الساعة 00:00 م
الجمعة 26 ابريل 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.76 جنيه إسترليني
5.37 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.08 يورو
3.8 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

جيش الاحتلال يُعلن مقتل "رائد" شمال قطاع غزة

فلسطيني يحول موقعاً عسكرياً مدمراً إلى مسكن لعائلته النازحة

خاص انفوجرافيك عمداء الأسرى.. عقود من الحرمان وقسوة تأكل الأرواح في الزنازين

حجم الخط
عمداء الأسرى
غزة - فاتن عياد الحميدي - وكالة سند للأنباء

سنوات طويلة لا تقاس بمفهومنا المعتاد، فكل يوم في غياهب السجون يعادل سنة لوحده، كيف لا؟ وكل هذا الكمّ الهائل من الشوق يعتصر قلوب 4700 أسير، لكل منهم حكاية بتفاصيل كثيفة ومشاعر متناقضة، لكنّ انتظار الحرية، يظّل الشعور الثابت المشترك بينهم.

من بين أولئك الآلاف، 10 أسرى أحكمت أسوار السجن خناقها عليهم، بعد أن طوى من أعمارهم أكثر من 35 عامًا، قصمت ظهورهم وفطرت قلوبهم لوعة على كل حبيب رحل عن الدنيا دون أن يحظوا بقبلة وداع على جبينه.

322604085_1239138646948740_8575136935871853817_n.jpg
 

في سطور هذا التقرير، نروي جزءًا من حكايا الألم الذي يعيشه عمداء الأسرى في سجون الاحتلال، على أمل أن ننقل حكاية حريتهم قريبًا.

"كنتُ طفلاً رضيعاً عندما اقتادت قوات الاحتلال الإسرائيلي والدي إلى السجن، علمتُ عنه الكثير، ورأيته عدة مرات، لكن شيئاً لا يساوي تلك اللحظة وأنا فتىً واعٍ، بعد 13 عاماً من الحرمان المطلق، عندما قلت له برجفة وحشرجة: أنا ابنك ثائر".

لحظات مُزجت بقسوة البعد وروعة اللقاء، وأيُّ لقاء ذاك الذي صدته حواجز الزجاج، فلا لمسة يد تطفئ شوق القلب، ولا عناق يربت على قلبِ أضناه ألم الهجران".

لنعد إلى ما قبل تلك اللحظة الأشد تأثيراً، والقصة منذ البداية التي يرويها "ثائر" لـ "وكالة سند للأنباء"، ولحظات زيارة والده الأسير محمد الطوس على مر الأعوام، والمحكوم بالسجن المؤبد مدى الحياة.

اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي الأسير محمد الطوس (65 عاما) من بلدة الجبعة قرب بيت لحم، في كمين مسلح قبل 37 عاماً على خلفية مقاومته للاحتلال، وأصيب في حينه إصابات بليغة، وصدر بحقه حُكم بالسّجن مدى الحياة، حيث يعد "الطوس" ثالث أقدم أسير فلسطيني في سجون الاحتلال.

يقول ثائر الطوس نجل الأسير، إن والده كان وأربعة من رفاقه من مجموعة مقاومي "جبل الخليل" وهم محمد غنيمات، محمود النجار، محمد عدوان، وعلي خلايلة، عندما أعدَّ لهم جيش الاحتلال الإسرائيلي كميناً، وأرداهم شهداء، ليُعلن نبأ استشهاد "الطوس" معهم آنذاك.

محمد الطوس.jpg
 

وحول مجموعة "جبل الخليل" يحدثنا "ثائر" أنها أول خلية مسلحة جنوب الضفة الغربية، نفذت العديد من العمليات ضد الاحتلال الإسرائيلي، وأرّقت مضاجعه.

حزن شديد إلتَفَّ عائلة "الطوس" بعد نبأ استشهاد والدهم، إلا أن جسد "الشهيد الحي" باغتهم في اليوم الثالث من بيت العزاء بجراحه البليغة، أنْ "أنا هُنا، على قيد الحياة".

