الساعة 00:00 م
الإثنين 02 يونيو 2025
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.74 جنيه إسترليني
4.96 دينار أردني
0.07 جنيه مصري
3.99 يورو
3.52 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

غزة في قلب نهائي دوري أبطال أوروبا 2025

مصائد موت وإذلال المُجوَّعين.. مساعدات مغمسة بدماء الباحثين عنها في غزة

ترجمة خاصة.. Middle East Eye: الإبادة في غزة حرب على التركيبة السكانية الفلسطينية

حجم الخط
الإبادة.webp
غزة- وكالة سند للأنباء (ترجمة خاصة)

أكد موقع Middle East Eye البريطاني أن جريمة الإبادة الجماعية المستمرة في غزة هي في الواقع حرب إسرائيلية على التركيبة السكانية الفلسطينية وأن وراء القتل الجماعي وطرد الفلسطينيين تكمن ضرورة استراتيجية: استعادة الهيمنة الديموغرافية اليهودية في جميع الأراضي الخاضعة للسيطرة الاستعمارية الإسرائيلية.

وأبرز الموقع أنه منذ أكثر من سبعة عقود، لم تكن الحروب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين مجرد صراع على الأرض أو الموارد، بل كانت – وما تزال – حرباً مفتوحة على التركيبة السكانية، تهدف إلى هندسة ديموغرافية تضمن تفوقاً يهودياً دائماً داخل الأراضي الفلسطينية التاريخية.

ونبه الموقع إلى أنه في هذا السياق، لا يمكن فهم الإبادة الجماعية الجارية في غزة إلا كمحطة متقدمة ضمن مشروع استيطاني استعماري يسعى إلى إحداث اختلال جذري في ميزان السكان لصالح المستوطنين اليهود.

تهجير السكان لصناعة الأغلبية

منذ أن صاغ ثيودور هرتزل المشروع الصهيوني في أواخر القرن التاسع عشر، كان واضحاً أن إقامة "وطن قومي لليهود" يتطلب أكثر من مجرد استيطان؛ بل يحتاج إلى طرد السكان الأصليين.

وبينما تسارعت الهجرات اليهودية خلال فترة الانتداب البريطاني، لم يتحقق التفوق العددي إلا عبر المجازر والطرد الجماعي أثناء نكبة 1948، التي أسفرت عن مقتل 13 ألف فلسطيني وتشريد أكثر من 760 ألفاً، ليصبح اليهود أغلبية في الدولة الوليدة.

وقد استمرت دولة الاحتلال في ترسيخ أغلبيتها اليهودية حتى عام 1967، حينما احتلت الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان وسيناء، مضاعفةً رقعتها الجغرافية ثلاث مرات، لكنها في المقابل ضمت ملايين الفلسطينيين إلى نطاق سيطرتها.

وعلى الفور، بدأت عمليات طرد جديدة: أكثر من 200 ألف فلسطيني من الضفة، و75 ألفاً من غزة، إلى جانب منع عشرات الآلاف من العودة إلى ديارهم.

وأدى هذا التوسع إلى انخفاض حصة اليهود من السكان من 89% إلى 56%، وهو ما أطلق حالة من "الذعر الديموغرافي" في دولة الاحتلال، الذي لا يزال يوجه سياساتها حتى اليوم.

وقد حاولت دولة الاحتلال مواجهة هذا التراجع الديموغرافي باستقطاب مليون مهاجر يهودي من دول الاتحاد السوفيتي المنهار في تسعينيات القرن الماضي، مستفيدة من "قانون العودة". إلا أن هذا الحل كان محدود التأثير، لا سيما أن العديد من القادمين لم يكونوا يهوداً وفق المعايير الدينية الصارمة، ما أضعف الفعالية الديموغرافية لهذه الموجة.

ومع استمرار ارتفاع معدلات الولادة الفلسطينية في الضفة وغزة، أصبح واضحاً أن المشروع الاستيطاني يواجه أزمة وجودية، دفعت بعض السياسيين الإسرائيليين، مثل شمعون بيريز، لوصف الوضع بـ"القنبلة الديموغرافية".

قوننة التفوق العنصري

أمام هذا التحدي، لم تجد دولة الاحتلال خياراً سوى ترسيخ هيمنة المستوطنين عبر أدوات قانونية ودستورية، بغض النظر عن النسب السكانية. في عام 2018، أقر الكنيست "قانون القومية"، الذي يكرّس "إسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي"، ويمنح حصرياً لليهود حق تقرير المصير.

والقانون لم يكن فقط إعلاناً عن طابع الدولة، بل كان إقراراً بفشل التفوق الديموغرافي الطبيعي، واستعاضةً عنه بتفوق قانوني مقنن.

في هذه الأثناء فإنه في قطاع غزة تحديداً، تبدو المعركة أكثر حدة. ففي منطقة صغيرة مكتظة، يبلغ عدد السكان الفلسطينيين أكثر من 2 مليون نسمة، وهي من أعلى الكثافات السكانية في العالم. ومع استحالة تهجير هذا العدد الهائل بشكل تدريجي، اختارت دولة الاحتلال اللجوء إلى الحل الأكثر وحشية: الإبادة الجماعية.

فالحرب المستمرة على غزة، التي أدت إلى قتل ما يقرب من 54 ألف فلسطيني، ليست حادثة معزولة ولا رداً أمنياً كما تدعي دولة الاحتلال، بل جزء من خطة طويلة الأمد لتقليص عدد الفلسطينيين بشكل جذري وإفراغ القطاع أو إضعافه ديموغرافياً.

والدعوات الإسرائيلية الرسمية لما يُسمّى "نكبة ثانية" والاقتراحات بترحيل الفلسطينيين إلى سيناء أو الأردن ليست إلا تعبيراً صريحاً عن هذا الهدف.

الهندسة السكانية كسياسة أمنية

منذ العام 2000، تعقد النخب الأمنية والسياسية الإسرائيلية مؤتمرات هرتسليا السنوية التي تناقش مستقبل إسرائيل "كدولة يهودية"، وتضع الخطط اللازمة لحماية "الطابع اليهودي" للدولة.

وتتعامل هذه المؤتمرات مع الفلسطينيين بوصفهم تهديداً ديموغرافياً يجب احتواؤه أو التخلص منه، وتوصي بسياسات تتراوح بين منع لمّ الشمل، وتهجير صامت، وصولاً إلى العمليات العسكرية واسعة النطاق.

وبالإجمال فإنه منذ 1948، كان الهدف المركزي للمشروع الصهيوني هو إعادة تشكيل الأرض والسكان. ومع تآكل الأغلبية اليهودية التي أُسست عبر الطرد والتطهير، باتت دولة الاحتلال تواجه معادلة مرعبة: إما أن تتحول إلى دولة ثنائية القومية وتخسر طابعها اليهودي، أو أن تواصل مشروعها العنصري بالقوة. وفي غزة، يتجلى الخيار الإسرائيلي بوضوح: حرب إبادة لتفكيك الكثافة السكانية الفلسطينية وإعادة ضبط التوازن الديموغرافي عبر المجازر.

الإبادة الجارية في غزة ليست فقط جريمة ضد الإنسانية، بل هي أداة ممنهجة في حرب ديموغرافية تشكل جوهر العقيدة الصهيونية منذ نشأتها. إنها امتداد للنظام الاستيطاني الذي لا يستطيع التعايش مع وجود فلسطينيين أحياء على الأرض نفسها. وحين يصبح القتل الجماعي سياسة ديموغرافية، فإننا لا نكون أمام "نزاع"، بل أمام مشروع إبادة شاملة لشعب بأكمله.