لم يكن الشيخ سعيد العمور يعلم أن اعتداءات المستوطنين عليه هذه المرة ستكون مختلفةً عن سابقتها، بل سيبقى أثرها مرافقاً له طوال عمره؛ لتكون شاهدةً على عدوان متكرر عليه وعلى عائلته منذ سنوات في مسافر يطا جنوب الخليل.
لم يمُر اعتداء المستوطنين على الشيخ "العمور" (60 عاماً) بشكل طبيعي عندما انقضوا عليه أثناء عمله في أرضه بجانب منزله في خربة "الركيز"، في 18 إبريل/ نيسان الجاري، بل تحول المشهد من اعتداء إلى محاولة قتل بعد أن أطلق مستوطنٌ النار على "العمور" وأصابه برصاصة في قدمه تسببت ببترها.
والشيخ "العمور" هو أب لـ16 ابناً يصرون على البقاء في أرضهم والحفاظ عليها رغم الاعتداءات المتكررة وإعاقة الحركة، إلا أن الثبات على الأرض وحمايتها من المصادر والاستيطان يبقى سيد الموقف.
إصابة وتعذيب..
وبالعودة إلى الحادثة، يروي المواطن أشرف العمور ابن عم المصاب "سعيد" أن إطلاق النار تم من مسافة صفر، لافتةً إلى أنه قبل يومين من الحادثة هاجمت مجموعة من المستوطنين الشيخ "سعيد" وعائلته، وسط سيل من التهديدات رافقها تجريف وهدم جدران تحيط بالأرض واقتلاع عدد من الأشجار.
ويتابع "أشرف" في حديثه لـ"وكالة سند للأنباء"، أن جيش الاحتلال شارك في جريمة إطلاق النار الممنهجة، حيث منع مركبة الإسعاف الفلسطينية من نقل المصاب "العمور"، واحتجزه أكثر من ساعة حتى قدوم الإسعاف الإسرائيلي، ما تسبب في نزفه الكثير من الدماء وتدهور حالته الصحية والتسبب لاحقاً في بتر ساقه.
ولم يكتف جيش الاحتلال بهذا القدر من التعذيب، حيث اعتقلت القوات الشيخ "سعيد" ونجله الطفل "إلياس"، بعد إصابته ونقله إلى مستشفى سوروكا في بئر السبع، قبل أن تفرج عنه بعد أيام، وفقاً لما ذكره ضيفنا.
حالة من عدم الإدراك أحاطت العائلة في بادئ الأمر حول ماهية الإصابة، لكن سرعان ما تبين أن الشيد "العمور" قد أُصيب برصاصة متفجرة من نوع "دمدم" المحرم دولياً أطلقها عليه مستوطن، ما أجبر الأطباء على بترٍ كامل لساقه من فوق الركبة.
صدمة عارمة ألمَّت بعائلة الشيخ "سعيد"، يقول ضيفنا: إن الاحتلال أبلغهم لحظة إصابة قريبه بقرار الاعتقال، وتقييده رغم صعوبة الإصابة، منع زيارته ومعرفة الأخبار حول وضعه الصحي، كما تم تمديد اعتقال نجل المصاب قبل أن يلتمس المحامي، وينتزع قراراً بالإفراج عنهما بكفالة مالية.
ويوضح ضيفنا أشرف العمور في حديثه، أن ما جرى مع ابن عمه لم يكن الاعتداء الأول، فقد تعرض منذ سنوات حتى الآن لاعتداءات متكررة تمثلت باعتقاله واعتقال عدد من أبنائه عدة مرات، كذلك الاعتداء عليه بالضرب، إلى أن أُصيب مؤخراً برصاصة أفقدته قدمه التي كان يتجول بها لحماية تلك المنطقة.
ويعتبر "العمور" أن الشيخ "سعيد" مقصود بهذه الاستهدافات؛ لموقع منزله القريب من أحد البؤر الاستيطانية وتصديه المستمر لعدوان المستوطنين وإصراره بجانب سكان تجمع "الركيز" على البقاء في أرضهم، والدفاع عنها.
