الساعة 00:00 م
الأربعاء 01 مايو 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.67 جنيه إسترليني
5.27 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
3.99 يورو
3.73 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

أطفال غزة يدفعون ثمن الأسلحة المحرمة

معروف: معلبات مفخخة يتركها الاحتلال بمنازل غزة

بعد 4 عقود من الحرمان.. عن العيد الأول لكريم يونس خارج أسوار السجن

حجم الخط
كريم يونس
غزة/ عارة - إيمان شبير - وكالة سند للأنباء

بينما جميع مَن في الخارج يحتفلون بأجواء العيد وبهجته، كان كريم يونس في زنزانة "العزل الانفرادي" وحيدًا يُصراع أفكاره، ينظر يمنة ويسرى لعله يرى بقعة نور ولو كانت ضئيلة بعيدة لكنّ عبث! فهذه الغرفة الضيّقة تُشبه القبر بكل مواصفاته، تقتل ما تبقى من حياةٍ في قلب ساكنها، ومع ذلك ظل "كريم" متمسكًا بالأمل، وأخذ يتخيّل تفاصيل العيد خارج أسوارها.

تساءل "كريم" حينها عما إذا كان من الممكن أن يعيش تفاصيل الأعياد خارج السجون؟ شرد بذهنه إلى حيث وُلد وترعرع وكَبر في قرية عارة الواقعة في المثلث الشمالي بالداخل الفلسطيني المحتل، قبل أن يعتقله الاحتلال الإسرائيلي في سجونه، استعاد مذاق كعك أمه ومعمولات العيد الشهيّة التي تصنعها بنَفسها الطيّب.

أخذه الحنين إلى "عَجقة" صبيحة العيد وروائح اللحوم الشهية التي تتطاير في الأجواء ومذاقها اللذيذ الذي يأخذ جزءًا كبيرًا من "لمّة" العائلة على المائدة، إييه يا "كريم" ماذا عن ليال السَمر في أيام العيد؟ وذكريات طفولتنا التي تقصها عليهم حبيبتنا صبحية (والدته)، فتعلو ضحكاتنا تارة على هذا وأخرى على ذلك، إلى أن حين طلوع شمس اليوم الثاني.

مرّ الزمن ثقيلًا بما فيه من تفاصيل ومواقف وأحداث، وتحرر كريم يونس من السجن أخيرًا، وجاء اليوم الذي يحتفل كغيره من الناس بأجواء العيد، بعيدًا عن السجن وقهره وتحكّم السجّان حتى في مواعيد أفراحهم وكيفيتها.

كريم يونس (65 عامًا) أقدم الأسرى الفلسطينيين ويُلقب بـ "عميدهم"، عاش في غياهب السجون 4 عقودٍ متواصلة إلى أن تحرر في يناير/ كانون ثاني المنصرم.

وفقد والده يونس فضل يونس في الذكرى الـ30 لأسره، ولم يسمح له الاحتلال بالمشاركة في تشييع جنازته، كما توفيت والدته صبحية وهبي يونس قبل الإفراج عنه بأشهر، بعد قرابة 40 عامًا من الانتظار.

هذا الفقد الموجع إلى جانب أحداث أخرى مرّ بها وهو وعائلته خلال الـ 40 عامًا التي مضت من عمره، جعلت فرحة العيد منقوصة لدى "كريم"، فهو الذي انتظر كثيرًا لأجل عناق طويل لأمه، وعيد معها، وأيام أخرى جميلة يقضيها في أحضانها.

يقول كريم يونس لـ "وكالة سند للأنباء" كثيرة هي المرات التي اشتهيت فيها أن أكون خارج السجن في العيد، فقط لأجل أن أقضيه مع أمي، كما هي أيضًا كانت تعيش في رحلة انتظارها الطويلة على أمل أن ترى ابنها الأكبر.

كان صوته خافتًا يملؤه الحزن وهو يُكمل حديثه عن والدته: "كانت تقول لي بشكلٍ متكرر، والله اشتهيت أضمك، واشتهيت العيد معك، بدونك العيد مش عيد".

لكنّ قدر الموت كان أسرع إلى قلبها من لحظة اللقاء المنتظرة، رحلت الحاجة صبحية التي لم تحتضن نجلها إلا مرة واحدة خلال فترة أسره ولدقائق معدودة فقط، بينما ظلّت ذكرياتها خالدة في وجدان ابنها، وحبّها له سرّ خَفي لثباته في وجه الصِعاب.

