قالت صحيفة بوليتيكو إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا يتعلم من التاريخ وإن تسليح الميليشيات وعصابات سرقة المساعدات الإنسانية في غزة وصفة مضمونة للفوضى وسيحصد من ورائها الانهيار فقط.
وأبرزت الصحيفة إنه في تكرار لواحدة من أقدم أخطاء الاستعمار في المنطقة، عمد نتنياهو إلى المراهنة على تسليح مجموعات مسلّحة محلية في غزة، أملاً في تقويض أي بنية فلسطينية موحّدة وقادرة على الصمود.
هذه المرة، جاء الرهان على ميليشيات عشائرية تموَّل وتسلَّح وتُدفع نحو تنفيذ مهام أمنية في مناطق خاضعة للجيش الإسرائيلي، في محاولة مكشوفة لتكريس واقع جديد قوامه الفوضى والانقسام.
وأكدت الصحيفة أن مثل هذا النهج، وإن بدا في ظاهره مفيداً لإسرائيل، ليس إلا وصفة مجرّبة لكوارث استراتيجية.
فالتاريخ الحديث، سواء في أفغانستان أو العراق أو حتى داخل الأراضي الفلسطينية، قد أثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن تسليح وكلاء محليين خارج إطار شرعي، لن يؤدي إلا إلى تفكك النظام العام، وتحويل المناطق المتنازع عليها إلى مسرحٍ دائم للعنف والابتزاز والفراغ الأمني.
فشل الخطط الإسرائيلية
بحسب بولتيكو جاء اعتراف نتنياهو الأخير بتفعيل عصابات مسلحة مناوئة لفصائل المقاومة الفلسطينية في غزة كإعلان ضمني عن فشل الخيارات الإسرائيلية السابقة.
ويقف على رأس هذه العصابات تبرز ما تُعرف بـ"قوات أبو الشباب"، وهي ميليشيا عشائرية ترتبط بسوابق إجرامية وتتلقى تمويلاً وتسليحاً من دولة الاحتلال، بزعم تأمين نقاط توزيع المساعدات الإنسانية.
وقالت بوليتيكو إن هذا النموذج الذي تروّج له المؤسسة الأمنية الإسرائيلية لا يختلف كثيراً عن محاولات مشابهة استخدمتها قوى استعمارية لترويض شعوبٍ ترفض الاحتلال.
فبدلاً من التعامل مع الفلسطينيين على أنهم شعب يسعى لحريته، يتم التعامل معهم كفسيفساء من العصابات المتناحرة، يمكن شراؤها وتوظيفها بالمال والسلاح.
وشددت الصحيفة على أن دولة الاحتلال تسير على نفس الطريق. فمن أجل تقليص خسائر جنودها، ومن أجل رسم صورة مزيّفة لاستقرارٍ ما في غزة، تقوم بدعم جهات خارج أي منظومة شرعية، وتمنحها تفويضاً مشوهاً لـ"حفظ الأمن"، وكأن احتلال الأرض وانهيار البنية المجتمعية لا يكفيان.
وختمت الصحيفة بأن تكرار هذا الخطأ الاستراتيجي ليس مجرد سوء تقدير، بل يعكس عقلية استعمارية ترفض التعلم من دروس الماضي. فحتى داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، هناك من يعترفون أن دعم الميليشيات في غزة، سواء سابقاً أو الآن، لم ولن يؤدِ إلى نتيجة سوى إطالة أمد الصراع.
ورأت أن ما يقوم به نتنياهو ليس إلا محاولة يائسة للهروب من استحقاقات السياسة والحساب. فبدلاً من أن يواجه أزمة الثقة المتفاقمة داخلياً، أو يعيد النظر في ممارسات الاحتلال، يهرب إلى الأمام بتكتيكات قصيرة النظر. وإن كان التاريخ قد علّم شيئاً، فهو أن الفوضى لا تصنع سلاماً، وأن من يزرع العصابات، سيحصد الانهيار.