الساعة 00:00 م
الأحد 01 يونيو 2025
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.73 جنيه إسترليني
4.95 دينار أردني
0.07 جنيه مصري
3.99 يورو
3.51 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

غزة في قلب نهائي دوري أبطال أوروبا 2025

مصائد موت وإذلال المُجوَّعين.. مساعدات مغمسة بدماء الباحثين عنها في غزة

أُدباء شاهدون على الإبادة..

بالحبر والكلمة.. كُتّاب غزة ينهضون كأمناء على ذاكرة جماعية تُكتَب بالدم والركام

حجم الخط
دور الكتابة في توثيق الحرب
غزة - فاتن عياد الحميدي - وكالة سند للأنباء

بالحبر والكلمة ينهض كُتَّاب غزة بأقلامهم من تحت الركام ليخطوا رسالةً، ويُظهروا فكرةً، وينقلوا روايةَ وصوتَ مَن لا صوت لهم كمؤتمنين على ذاكرة جماعية تُكتَب بالدم والركام، تُنقل بأعينهم كما عايشوها لا كما يراها مَن هُم خارج أسوار القطاع.

ففي حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة نهضت الكتابة وتجلت حروفها أكثر، كشكل من أشكال المقاومة في زمن الحرب؛ لتعبر بشكل حقيقي عن الوجع المتغلغل في أرواح أهالي القطاع، الذين يُنقل صوتهم كتابةً من خلال الأدباء والروائيين والكُتَّاب.

وتقع على عاتق الكُتّاب والأدباء مسؤولية حفظ التفاصيل الصغيرة التي يتجاهلها الإعلام أو تُمحى من الصور: نظرة أم تودّع طفلها، رائحة الخبز وسط الدمار، صوت الأمل في عيون المحاصَرين، وادع الأمهات لفلذات أكبادهن، هذه التفاصيل حين توثق بأمانة، تُشكّل الرواية الفلسطينية الأصلية التي تقف في وجه حملات التضليل والمحو.

مقاومة بالحبر والكلمة..

الكاتب سعيد أبو غزة، بدأ بتوثيق تفاصيل الحياة اليومية منذ اليوم الأول لحرب الإبادة الجماعية، بكل ما تحمله من وجع ومقاومة، من القصف الجنوني، إلى تشييع الشهداء، واصطفاف الناس في طوابير الماء والخبز.

وحرص ضيفنا "على كتابة القصص يومياً، محاولاً أن يلتقط كل ما يراه بعينه ويسجله بحسٍّ إنساني، فخلال السنة الأولى لحرب الإبادة صدر له عمل قصصي يوثق 74 قصة قصيرة، بعنوان "الحب والخوف: يوميات الحرب الكونية ضد قارة غزة" عن دار بدائل للنشر والتوزيع في القاهرة.

إلى جانب الكتابة اليومية للنصوص الأدبية على مواقع التواصل الاجتماعي المتعددة، التي تُجسّد الألم وتترجمه إلى صور أدبية مؤثرة.

"كل هذه الأعمال تأتي من القلب والروح، وتحمل همّ التوثيق والمقاومة بالحبر والكلمة"، كما وصف ضيفنا "أبو غزة"، والذي اعتبر من الكتابة نوع من أنواع المقاومة والصمود التي تُشعر صاحبها أنه ما زال على قيد الحياة، وممسكاً بحبل النجاة مرة أخرى.

لماذا نكتب؟

وفي حديثه الماتع لـ"وكالة سند للأنباء"، يرى "أبو غزة" أن الكتابة تحت ضربات المدافع و قصف الطائرات الذي يستهدف قتل البشر والحجر والحُب فكرة عميقة تم ترسيخها كسردية صمود تاريخية تعقبتها الأجيال داخل الأرض المحتلة ومخيماتها الممتدة بشكل تربوي وطني.

ويزيد "في الحروب، يكتب البعض انتصاراً، ويكتب البعض انهزاماً، أما نحن – الكتّاب الفلسطينيون – فنكتب كي لا تُنسى الحقيقة، وكي لا يُكمل العالم نومه فوق ركامنا دون أن يسمع صوتنا وروايتنا الحقيقية".

ويعتبر "أبو غزة" الكتابة مسؤولية الجبهة الخلفية، جبهة الوعي والذاكرة والأدب، التي تقاتل بالكلمة كي تبقى فلسطين حاضرة، لا كقضية فقط، بل كحكاية تُروى من قلب أصحابها، لا من فم غريب.

بجانب دور الكتابة بأشكالها المتنوعة باتباع آليات تعزيز البقاء والصمود أمام سياسات الاحتلال لإضعاف الوجود الفلسطيني، وحقهم بالعيش بحرية وكرامة وجعلهم فئات فقيرة هشة تفكر دوماً في توفير لقمة العيش.

ويبتدع الفلسطيني أينما حل آليات التكييف التي تشجع البقاء وتدبر سبل العيش التي تساهم فيها وتوثقها أشكال الكتابة والأفعال الثقافية التي توازي وتحاكي الفعل المقاوم التي يعيشه ويشعر به الفلسطيني.

"كانت حدثاً عادياً وأصبحت الآن واجباً"..

الشاعرة والكاتبة سمية وادي تُبيِّنُ أن الكتابة كانت حدثًا عاديًا وطبيعيًّا في عهد الحروب السابقة، "نكتب عن موتنا وخوفنا ونحن في بيوتنا.

