ترجمة خاصة.. "إسرائيل" لا يمكن أن تكون مهيمنة إقليميًّا.. القوة وحدها لا تكفي

حجم الخط
Screenshot 2025-06-17 135300.png
غزة- وكالة سند للأنباء

شنّت "إسرائيل" مؤخرًا هجومًا واسعًا على إيران، في أحدث جولة من حملتها الرامية إلى القضاء على أو إضعاف كل خصومها الإقليميين.

فبعد هجوم حركة حماس في أكتوبر 2023، شنّت "إسرائيل" حملة وحشية لتدمير الشعب الفلسطيني كقوة سياسية ذات مغزى — وهي حملة وصفها العديد من خبراء حقوق الإنسان والأكاديميين بأنها إبادة جماعية.

كما دمّرت القيادات العليا لحزب الله في لبنان عبر غارات جوية وهواتف مفخخة وأساليب أخرى، وهاجمت الحوثيين في اليمن، وقصفت سوريا ما بعد الأسد بهدف تدمير مخازن أسلحة ومنع القوى المعادية من التأثير السياسي.

أما الهجمات الأخيرة على إيران، فتهدف إلى ما هو أكثر من مجرد تدمير البنية التحتية النووية؛ تسعى إسرائيل على الأقل إلى:

* إفشال المفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني.

* شل قدرة إيران على الرد عبر اغتيال كبار القادة والمسؤولين العسكريين والدبلوماسيين والعلماء.

* وإذا أمكن، جرّ الولايات المتحدة إلى حرب أوسع.

  وفي الحد الأقصى، تأمل "إسرائيل" إضعاف النظام الإيراني إلى حد الانهيار.

هل "إسرائيل" قوة مهيمنة بالفعل؟

بالنظر إلى بعض النجاحات التي حققتها هذه العمليات — ولو مؤقتًا — قد يتساءل البعض: هل أصبحت إسرائيل قوة مهيمنة إقليمياً؟

بحسب التعريف، فإن الهيمنة تعني أن تكون الدولة القوة العظمى الوحيدة في المنطقة*، بحيث *لا يستطيع أي طرف آخر (أو حتى تحالف من أطراف متعددة) مجاراتها عسكريًا.

لكن للوهلة الأولى، يبدو هذا الطرح بعيد المنال. فكيف لدولة يبلغ عدد سكانها أقل من 10 ملايين (نحو 75% منهم يهود)، أن تهيمن على منطقة تضم مئات الملايين من العرب المسلمين وأكثر من 90 مليون إيراني؟

مزايا "إسرائيل" لا تكفي للهيمنة

رغم هذا، تمتلك "إسرائيل" أفضليات مهمة:

* شعبها متعلم وذو حس وطني قوي.

* قادتُها غالبًا أكثر فاعلية من نظرائهم العرب.

* *تحظى بدعم ثابت وسخي من الشتات اليهودي*، ومن قوى عظمى مثل بريطانيا وفرنسا تاريخيًا.

* الخصوم العرب غالبًا ما يعانون من انقسامات داخلية وصراعات فيما بينهم.

* التفوق التكنولوجي والتدريب والقيادة جعلت جيش الدفاع الإسرائيلي دائمًا أكثر كفاءة من أعدائه.

* السلاح النووي الإسرائيلي والاستخبارات القوية يعززان تفوقها.

لكن العامل الأهم هو *الدعم الأميركي الهائل وغير المشروط تقريبًا*، الذي يضمن بقاء التفوق العسكري الإسرائيلي — وهي ميزة لا تملكها أي قوة مهيمنة إقليمية حقيقية. من دون هذا الدعم، لن تتمكن إسرائيل من فرض سيطرتها الإقليمية رغم امتلاكها للسلاح النووي.

لماذا لا ترقى "إسرائيل" إلى الهيمنة الحقيقية؟

الهيمنة الحقيقية تعني غياب التهديدات الجوهرية من الجيران، كما كان حال الولايات المتحدة في نصف الكرة الغربي مع بداية القرن العشرين. إذ لم تواجه واشنطن تهديدًا عسكريًا داخليًا منذ القرن التاسع عشر، مما سمح لها بالتركيز على السياسات الخارجية في أوراسيا.

