تحديات مفصلية وربما تكون "قاضية"، تواجهها حكومة الاحتلال بزعامة بنيامين نتنياهو، الذي طوّع مختلف الأسلحة والتكتيكات وأساليب الخداع، لتدوير الخلافات وتأجيلها، حفاظًا على مستقبله السياسي بالمدى المنظور.
لكن يبدو أن سفينة نتنياهو هذه المرة، تجابَه برياح عاتية، تحركها قضايا خلافية معقّدة، أبرزها تجنيد اليهود المتدينين "الحريديم" في الجيش، الذين يرفضونه ويهددون بحل الكنيست وإجراء انتخابات نيابية مبكرة، لا يمكن لنتنياهو، وفق المعطيات السياسية، الفوز فيها.
وأحيط نتنياهو هذه المرة؛ بحبال حلفائه في الائتلاف الذي يشكله مع قوى الحريديم والقوة الصهيونية والحركة الصهيونية؛ إضافة لحزبه الليكود الذي أقصى منه كل معارضيه ومناوئيه؛ ليجد نفسه عالقا بين حبل الابتزاز بوقف قانون التجنيد؛ أو الانتخابات مبكرا!
ورغم تعقيد المشهد؛ يراهن مراقبون للمشهد الإسرائيلي؛ أن ينجح نتنياهو مجددا في المراوغة بتفكيك القنابل المحيطة به ورفع الأحبال عن رأسه؛ من خلال لعبة شراء الوقت التي يتقنها في تحركاته الداخلية وفي إدارة ملفاته مع الحرب أيضا.
الدفع بالتحركات السياسية لنهاية الشهر الجاري؛ التي توافق بداية العطلة الصيفية؛ والإمساك بمبررات الإجازات السنوية؛ ستقوده لموعد الانتخابات المقررة في أكتوبر من العام القادم؛ ليحقق ما بات مستحيلا تقريبا منذ العام 2000 تحقيقه في "إسرائيل"؛ أن تكمل حكومة مدتها كاملة!
وقال رئيس حزب شاس أرييه درعي: "نحن في أزمة غير مسبوقة، لا خيار أمامنا، ذاهبون إلى انتخابات"؛ ترافقا مع دعوة مجلس حكماء التوراة التابع لحزب شاس؛ رئيس حزب معسكر الدولة بني غانتس لاجتماع؛ في ظل التوقعات بحل الكنيست.
مراوغة
وأكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة حيفا، جمال زحالقة، أن احتمالات إجراء انتخابات مبكرة في "إسرائيل" لا تزال ضعيفة، رغم تصاعد التهديدات من قبل الأحزاب الحريدية، وعلى رأسها شاس ويهودوت هتوراه، في إطار الضغط من أجل تمرير إعفاءات واسعة من قانون التجنيد.
وأوضح زحالقة لـ "وكالة سند للأنباء" أن هذه التهديدات أقرب إلى المناورة السياسية منها إلى نوايا حقيقية لإسقاط الحكومة، مضيفًا أن الحريديم يعلمون جيدًا أن الذهاب إلى انتخابات قد لا يكون في صالحهم، بل قد يُسفر عن نتائج تُضعف موقفهم أو تؤدي إلى تشريع قانون تجنيد أكثر صرامة ضدهم.
وأضاف أن حزب شاس تحديدًا لا يريد إسقاط الحكومة، بل يأمل أن تبقى متماسكة، ويدرك أن السيناريو الأفضل له يتمثل في استمرار الوضع الحالي دون مغامرات انتخابية قد تطيح بمكتسباته.
وتابع زحالقة: "نتنياهو سيسعى إلى مماطلة الأزمة حتى نهاية الدورة الصيفية للكنيست، المقررة في السابع والعشرين من يونيو، ثم الدخول في عطلة صيفية تمتد حتى أكتوبر، بهدف كسب الوقت".
