محاولات الحياة خلال الحرب، تلك اللحظات التي قد تكون خيطًا رفيعًا من الأمل بين الركام، يقتلها الاحتلال في مهدها، فرغم أن الأمل لا يزال ينبض في قلب كل فلسطيني، فإن محاولات الفرح تبقى مستهدفة، لا تلبث أن تُقتل بيد الاحتلال التي لا تفرّق بين الحياة والموت، هذا هو الواقع الذي يعيشه كل فلسطيني، إذ لا يُسمح لهم حتى بابتسامة أو لحظة فرح دون أن يعكر صفوها العدو.
كان يفترض أن تكون الدعوة قصيرة وبهيجة: "ننتظركم يوم الجمعة في حفل خطوبة شذا وسعيد"، لكنها عادت بعد أيام معدودة، بنفس التصميم، وبخط أصغر يعتذر: نعتذر منكم بسبب استشهاد العريس."
في غزة، لا يكبر الفرح بما يكفي، سعيد الصفطاوي، العريس المنتظر، وليس الأول الذي يترك عروسته وأحلامها وراءه، قضى شهيدًا قبل موعد خطوبته بيومين فقط؛ جراء الغارات التي لا توقف على قطاع غزة، وأسفرت منذ فجر اليوم عن أكثر من 100 شهيد.
كانت شذا، ابنة الشهيد سامر عيشان، تستعد للحظة التي تلتئم فيها بعض الخسارات، وتُبنى حياة فوق الركام، لكن الصاروخ سبقها، استُشهد سعيد، واحترق الحلم، في هذه المدينة، لا توجد مواعيد مؤكدة.
الفرح مؤجل دومًا، والدمع حاضرٌ على الدوام، تتحوّل الدعوات إلى أخبار عاجلة، وتُكتب البدايات بأحرف النهاية، فالعناوين التي تبدأ بـ "مبروك"، سرعان ما تُستبدل بـ "رحمه الله".
في غزة، لا تمرّ الأيام دون وداع، فكل يومٍ تقريبًا، تُودّع فتاةٌ خطيبها أو زوجها، تنظر في صورته الأخيرة، وتبحث عن أثر صوته في رسائله القديمة في هذه المدينة، لا تُكمل الحبيبات جملتهن الأخيرة... الموت يسبقهن دومًا، هكذا تعيش غزة بين نذر الفرح، وسيف الفقد.
في غزة، هذا ليس مشهدًا استثنائيًا، بل فصل آخر من رواية طويلة تُكتب بالدم، وتُقرَأ بصمت على وجوه النساء المكسورات، وعلى أكتاف الفساتين المُعلّقة، وعلى كؤوس لم تُملأ.
العروس، التي لم تُكمل تجهيزاتها، جلست تنظر إلى شاشة هاتفها، تُعيد قراءة الدعوة القديمة، لا تمسحها، تتركها هناك، كأثر لذكرى لم تكتمل، وكمقام لوداع لم يأخذ حقه.
هذه ليست القصة الوحيدة، ففي أبريل/ نيسان 2025، كانت الشابة الفلسطينية ملك أبو العمرين تترقّب يوم زفافها بفارغ الصبر، إذ كان من المقرر أن تبدأ حياتها مع خطيبها أحمد غراب في الثامن من الشهر نفسه، لكن في لحظة كان حلمها على وشك التحقق، تلاشى كل شيء في غارة إسرائيلية استهدفت مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، حيث فقدت أحمد وكل أفراد أسرته قبل يوم واحد فقط من موعد زفافها المنتظر.
الفرح في غزة لا يعيش طويلاً، فما إن يشرق حتى يغيب تحت وطأة القصف والدماء، ليست هذه القصة الوحيدة، ففي كل زاوية من هذا المكان، نرى الفرح يُغتال قبل أن يكمل مساره، كما فقدت ملك حلمها بالزواج في لحظة، كذلك كانت الأم في خان يونس تُودع ثلاثة من أبنائها، أحدهم كان عريسًا، اغتالهم الاحتلال في استهداف صالون حلاقة، ليُكتب على غزة أن تُودع فرحها كل يوم.