمبر/كانون الأول، "منع عودة سكان غزة إلى منازلهم في جباليا وبيت حانون وبيت لاهيا".
لكن بعد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، أدرك الإسرائيليون أن حماس لم يتم القضاء عليها فحسب، بل إنها أظهرت في الواقع ثقتها بنفسها، كما أدركوا أن التطهير العرقي قد فشل.
صحيح أن جباليا دمرت بالكامل، وكذلك أجزاء كبيرة من مدينة غزة ومحيطها. وإذا لم ينجح كل هذا الدمار والقصف في إقناع الفلسطينيين بالرحيل، فإن الاستنتاج الذي توصل إليه أكثر من بضعة إسرائيليين هو أنه لا يوجد خيار سوى قتل الجميع.
ولكن صور مئات الآلاف من الفلسطينيين العائدين إلى القطاع الشمالي كانت دليلاً ملموساً على أن الفلسطينيين بقوا في غزة، وأنهم لا ينوون الذهاب إلى أي مكان، وبالتأكيد ليس طوعاً.
إن خطاب الإبادة، بحسب هذا التفسير، ينبع من الإحباط الإسرائيلي بسبب عدم القدرة على تحقيق الإخلاء الكامل لسكان غزة.
ولكن إذا لم ينجح كل هذا الدمار والقصف في إقناع الفلسطينيين بالرحيل، فإن الاستنتاج الذي توصل إليه كثير من الإسرائيليين هو أنه لا يوجد خيار سوى قتل الجميع ــ من "غرف الولادة إلى آخر شخص مسن".
وهذا هو أحد الأسباب التي جعلت أغلبية الجمهور الإسرائيلي تؤيد خطة ترامب لاقتلاع الفلسطينيين من غزة.
ولكن ربما لأن الإسرائيليين أكثر دراية بالواقع المحلي من قطب العقارات الجالس في البيت الأبيض، فإنهم يعرفون أنه لا توجد فرصة حقيقية لخروج الفلسطينيين من تلقاء أنفسهم وأنهم لن يتنازلوا عن أرضهم وحقوقهم.