في الوقت الذي كانت فيه الأمهات يُلوّحن لأبنائهن من شرفات المنازل، ويرددن دعوات النجاح في أول أيام امتحانات الثانوية العامة، جلست السيدة معالي صوافطة "أم معاذ" في بيتها بطوباس تكتم وجعًا لا يُحتمل، بعدما حُرم ابنها "مازن" من دخول قاعة الامتحان، ليجد نفسه خلف قضبان الاحتلال بدلًا من مقعد الدراسة.
فجر الثامن من أبريل/ نيسان الماضي، حاصرت قوات الاحتلال منزل عائلة صوافطة، حينها، لم يكن مازن يتوقع أنه الهدف من هذه الاقتحام، وقال لأمه محاولًا طمأنتها: "ما رح ييجوا عنا.. شو بدهم ييجوا يعملوا؟".
لكن سرعان ما وقع ما لم يكن بالحسبان، اقتحم الجنود المنزل واعتقلوا مازن، ليلتحق بوالده وشقيقه الأكبر "معاذ" الأسيرين في سجون الاحتلال.
لحظة قاسية..
"كانت لحظة صعبة وقاسية جدًا.. من أصعب اللحظات التي مرّت علي"، بهذه الكلمات وصفت "أم معاذ" لحظة اعتقال ابنها مازن، الذي كان يتهيأ حينها للامتحانات التجريبية للثانوية العامة بالفرع التجاري، في مدرسة طوباس الثانوية.
لم يكن اعتقال "مازن" مجرد حادثة عابرة، بل جاء ليُعمّق وجعًا ممتدًا تعيشه عائلة صوافطة منذ نحو عامين، إذ يقبع والد مازن في سجون الاحتلال، إلى جانب الابن أكبر "معاذ"، الذي اعتُقل قبل نحو تسعة أشهر.
مازن، الذي لا يزال في عمر "القاصر"، زجّ الاحتلال به في سجونه مع الأسرى الأشبال، ليضيف اعتقاله عبئًا جديدًا على والدته، لا سيما وأنه كان المعين لها في غياب والده وشقيقه.
وعن ذلك تقول "أم معاذ" لـ "وكالة سند للأنباء": ""كان مازن هو السند الوحيد إلي في البيت، بعد اعتقال والده وأخيه، كان يساعدني في كل شيء، في شؤون البيت ودراسته وحياتنا اليومية. اعتقاله كان مفاجئًا وصعب جدًا عليّ وعليه أيضًا".
وتضيف: "مازن لم يكن طالب توجيهي فقط، كان عمود البيت وسندي في غياب والده وشقيقه، كما أن توقيت الاعتقال كان صعب جدًا، في مرحلة مفصلية وحساسية في حياته وتحدد مستقبله".
وتسرد: "كان مازن قد أنهى دراسة مادتين بشكل كامل استعدادًا للامتحانات التجريبية، وكان يسير على برنامج دراسي، ومتحمّس ينجح، حتى يفرّحنا، ويفرّح والده وأخيه في السجن، فقد كان والده يبعث له رسائل عبر الأسرى المحررين يوصيه بالدراسة."
ألم ورضا..
حرمان مازن من تقديم امتحاناته ترك أثرًا نفسيًا بالغًا على والدته، خاصة في الليالي التي سبقت الاختبار الأول، كانت تتمنى ككل أم لطالب توجيهي، أن تستعد معه وتهيئ له كل الأجواء المريحة للدراسة، أن تطمئنه وتمسك بيده وتكلله بدعواتها قبل أن ينطلق لامتحانه، لكل أسوار السجن حالت دون ذلك.
ورغم كل ذلك، تُظهر "أم معاذ" رباطة جأش لا تخلو من الألم: وتردد: "نقول الحمد لله، ونرضى بقضاء الله. في طلاب كثر انحرموا من لحظة التوجيهي، ومازن واحد منهم. لكن كل مرّ سيمر، ونسأل الله الفرج."
ومنذ اعتقال "مازن" لم تتمكن العائلة من التواصل معه سوى مرة واحدة، عندما تمكن المحامي من زيارته، تمكن خلالها من رؤية شقيقه معاذ لأول مرة منذ اعتقاله قبل 9 شهور.
وفي رسالته مع المحامي، بعث "مازن" برسائل الشوق لوالدته، وطمأنها على نفسه بالقول "معنوياتنا عالية"، ولم ينس أن يوصيها بنفسها وبشقيقاته.
وعن وجع غياب الابن تقول "أم معاذ": "غياب الزوج صعب، لكن غياب الأولاد معه وجع آخر لا يعلم عمقه إلا الله".
ولم يكن اعتقال "مازن" وحده الذي ضعف ثقل الحمل على "أم معاذ"، فقد رزقها الله بطفلة بعد اعتقال زوجها، لتبصر الدنيا وتكبر على عيني أمها وبعيدة عن حنان والدها، تمامًا كما كبر اخوتها من قبلها.
وعن ذلك تحدثنا الأم: "رزقني الله بطفلة خلال غياب زوجي، ولم يرها بعد، كأخوتها قبلها الذين ولدوا ووالدهم بالسجن، ومحروم من رؤيتهم عند قدومهم للدنيا، بسبب اعتقالاته المتكررة في سجون الاحتلال.. لكننا نؤمن أن ما بعد العسر إلا اليسر."
196 طالب توجيهي معتقل..
والسبت الماضي (21 يونيو/ حزيران)، بدأ نحو 46 ألفًا من الطلبة في الضفة الغربية ونحو ألفين من طلبة غزة خارج فلسطين، امتحانات الثانوية العامة، فيما يُحرم منها آلاف الطلبة داخل القطاع، للعام الثاني على التوالي؛ بسبب الحرب الإسرائيلية المستمرة.
ووصفت وزارة التربية التعليم اختبارات الثانوية هذا العام، بأنه "من أكثر السنوات صعوبة" على مستوى التحديات التي تُفرض بفعل قوات الاحتلال الإسرائيلي.
وبحسب معطيات صادرة عن وزارة التربية والتعليم العالي، فإن 16.607 طلاب استُشهدوا و26.271 أصيبوا بجروح منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والضفة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
فيما أوضحت معطيات وزارة التربية، أن قوات الاحتلال الإسرائيلي اعتقلت أكثر من 196 طالب توجيهي في الضفة الغربية.