وتوقع أن يُحاول تمديد عمر الحكومة حتى مارس 2026، الموعد النهائي لإقرار الميزانية، على أن يُعلن بعد ذلك عن الانتخابات في توقيت يمنحه القدرة على ادعاء "الانتصار السياسي"، بغض النظر عن الواقع الفعلي.
وحول موقف المعارضة، أوضح زحالقة أن زعيم المعارضة يائير لابيد لا يمتلك الأغلبية الكافية لتبكير موعد الانتخابات، كما أن المواقف داخل الكنيست غير موحدة، وبدون انضمام حزب يهودوت هتوراه للمعسكر المؤيد للانتخابات، فإن الرقم الحاسم 61 لن يُستكمل، ما يُبقي الكفة راجحة لصالح استمرار الحكومة الحالية.
واختتم زحالقة حديثه قائلاً: "رغم كل الضغوط، فإن نتنياهو لا يزال متمسكًا بالسلطة. الكرسي لا يهتز به، بل هو من يُمسك بالكرسي، "إسرائيل"، في نظر البعض داخل المؤسسة السياسية، ترى فيه الشخص الذي يمكنه وحده أن يُنقذها من أزماتها المتلاحقة."
محاولات الحسم
من جهته؛ قال سامي أبو شحادة، رئيس حزب التجمع الوطني وعضو الكنيست السابق، إن أزمة قانون التجنيد الخاصة بالحريديم ترافق حكومة نتنياهو منذ نشأتها، وقد تسببت في أزمات متعددة على مدار السنوات، إلا أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لطالما وجد مخرجًا منها في اللحظات الأخيرة.
وأشار أبو شحادة لـ"وكالة سند للأنباء" إلى أن التصريحات الأخيرة الصادرة عن حزب شاس وممثلي التيارات الحريدية خلال الاجتماعات المغلقة تعكس تحولاً جديًا، وقد تقود "إسرائيل" إلى انتخابات مبكرة إذا لم يتم التوصل إلى تفاهم قريبًا.
لكنه استدرك قائلاً: "نتنياهو يملك عدة أوراق للمناورة، وهو ليس غريبًا عن الأزمات السياسية، وبالتالي لا يمكن القول إن الأمور محسومة بشكل نهائي."
وأضاف أبو شحادة: "نأمل أن تحسم هذه الأزمة لصالح إسقاط هذه الحكومة الفاشية، التي تورطت في جرائم حرب ضد شعبنا، وأن يتمكن الشارع الإسرائيلي من إسقاط هذا الائتلاف المتطرف."
ووصف نتنياهو بأنه الشخصية الأكثر تمرسًا في المشهد السياسي الإسرائيلي، مشيرًا إلى أنه يحكم "إسرائيل" بشكل شبه متواصل منذ عام 2009، وسبق له أن واجه أزمات مشابهة في محطات عديدة.
وعن التفاصيل التقنية للأزمة، أوضح أبو شحادة أن نتنياهو يفضل تأجيل حسم الأزمة حتى نهاية الشهر المقبل، حيث تدخل الكنيست في عطلتها الصيفية، ولن تعود للعمل قبل نهاية أكتوبر، مما يمنحه قرابة 9 أشهر إضافية في الحكم.
لكنه أشار إلى أن الأحزاب الحريدية وعلى رأسها شاس، تعي هذا التكتيك وتحاول الضغط على نتنياهو الآن قبل بدء العطلة للحصول على صيغة مرضية لقانون التجنيد.
أما من الناحية المبدئية، فأكد أن هناك خلافًا حقيقيًا وجادًا حول جوهر القانون، إضافة إلى بوادر أزمة مرتقبة تتعلق بالميزانية العامة التي يجب إقرارها قبل نهاية العام الجاري.
ولفت أبو شحادة إلى أن تجربة الحكومات الإسرائيلية في العشرين سنة الماضية تُظهر أن القليل منها يصمد حتى نهاية ولايته، ومن غير المرجح أن تبقى هذه الحكومة حتى أكتوبر 2026، ما لم تحدث تحولات دراماتيكية في المشهد السياسي.