في يومهنَّ الذي يتغنى به العالم العربي في آذار من كل عام، تَحكي رجفة يدَي الأمهات في غزة قصص الوداع، بينما تُقرع طبول الحرب لتُنسي معها ترانيم "ست الحبايب"، وتتحول إلى آهات مكلومات، فُجِعنَّ في أعز ما يملكه الفؤاد، يُتمتمن في آذان أبنائهنَّ الشهداء" خليك معي يما يا حبيبي".
وتستقبل أمهات غزة "يوم الأم" الذي يصادف 21 مارس/آذار من كل عام، بفاجعة الفقد في أولادهنَّ، إزاء حرب الإبادة الشعواء التي أتت على البشر والحجر في قطاع غزة، وأي مرارة قد تحرم النساء من أمومتهنَّ، بعد سِني التعب والعذاب.
السيدة "أُم عمر" أبو شرقية، أُم فلسطينية قطع الاحتلال الإسرائيلي ثمرة أمومتها ووحيد قلبها الطفل الضحوك "عمر"، الذي لم يتجاوز خمسة أعوام، وكانت قد رأت فيه صلاح الأبناء واُنسهُم.
وتابعت "وكالة سند للأنباء"، لحظات وداع الأُم لطفلها الصغير، الذي حرمها الاحتلال منه، ليأتي "يوم الأم" قبل أن تسمع ببراءة كلمة "بحبك يا ماما" المعتادة من فم طفلها الصغير.
وبشهقة أُمٍ مكلومة تتحدث والدة الطفل الشهيد "عمر"، - دون إدراك- من هول الصدمة، تفاصيل استشهاد حبيبها نجلها الوحيد، الذي كان يلعب رفقة أقرانه بجانب خيمة في مواصي خانيونس جنوب قطاع غزة قبل أن تستهدفها غارة إسرائيلية غادرة.
بعد رحلة علاج طويلة..
ويكاد المشاهد لها أن يلمس وجع الفقد في عينيها قبل أن تنطق بكلمات الوداع عندما تقول:" والله أنجبته بعد سبع سنوات من رحلة علاج، خُتمت بزراعة الأنابيب"، وبقهر تستكمل "ربنا اختاره من بين الأولاد إلِّي بيلعبوا معه، الحمدلله".
"الجو بارد عليه ما تدفنوه أعطوني ياه أدفَّيه"، هذه حنية الأمهات التي ترافق أبناءهنَّ حتى يوارى الثرى، كباراً كانوا أم صغاراً، فلا تعجب من أمٍّ مكلومة ودَّت لو أنها تُدفئ صغيرها بين ثنايا فؤادها الرقيق.
وعن آخر لحظاتها بفلذة كبدها تصف "أبو شرقية"، لحظاته الأخيرة بعد أن أيقظته من قيلولة الظهيرة ليلعب مع الأطفال، وهو يحدثها بكلماته التي لم تتضح بعد "أبوسك ماما، أنا بحبك"، فما كان من الأم إلا أن تحتضن طفلها للمرة الأخيرة، قبل أن تبادله الكلمة نفسها "وأنا بحبك يا ماما".
وتودع الأم المكلومة وحيدَ قلبها بدمعها "أمانة خلوه معي، إذا أنا في كابوس حد يصحيِّني"، ويستذكر قلبها ذكريات طفلها " لا ينام إلا في حضني، كان يقول لي بدي أنام في حضنك يا ماما".
"الله يرضى عنك يا ماما، والله الدنيا بعدك لا تُطاق، يا حبيبي، يا حبيب قلبي يما"، ختمت السيدة حديثها، وأي حديث قد يُقال أو ينتهي أمام هذه الفاجعة، رحل وحيدها دون أن يقبَّلها مُهنئاً إياها في يومها.
أمهات غزة..
ويعود "يوم الأم" هذا العام 2025، بحزن يتجدد مع استئناف سلطات الاحتلال الإسرائيلي حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، بعد انقضاء أكثر من 50 يوماً على المرحلة الأولى لاتفاق وقف إطلاق النار الذي أُبرِم في 19 يناير/ كانون الثاني الماضي.
وتشن "إسرائيل" حرب الإبادة الجماعية على القطاع منذ السابع من أكتوبر/ تشرين أول 2023، بينما يأتي " يوم الأم" لعامه الثاني على التوالي، تحت أزيز الرصاص والصواريخ، والفقد والنزوح.
وكان الهلال الأحمر الفلسطيني قد أكد أن 37 أمّا يُستشهدن يوميا خلال فترة العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة المحاصر حتى أغسطس/ آب 2024.
وباستمرار سياسة العذاب الإسرائيلية، تقبع في سجون الاحتلال الإسرائيلي حتى اليوم 25 أسيرة فلسطينية يعانين أوضاعا بالغة الصعوبة والسوء؛ حسبما أوردت مؤسسات الأسرى الخميس.
ومن بينه الأسيرات الفلسطينيات 14 أُماً، من بينهنَّ أمهات من قطاع غزة، كُلُهُنَّ حُرِمن من احتضان أبنائهن.