أما "إسرائيل" اليوم، فلا يمكن مقارنتها بذلك:

* الحوثيون ما زالوا يتحدّونها.

* الجيش الإسرائيلي غارق في غزة رغم تدميره الشامل هناك.

* حزب الله وحماس أُضعفا لكنهما لم يشكّلا خطرًا وجوديًا حقيقيًا أصلاً.

* إيران وتركيا — رغم عدم تكافئهما حاليًا — تملكان قوات كبيرة وسكانًا يفوقون "إسرائيل"، ويمكنهما الدفاع عن أنفسهما في حال اندلاع حرب كبرى.

الرد الإيراني الأخير على الضربات، رغم أنه لم يرق إلى حجم الخسائر، لكنه ليس تافهًا — والنزاع لم ينته بعد. كما أنه لا توجد مؤشرات على أن طهران مستعدة للخضوع لإسرائيل.

هاجس القنبلة النووية يكشف هشاشة التفوق

السبب المعلن للهجوم على إيران هو الخوف من أن تحصل على قنبلة نووية، لا لكي تستخدمها مباشرة ضد "إسرائيل" ، بل لأنها قد تمنع "إسرائيل" من التصرف بحرية في المنطقة.

هذا بحد ذاته يعكس ضعف الهيمنة، إذ أن الهيمنة تعني أن الدولة لا تخشى القيود أو الردع.

وفوق ذلك، لا توجد مؤشرات على أن الانتصارات العسكرية الإسرائيلية قرّبتها من حل جذري مع الفلسطينيين، الذين يشكّلون نصف السكان في الأراضي التي تسيطر عليها "إسرائيل".

فقتل أكثر من 55 ألف فلسطيني لم يُنهِ الصراع ولم يمنع هجوم حماس عام 2023، الذي أودى بحياة مئات الإسرائيليين. بل على العكس، أضرّ بصورة "إسرائيل" عالميًا، وأضعف دعم حلفائها التقليديين.

الهيمنة تتطلب الاعتماد على الذات – و"إسرائيل" لا تملك ذلك

الاعتماد شبه الكامل على الولايات المتحدة في الأسلحة والذخائر والدعم الدبلوماسي ينفي فكرة الهيمنة. *الهيمنة تتطلب الاستقلال، لا التبعية*، و"إسرائيل" لا تزال بحاجة إلى "الراعي الأميركي" في كل جولة صراع.

ورغم ثبات هذا الدعم لعقود، إلا أنه يشهد مؤخرًا بوادر توتر، ومن المرجّح أن يصبح أصعب استدامته في ظل تراجع مكانة الولايات المتحدة عالميًا.

وإذا أدت الأزمة الحالية إلى تورّط أميركي مباشر، فسيبدأ المزيد من الأميركيين — بمن فيهم مؤيدو ترامب الذين وعدهم بالسلام — بإدراك الثمن الباهظ لهذا "التحالف الخاص".

القبول الإقليمي شرط للهيمنة

أخيرًا، تتطلب الهيمنة الدائمة قبول الجيران وتكيّفهم معها، وإلا سيستمرون في مقاومتها.

ولتحقيق ذلك، يجب أن تتصرف الدولة المهيمنة بتسامح وانضباط — كما فعل الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت بسياسة "الجوار الحسن" تجاه أمريكا اللاتينية.

أما "إسرائيل" ، فلم تُظهر تسامحًا أو مرونة تجاه جيرانها، وتزايد نفوذ القوى الدينية واليمينية المتطرفة فيها يجعل هذا أكثر صعوبة.

لذلك، وباختصار، تفشل "إسرائيل" في تحقيق شروط الهيمنة الإقليمية.

ربما يطمح قادتها لذلك، لكن هذا الطموح سيظل بعيد المنال، ما يعني أن الأمن الإسرائيلي طويل الأمد لا يعتمد على القوة فقط، بل على الحلول السياسية، وخاصة التوصل إلى تسوية شاملة مع جيرانها، وعلى رأسهم الفلسطينيون.

وهذا تأكيد جديد على أن الأمن الدائم مصدره السياسة، لا القوة فقط.

المصدر: فورين بوليسي