وتستدرك بالقول: "ولكن الآن مع انعدام مقوّمات الحياة، والانشغال بالنزوح والجوع والدمار الشامل لم يعد الحديث طبيعيًّا، وقد استنفد من مخزون القلب الكثير حتى لملم الشاعر فتاته، وعدت للكتابة إيمانًا بضرورة الكلمة وحضور الشاعر وتوثيقه معاناة شعبه وتجربته الفردية".

وعن نهجها في توثيق الحرب بالكلمات فقد كانت "سمية" تكتب على صفحاتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي الكثير من الخواطر الموثقة للحالة العامة من حزنٍ وألم وبث تفاؤلٍ وقيم، على شكل أبيات شعرية مختصرة، أو فلاشات نثرية صغيرة.

ونجحت في كتابة مجموعة من القصائد المستوحاة من مشاهد الحرب الذاتية والعامة، وقد نشرتها في ديوانٍ شعري بعنوان "قصائدُ ناجيةٌ من الخوارزمية"، وتم نشره من خلال وزارة الثقافة في رام الله.

وتضيف من كلماتها "الحديث عن إبادة شعب ومآسٍ غير مسبوقة لا تحكمه تفاصيل كتابة ولا خطة شاعر، الموت يكتب عنك، والحزن يقود القلم، والصمت والكلام يتلاعبان بالشعور".

تأثير عالمي وحشد دولي مُآزِر..

وحول مدى تأثير الكتابة في توثيق حرب الإبادة على القطاع، يُجيب ضيفنا "أبو غزة، "كان للكتابات حول حرب غزة أثر واضح وملموس على الشعوب المتعددة خارج السياق الفلسطيني والعربي أيضاً، حيث تجلّى هذا التأثير من خلال الاهتمام الإعلامي والثقافي الذي لاقته أعمال الأدباء، والتي رصدت تفاصيل الحرب ومعاناة الناس بلغة إنسانية وأدبية".

ويستطرد: "سلّطت الضوء على الدور الذي تلعبه الكلمة في نقل صورة الحرب ومعاناة الناس، ليس فقط كحدث سياسي، بل كألم إنساني ومعاناة يومية تعيشها غزة".

وفي هذا الحال يرى أن الأدب يُصبح فعلاً سياسياً وإنسانياً، يفتح نوافذ الفهم ويجعل من القارئ شريكاً وجدانياً في المعاناة التي يعيشها أهل غزة.

ويشد أن مسؤولية الكتَّاب تتضاعف لتتحول من مجرد إنتاج أدبي إلى رسالة وطنية وتاريخية وأخلاقية، فتقع على عاتقهم مهمة لا يمكن التفريط بها: توثيق الرواية الفلسطينية بصوتها الحقيقي، ومن داخل الحدث، قبل أن تُشوَّه أو تُطمس أو تُروى بلسانٍ غريب لا يحمل وجعنا أو عدو يريد تشويه الرواية.

أما "وادي" فقد كانت كلماتها تصل ويتناقلها أصدقاؤها في الوطن العربي من الشعراء والمهتمين، مضيفةً "وقد بدا التأثّر جليًّا، خاصةً في مطلع الحرب، كما أنها كانت تعبيرًا عن الواقع الصعب يعرفون تفاصيل المرار والمجازر من خلالها".

وتؤكد أن كل كلمة تُكتب تساهم في تشكيل وعي عالمي بالقضية الفلسطينية، فالكثير من القصائد والمقالات التي كتبتها ضيفتنا نُشرت وتُرجمت، وتُستخدم الآن في حملات دعم ومناصرة، مما يعزز من صورة الدعم الشعبي لغزة.

قلم ينهض من تحت الركام..

ولا يُمنح الكاتب رفاهية الانفصال عن الواقع ليكتب، ففي ظل حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة يعيش الكُتَّابُ المعاناة ذاتها التي يعيشها كل فرد من أبناء شعبه.

ويُجمِع ضيوفنا أن الكاتب هنا ليس مراقباً من بعيد عما يحدث، بل هو جزء من المأساة اللحظية، ينهض من تحت الركام، ويكتب من مخيمات النزوح، أو على ضوء شمعة، أو وسط طوابير الخبز والماء، حاملاً وجع الناس في حروفه.

حيث يُعانون كذلك كما تحدثوا لـ"وكالة سند للأنباء" من الظروف المعيشية القاسية: النزوح المتكرر، انعدام الأمان، فقدان الخدمات الأساسية، من كهرباء وماء واتصال، وكل ذلك يضع جداراً نفسياً ومادياً أمام القدرة على الاستمرار بالكتابة، لكنه لا يمنعهم، بل يحفزهم أكثر على الكتابة كشكل من أشكال البقاء والمقاومة.

أما على الصعيد الأدبي، يرى ضيوفنا أن التحدي الأكبر هو الكتابة وسط الدمار، أن تجد لحظة صفاء ذهني، أو خيط شغف في قلب الفوضى، لتكتب بتركيز وصدق، دون أن تفقد إنسانيتك أو تقع في فخ التكرار أو التبلّد.

ويختم ضيوفنا قولهم "الكتابة في الحرب ليست مجرد فعل أدبي، بل موقف وجودي، الكتابة تحت النار، رغم قسوتها، تخلق أدباً نقيّاً، حقيقياً، لا يتجمّل، أدباً يولد من رماد البيوت المهدّمة ووجع الناس، ويكتب تاريخ بعيون من عاشوه، لا من قرأوا عنه.