وبالرغم من ذلك، يظّل للعيد بهجته، فقد بدا المشهد في الخارج مختلفًا كليًا عما هو داخل السجن من وجهة نظر كريم يونس: "أرقب بلهفة وحب تفاصيل الفرح المختلفة في بلدتي، وعجقة الناس والأسواق والتحضيرات التي تسبق صبيحة العيد.. إنه شعور عظيم".

ضيفنا الذي مرّ عليه 83 عيدًا للمسلمين خلال فترة اعتقاله، يلفت إلى أن الحياة تغيرت عما كانت عليه قبل اعتقاله، لكنّ فرحة العيد بقيت ثابتة في النفوس، ويسعى هذا العام لاستعادة جزءًا من ذكريات الماضي وإحياء طقوس العيد كما جرت العادة.

وفي إجابته على سؤالنا ما أول الطقوس التي تنوي القيام بها بعد صلاة العيد؟ يرد: "التوجه إلى المقابر، لزيارة وتلاوة الفاتحة على أرواح الراحلين أمي وأبي وكل الأحبة الذين فارقونا".

ويشير ضيفنا إلى أن "زيارة المقابر عقب صلاة العيد ونثر الزهور على القبور، عادة درجت عند الفلسطينيين منذ زمنٍ بعيد، ويتمسك فيها أمثالنا الذين حُرمنا من وداع الراحين".

وجاء اليوم الذي يقود "كريم" إخوانه في الزيارات العائلية صبيحة العيد، عن ذلك يُحدثنا: "قبل عام 1983 (سنة اعتقاله) كان والدي يحرص على صِلة رحمه ويُثبّت هذه العادة في نفوسنا، حيث يصطحبنا معه، اليوم تبدلت الأدوار بعد رحيله، وصار الشاب الصغير (كريم) رجلًا كبيرًا عليه أن يقوم بدور والده في العيد".

ولم تغب أكلة "صينية اللحمة" صبيحة يوم العيد عن ذاكرته رغم أنه لا يُفضلها يقول: "كان الجيران يذبحون ذبيحة ابتهاجًا في العيد، ويجتمع حولها كل أهل الحيّ، ومع أنني أحبّ أكلة المشاوي عنها، لكنّ لازالت أتذكر هذه الطقوس وأحنّ لها".

ويؤكد كريم يونس أن هذه الفرحة يجب أن تُعاش بالرغم من كل الأوجاع، التي يعانيها الشعب الفلسطيني عمومًا، وأسر الشهداء والأسرى على وجه الخصوص.

كيف يكون العيد في السجون؟

بالتأكيد لم ينسَ كريم يونس أجواء العيد في السجون، ولم يحن لها رغم اشتياقه لرفاقه الذي عاش معهم سنوات طويلة، عن ذلك يحكي: "يبدأ العيد داخل المعتقل مع صلاة العيد في ساعات الصباح الأولى، حيث يجتمع الأسرى في ساحات الأقسام، يُصلّون، ثم يتبادلون السلام والتحيّات، وتوزيع الحلويات وما توفر منها بين الأسرى.

ويلفت النظر إلى أنّ طقوس الاحتفال ومدتها تختلف من سجنِ لآخر، لكنّ بالعموم يحرص الأسرى على صناعة البهجة وعيش تفاصيلها رغم بساطتها، موضحًا أن الإصرار على إبراز مشاهد الاحتفال في الأعياد؛ من أجل قهر السجّان وإيصال رسالة بأننا نسعى للحياة ما استطعنا لذلك سبيلا.

وبين أسير قديم وآخر جديد، يختلف الوجع الكامن داخل كل واحد منهما، كيف ذلك؟ يُجيبنا ضيفنا: "أول عيد للأسير في السجن يكون قاسيًا جدًا في ظل بعده عن الأهل والأولاد، حتى انفعالاته واهتماماته تكون مختلفة، بعدها يبدأ التعود شيئًا فشيء، لكنه لا يتخلى عن حقه وأمله في الحرية".

وفي ختام حديثه يُعبّر المحرر كريم يونس عن أمنياته بأن يأتي العيد القادم وقد تحرر جميع الأسرى من قيود السجن وقهر السجّان، وعادوا إلى أحضان عائلاتهم ليعيشوا أجواء الفرحة كاملة بكل تفاصيلها وعلى حقيقتها.