حذرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية من مخاطر تبعات تبخر الدعم الأمريكي على دولة الاحتلال الإسرائيلي واستغلال ذلك من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لمواصلة عدوانه سواء في غزة أو في مناطق إقليمية أخرى.
وسلطت الصحيفة على أن نتنياهو جلس يوم الاثنين الماضي بجانب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في المكتب البيضاوي، حيث أشاد به الرئيس باعتباره “قائدًا عظيمًا.”
واعتبرت الصحيفة أن السر في إشادة نتنياهو بالرئيس الأمريكي هو أن ترامب يتماشى أكثر مع أهداف رئيس الوزراء الإسرائيلي وائتلافه اليميني من سلفه جو بايدن.
إذ كان هناك وقت، ليس ببعيد، كان فيه استئناف دولة الاحتلال لهجماتها المميتة في قطاع غزة قبل ثلاثة أسابيع — وهي حملة جديدة أوقعت بالفعل أكثر من ألف شهيد — سيؤدي إلى ضغوط غربية عنيفة على بنيامين نتنياهو.
كانت الإدانة ستكون سريعة، علنًا وفي الكواليس. وكانت المطالب بضبط النفس ستأتي من أوروبا والبيت الأبيض، حيث حاول الرئيس جو بايدن خلال أربع سنوات، وفشل كثيرًا، في كبح جماح نتنياهو.
أما الآن، فبايدن قد رحل، وترامب أوضح أنه لا ينوي مواصلة التوبيخ الذي مارسه سلفه. بموازاة ذلك فإن أوروبا منشغلة بحرب ترامب التجارية، ونتنياهو عزز أغلبية ائتلافه في الكنيست، مما يمنحه مساحة سياسية أكبر للتحرك.
صمت البيت الأبيض عن غزة
فيما يتعلق بالهجمات العسكرية الإسرائيلية المتجددة في غزة، ظل ترامب صامتًا إلى حد كبير.
لم يذكر الهجوم الإسرائيلي على سيارات الإسعاف وشاحنة الإطفاء الذي أسفر عن جريمة قتل 15 من عمال الطوارئ، ولا الغارة في 3 أبريل التي قتلت العشرات، بما فيهم أطفال في مدرسة تحولت إلى ملجأ.
قالت سانام وكيل، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في “تشاتام هاوس”: “بالتأكيد أعتقد أن نتنياهو يحاول استغلال ما يراه مساحة أكبر للمناورة.”
يرى المراقبون في الداخل والخارج أن نتنياهو أصبح أكثر تحررًا من القيود في غزة ولبنان وسوريا، حيث بات بإمكانه استئناف خطته لإصلاح النظام القضائي دون إدانة من واشنطن، مما يغير ديناميكية المنطقة التي دمرتها 18 شهرًا من الصراع المسلح.
وفي ظل الصمت الأمريكي فإن الوضع على الأرض يشير إلى استمرار المنع الإسرائيلي لدخول المساعدات إلى غزة منذ أكثر من شهر.
فيما القوات الإسرائيلية تقوم بدوريات في أجزاء من جنوب لبنان وسوريا، مع إعلان نيتها البقاء هناك إلى أجل غير مسمى.
ولطالما قاوم نتنياهو الضغوط الدولية، وقدم نفسه للإسرائيليين كزعيم لا يخضع للإملاءات الخارجية.
وعلى مدار أشهر حرب الإبادة الجماعية في غزة واجه نتنياهو انتقادات لكنه واصل حملته العسكرية المكثفة.
قال دانيال ليفي، رئيس مشروع الولايات المتحدة/الشرق الأوسط: “القليل من الضغط الذي كان موجودًا تم تجاهله وتجاوزه.”
مقارنة بايدن وترامب
بايدن كان يدعم ما يصفه حق (إسرائيل) في الدفاع عن نفسها، لكنه انتقد الهجمات الجوية الكثيفة ووصفها بأنها “مبالغ فيها”، وقال إن معاناة الأبرياء “يجب أن تتوقف.”
في يونيو الماضي، اتهم بايدن نتنياهو بمحاولة إطالة أمد الحرب لأسباب سياسية داخلية.
كما ضغط بايدن على نتنياهو لوقف خططه لإصلاح النظام القضائي الإسرائيلي، واصفًا إياها بأنها تهديد ل"الديمقراطية الليبرالية" في دولة الاحتلال.
أما الآن، مع إدارة ترامب، فكل هذا الضغط قد تبخر.
لم ينتقد ترامب خطة نتنياهو القضائية، وتصرفاته الشخصية ضد القضاة والمحامين الذين لا يروقون له قد يُنظر إليها من قبل نتنياهو كتشجيع ضمني على أفعاله.
قال ناداف شتراوخلر، مستشار سابق لنتنياهو: “نتنياهو حصل على مساحة أكبر للعمل تحت إدارة ترامب.”
وفي الداخل، عزز نتنياهو موقفه السياسي بإقصاء معظم التهديدات لائتلافه الحاكم اليميني المتشدد.
رغم أن استطلاعات الرأي تظهر أن معظم الإسرائيليين يريدون صفقة تنهي الحرب في غزة وتحرر بقية الأسرى الإسرائيليين في غزة، إلا أن قاعدة نتنياهو الشعبية ظلت داعمة له.
وفي أوروبا، أصبح الزعماء الذين كانوا ينتقدون نتنياهو منشغلين برسوم ترامب الجمركية والأزمة المالية العالمية المحتملة.
بل إن نتنياهو تعاون مؤخرًا مع روسيا وترامب في معارضة مشروع قرار أوروبي لدعم وحدة أراضي أوكرانيا.
تغير الخطاب حول غزة
في فبراير، أعلن ترامب دعمه لفكرة الترحيل الجماعي للفلسطينيين من غزة وتحويلها إلى “ريفييرا”، وهو ما يعتبر انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي.
ومنذ ذلك الحين، أصبح نتنياهو والساسة الإسرائيليون يتحدثون علنًا عن مستقبل تسيطر فيه دولة الاحتلال على غزة إلى أجل غير مسمى.
وقال نتنياهو بعد حديثه مع ترامب: “الرئيس لديه رؤية، والدول تستجيب لهذه الرؤية. نحن نعمل على ذلك.”
وقد أصبح ترحيل الفلسطينيين من غزة، الذي كان يومًا ما فكرة هامشية، الآن مدعومًا من الرئيس الأمريكي ويرددها نتنياهو، مع إنشاء وزارة إسرائيلية لتنفيذ هذه السياسة.
قال دانيال ليفي: “التشجيع الذي حصل عليه المعسكر الأكثر تطرفًا في (إسرائيل) دفعه إلى الشعور بأنه قادر الآن على تنفيذ مخططاته".