ويُبدي ضيفنا امتعاضاً من اعتداءات المستوطنين على مسافر يطا، والتي لم تعد محطَّ اهتمام أحد، متوقعاً أن الاعتداء على الشيخ "سعيد" لم يكن ليعلم به أحد لولا إصابته بالرصاص وبتر قدمه.
ويُرجع "أشرف" هذا الإهمال إلى كون الاعتداءات باتت ضمن البرنامج والروتين اليومي، مطالباً بتحرك رسمي وشعبي لمساندة السكان والدفاع عنهم.
وإلى ذلك، بدت المعنويات المرتفعة على تقاسيم وجه الشيخ "سعيد"، مؤكداً أن مصير الاحتلال إلى الزوال، وأن الأرض تستحق ولو قدَّم الفلسطيني ثمناً باهظاً من أجلها.
ويقول الشيخ بنبرة ثبات وصمود لـ"وكالة سند للأنباء"، إن الأرض التي أُصيب فيها تعود ملكيتها لوالده الذي ولد عام ١٩٢٥ إذ ان عمرها أكبر من عمر الاحتلال ووجوده في هذه البلاد.
ويُبين الشيخ "سعيد" -الذي وُلِد عام ١٩٦٥- أنه اهتم بهذه الأرض وشرع بزراعتها بأشجار الزيتون منذ عام ٢٠١٠.
ويلفت النظر إلى أنه قبل عامين تمت إقامة بؤرة استيطانية قرب أرضه، مُبدياً ثباته وإصراره على البقاء فيها والحفاظ عليها.
اعتداءات منذ سنوات..
بدوره، يقول الناشط في رصد انتهاكات المستوطنين في مسافر يطا أسامة مخامرة، إن الاحتلال الإسرائيلي لم يكتفِ بإطلاق مستوطنيه النار على الشيخ "سعيد" واعتقال نجله الطفل، بل تعدى ذلك إلى اتهامات باطلة لفقها الجنود بالتهجم والاعتداء عليهم، في رواية كاذبة متكررة عندما يكون الاعتداء من المستوطن.
ويشير "مخامرة" في حديث لـ"وكالة سند للأنباء" إلى أن المستوطنين هاجموا خربة "الركيز" عدة مرات، وتسببوا بكسر منازل المواطنين وتخريب محتوياتها، والاعتداء بالضرب المواطنين، ومهاجمة رعاة الأغنام والاعتداء عليهم.
وتتعرض "الركيز" كباقي خرب وتجمعات مسافر يطا لانتهاكات متوالية ومستمرة من الاحتلال ومستوطنيه، والتي تضاعفت بعد حرب الإبادة على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين أول 2023.
وبحسب ضيفنا، يعتدي المستوطنون بشكل متكرر على القرى والخرب باقتحامها والاعتداء على ساكنيها، مستذكراً الشهيد هارون أبو عرام، الذي قتله جيش الاحتلال في خربة "الركيز" قبل عامين، حيث أُصيب بشلل كامل نتيجة عيار ناري في الرقبة، بقي على إثره يعاني طيلة عام، قبل أن يرتقي متأثراً بجراحه.
ووفقاً للناشط "مخامرة" فقد بلغ عدد البؤر الاستيطانية في مسافر يطا 17 بؤرة وأقيم أغلبها بعد السابع من أكتوبر، عدا عن ست مستوطنات مقامة من ثمينينات وتسعينيات القرن الماضي على اراضي المواطنين بمسافر يطا.
ويؤكد أن المواطن في مسافر يطا أصبح محاصراً من جميع الاتجاهات فلا يستطيع الخروج خارج الخربة، وما يحدث هو سياسة تطهير عرقي يرتكبها جيش الاحتلال وحكومته بحق المواطنين عبر اعتداءات المستوطنين وحملة الإدارة المدنية في الاخطارات والهدم والمصادرة.