قال معهد فلسطين للدراسات الاستراتيجية، إن ما يعرف بـ"أمر 77"، الذي أصدرته مديرية القوى البشرية في الجيش الإسرائيلي، يشكل اليوم ضغطاً دبلوماسياً متزايداً على حكومة، بنيامين نتنياهو، والذي يمدد خدمة الاحتياط لأربعة أشهر إضافية تحت حالة طوارئ مفتوحة، وهو ما يرفضه الاحتياط بشكل قاطع وتسبب باستنكافات واسعة النطاق في كل القطاعات، وهو ما يهدد ائتلاف "نتنياهو" الحكومي.
وبين معهد "فلسطين"، في تقريرٍ له صدر، اليوم الأربعاء، وصل "وكالة سند للأنباء" نسخة منه، أن ما يعرف بـ"أمر 77"، والذي يأتي كاستجابة مؤقتة لأزمة متفاقمة في القوى البشرية بسبب الحرب المستمرة منذ أشهر في غزة والضفة الغربية، بالتزامن مع رفض الحكومة الإسرائيلية الاستجابة لمطالب الجيش بتمديد الخدمة النظامية إلى ثلاث سنوات، عزز انقساماً داخلياً بين المؤسستين العسكرية والسياسية، حيث تسعى الأولى لتلبية متطلبات الجبهة القتالية، فيما تضع الثانية اعتبارات الائتلافات الحزبية فوق الضرورات الأمنية.
وأكد معهد "فلسطين"، في تقريره أن هذا الأمر (77) انعكس سلباً على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، إذ أبدت شرائح واسعة من الجنود والمجتمع المدني علامات تململ، بل ورفض أحيانًا للاستمرار في الخدمة العسكرية، ما ينذر بتآكل الدعم الشعبي وتهديد التماسك المجتمعي وانهيار لائتلاف الحكومي.
وأضاف أن هنالك تقارير إسرائيلية تظهر أن الضغط المتزايد على الاحتياط أدى إلى حالة من الإرهاق البدني والنفسي، وأضعفت الجاهزية القتالية، وعمّقت الأزمة التشغيلية، فالجيش الإسرائيلي يتعرض اليوم لعجز في أعداد المقاتلين، حيث يفتقر لنحو 10 آلاف جندي احتياط، مشيراً إلى أن خدمة جندي الاحتياط تعادل حوالي 20 يومًا سنويًا، لكن بعد الحرب على غزة تجاوزت خدمة الكثير منهم الـ 500 يوم منذ أكتوبر 2023.
ويؤكد معهد "فلسطين"، وفقاً لتقارير إسرائيلية بأن العمليات المستمرة في القطاع والشمال والضفة استنزفت المخزون البشري للجيش الإسرائيلي، ما دفع القيادة إلى تأجيل تسريح الاحتياطيين حتى إتمام ثلاث سنوات نظامية من الخدمة.
وأشار المعهد إلى أن قيادة جيش الاحتلال اعتبرت السياسيين منفصلين عن متطلبات جبهة القتال، ما استدعى إجراءً داخليًا يعوّض بطء التشريع البرلماني من خلال إصدار "أمر 77".
وتشير التقديرات الإسرائيلية بحسب المعهد إلى أن ذلك سيؤدي إلى زيادة نسبة الإخفاق في الاستجابة لدعوات الاحتياط، نتيجة الإرهاق النفسي والبدني لأفراد الصفوف الأولى، إضافة إلى ارتفاع نسبة الاحتجاجات ضد استدعاء الاحتياط، خاصة بين العائلات التي فقدت أقربائها في الحرب، ما يهدد التماسك الاجتماعي والدعم الشعبي للجيش.
وأضاف تقرير معهد "فلسطين"، إلى أن "أمر 77"، ساهم في تصدّع وحدة الحكومة، وكشف عن هشاشة الائتلاف الحكومي واستغلال الأحزاب الدينية لقضية الأمن في صراعاتها البرلمانية، إضافة إى أن استمرار استدعاء الاحتياط لفترات طويلة يزيد من الاحتقان الشعبي والإرهاق النفسي لجنود الصفوف الأولى، ما قد يقلل من فعالية الجيش في المستقبل القريب.
وخلص تقرير المعهد في توصياته إلى أن الفلسطينيين أمام مشهد يكشف استنزاف الحكومة الإسرائيلية، ما يمكنهم استثماره عبر تحركات دبلوماسية يتم ربطها باتهام الحكومة الإسرائيلية بجرائم الحرب في غزة، إلى جانب توظيف هذه الأزمة في توحيد الصف الفلسطيني من خلال التأكيد على أن هشاشة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية ناتجة عن انقساماتها الداخلية، وليس عن قوة خارجية.
وشدد معهد "فلسطين"، فيما خلص له على أن استثمار هذه الثغرة بذكاء، سواء في المحافل الدولية أو عبر الساحة المحلية، يعزز من قدرة الفلسطينيين على خلق ضغط سياسي وقانوني على "إسرائيل"، ويدعم الرواية الفلسطينية، بذلك يتحول "أمر 77" من إجراء عسكري طارئ إلى مدخل استراتيجي يمكن للفلسطينيين توظيفه لتحقيق مكاسب سياسية وأمنية ملموسة.
وأضاف أنه يمكن استخدام إعلان أزمة الاحتياط الإسرائيلي لتعزيز الدعاوى أمام المؤسسات الدولية والأمم المتحدة، واستغلال الإشارة إلى استنزاف الجيش وسط اتهامات بجرائم حرب في غزة، والتنسيق مع منظمات حقوق الإنسان لربط استنزاف الجيش الإسرائيلي بمسألة الحصار والحروب المتكررة على غزة، وفتح تحقيقات حول تأثير ذلك على المدنيين.
وختم تقرير معهد "فلسطين"، بأن “أمر 77” يشكل فرصة لتعميق الضغط الدبلوماسي، وتوحيد الجبهة الداخلية، وتقوية الرواية الفلسطينية عبر الشراكات الإعلامية والقانونية؛ إذ يكشف ضعفاً أمنياً وسياسياً في قلب أعتى قوة عسكرية في المنطقة فكلّما استُثمر هذا الانكشاف بحكمة، زادت فرص تحقيق مآرب سياسية وقانونية للشعب الفلسطيني.