كشف أحد المسعفين الفلسطينيين، وهو الناجي الوحيد من مجزرة إعدام طواقم الإسعاف ميدانيًا في حي تل السلطان غرب مدينة رفح جنوب قطاع غزة، تفاصيل اللحظات الصادمة التي عاشها بعد استهداف سيارة الإسعاف التي كانت تقلّه مع زملائه، وإعدام من كان معه، رغم وضوح الشارات الطبية واللوحات الخاصة بسيارات الإسعاف.
وصباح يوم 23 مارس/آذار الماضي، كان طواقم جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني والدفاع المدني الفلسطيني، إلى جانب موظفين من الأمم المتحدة، ينفذون مهمة إنسانية في مدينة رفح لانتشال جثامين مدنيين وإسعاف المصابين، إلا أن المهمة انتهت بفاجعة، بعدما تعرّضوا لإطلاق نار كثيف، مما أدى إلى ارتقاء عدد منهم، قبل أن تقوم جرافة إسرائيلية بدفنهم مع مركباتهم المدمرة تحت الرمال.
وكشفت صور أقمار صناعية، بثّتها قناة الجزيرة، عن قيام جيش الاحتلال بتطويق واحتجاز ما لا يقل عن خمس مركبات تابعة للدفاع المدني والهلال الأحمر الفلسطيني في الجهة الغربية من رفح، مما أعاق وصول طواقم الإنقاذ والإسعاف إلى الجرحى والعالقين، في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على القطاع.
وبعد بحث دام ثمانية أيام، تمكّنت فرق الدفاع المدني والهلال الأحمر، في 30 مارس/آذار، من انتشال جثامين 14 شهيدًا من تحت الركام في منطقة تل السلطان، ليتبيّن أن قوات الاحتلال أعدمتهم بدم بارد ودفنتهم في الموقع ذاته وسط استمرار القصف، في جريمة وُصفت بأنها من أبشع الانتهاكات بحق العاملين في المجال الإنساني.
"طلقات الرصاص فوق راسي"..
وقال المسعف في شهادته خلال فيديو رصدته "وكالة سند للأنباء" عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إنه تلقى نداء استغاثة وقت صلاة الفجر من حي الحشاشين، بوجود إصابة بحاجة لنقل، فتحرك فورًا بسيارة الإسعاف مع زميليه عز الدين شعت ومصطفى خفاجة، وكانت سيارتهم واضحة تمامًا، مزودة بإشارات الهلال الأحمر وصفارات الإنذار.
وأكد أنه بمجرد دخولهم من شارع "مراج"، بدأ إطلاق نار كثيف جدًا من جهات متعددة، من اليمين ومن الشمال، وبكثافة توحي بأن أكثر من جندي كان يطلق النار، مُضيفًا: "كنت أحس كل طلقة كأنها بتخبط فيي مباشرة، الرصاص فوق راسي، وإحساسي بالموت كان لحظي."
وتابع قائلًا: "نزلت بسرعة من الكابينة، ما سمعت صوت عز ولا مصطفى، دخلت الكابينة الخلفية واختبأت، وبعد لحظات انطفى الضوء، وكل شي صار ساكت، سمعت شهيق… شهيق موت، وبس."
وبين المسعف، أن جنود الاحتلال اقتربوا من السيارة، وفتحوا الباب وسحبوه بعنف، وأجبروه على الانبطاح أرضًا، مستطردًا: "كبّسوا راسي في التراب، ووجهوا البندقية على ضهري، وضربوني على صدري ورجلي."
وأشار إلى أن رجلًا مسنًا وابنه كانا يمران من المكان، فتم اعتقالهما أيضًا وربط أيديهما، ثم أجبروهم على الجلوس بجانبه.
وروى المسعف أنه بعد دقائق، وصلت سيارة دفاع مدني كانت تحمل طفاية حريق كبيرة، لكنهم أطلقوا النار عليها فورًا، قال: "ما شفت حدا نزل منها، وما قدرت أعرف مصيرهم."
وأضاف أن سيارتي إسعاف أخريين وصلتا بعد دقائق، وتكررت نفس الجريمة معهما: إطلاق نار مباشر ومكثف، رغم وضوح شعارات الإسعاف على السيارات، معبّرًا: "كانوا ناويين يقتلونا، ما فرّق معهم لا شعار ولا صوت صفارة"، على حد تعبيره.
وعبّر عن شعوره بالرعب وقت إطلاق النار فوق رأسه، بينما كان ممددًا على الأرض، قال: "كل طلقة كانت تهز جسمي، كأنها بتخترقني، وأنا عاجز تمامًا."
وأفاد بأنه مع بزوغ أول ضوء للصباح، بدأت تظهر ملامح المشهد، شاهد دبابات الاحتلال تدخل من شارع الطيران، وتطوّق المنطقة التي كانوا فيها من جميع الجهات، "كنا محاصرين تمامًا بين شارع الشاكوش والقادسية، على اللفة بالضبط"، بحسب وصفه.
واستكمل حديثه قائلاً: "نقلونا بعدين لمكان ثاني، كانت فيه حفرة كبيرة محضّرينها، وشفت سيارات الإسعاف كلها مصفوفة جنب بعض، بعضها فيها دم، وبعضها لا، بس ما شفت أي زميل منهم."
وأردف أنه مع وصول جرافة الاحتلال، تم حفر حفرة عميقة، ودُفنت فيها كل سيارات الإسعاف، واحدة فوق الأخرى، ثم غُطّيت بالرمل.
وتابع قائلاً: "لحد هديك اللحظة، ما كنتش شايف أي حد من زملائي، وما كنت عارف هم مصابين، معتقلين، أو استشهدوا."
وقال إنهم نقلوه بعد ذلك إلى حفرة أخرى، وهناك رأى زميله سعد المصاصرة مكبّل اليدين، وجلسوه إلى جانبه. "سألته فورًا: إيش صار مع الزملاء؟"
ونقل عن سعد قوله: "صالح معمر كان مصاب بإصابة خطيرة، الرصاص مغطي جسمه بالكامل، وما بعرف إذا بيعيش أو استشهد، محمد الحيلة كان مرمي جنبه وبيتشاهد، ورائد الشريف كان مصاب، ورفعة رضوان كمان بيتشاهد."
وختم شهادته قائلاً: "سألني سعد عن عز الدين ومصطفى، قلتله: أنا ما سمعت غير شهقة الموت منهم، وما بعرف مصيرهم… إذا ظلوا عايشين، أو اعتقلوهم، أو ارتقوا شهداء".