يخبرنا ضيف سند أن والده الأسير المصاب حينها طالب بإخبار أهله أنه ما زال على قيد الحياة، فرافقته دورية من جيش الاحتلال إلى منزله، وما كانت إلا لحظات غريبة ما بين خوف واطمئنان؛ لِبثِّ قليلٍ من السكينة على قلوب المكلومين من عائلته، ثم أُعيد إلى السجن، فكانت آخر لمسة يد وآخر عناق، لزوجته وأبنائه "شادي" و"ثائر" وابنته "فداء".

رحلة الـ45 دقيقة..

تنقل الأسير "الطوس" في سجون كثيرة، فكانت بداية اعتقاله في سجن "جنيد" المركزي في مدينة نابلس، ثم تحول إلى سجون الداخل المحتل، ويقبع الآن في سجن "ريمون".

يحدثنا "ثائر" عن زياراته لوالده، التي كانت في بادئ الأمر شيئًا غريبًا، كون ضيفنا أصغر إخوته سناً، لم يدرك بعد ماهية هذه المرارة، لكن غطرسة الاحتلال حالت دون تلك الزيارات بمنعها 13 عاماً منذ عام 2000 بعد الانتفاضة الأولى، وحتى عام 2013.

قاسية تلك العبارة:"ما عرفني أبوي..!"، يتابع "ثائر"، أن زيارته الأولى لوالده في سجون الاحتلال بوعي وإدراك كانت بعد انقطاع 13 عاماً، في لقاء مُزج بمشاعر كبيرة، واصفاً ذلك المشهد "أبي ينتظر وأنا قادم من بعيد، أرى لمعان خصلات الشيب في شعره، وملامح الكبر باتت ترتسم على محياه"، تثاقلت الخطوات تجاهه وهو يحرك عينيه يمنة ويسرى، فقطعت نظرة الشك تلك، "أنا ابنك ثائر".

يوضح "ثائر" أن إدارة السجون شرعت بوضع زجاج عازل بين الأسرى وأهاليهم الزائرين، فلا يستطع أحد لمس يد حبيبه الأسير، وما هي إلا 45 دقيقة لمكالمة عبر الهاتف، بعد قضاء يومٍ كاملٍ في طريق العذاب للوصول إلى السجن.

يستذكر "ثائر" والدته التي وافتها المنية حزناً وكمداً على زوجها، بعد أن رفضت سلطات الاحتلال الإفراج عنه في الدفعة الأخيرة من الأسرى القدامى في عام 2014، ما أدى لدخولها في غيبوبة استمرت عاماً كاملاً، حتى توفاها الله في عام 2015، دون أن يتمكن "الطوس" من وداعها للمرة الأخيرة.

يصف "ثائر" والدته بـ"العظيمة" التي كانت الأم والأب في غياب الوالد، حيث عانت وتعبت وتنقلت في سجون كثيرة طيلة 34 سنة، رغم أنها معلمة في مدرسة، إلا أن ذلك لم يمنعها من تربية أبنائها حق تربية، برفقة أختها التي قال فيها "ثائر"، "كانت خالتي السند بعد أمي".

مرت السنون، وأصبح الأسير محمد الطوس جَدًّا لأكثر من 10 أحفاد، لا يعرف منهم أحدًا إلا عن طريق الصور، فكم تشوق لرؤيتهم واحتضانهم وسماع أخبارهم وأحاديثهم.

"عين الجبل"

وفي الذكرى الـ37 لاعتقال الأسير محمد الطوس بتاريخ 6 أكتوبر/ تشرين أول عام 2021، أصدر "الطوس" رواية "عين الجبل"، والتي تحدث فيها عن مسيرته النضالية مع مجموعة "جبل الخليل"، مستغرقاً 4 إلى 5 سنوات لكتابتها، شملت تجربة الاعتقال وما بعدها من أحداث وذلك في 15 جزءاً سردياً.

وفي زيارته الأخيرة لوالده قبل أسبوعين من كتابة هذا التقرير(21 ديسمبر/ كانون ثاني)، همس الأسير لابنه:"ما قدمت كان لوجه الله تعالى وفي سبيل أرضي وديني وشعبي، ولم أندم في يوم من الأيام، والاحتلال زائل طال الزمان أم قصُر".

أقدم أسير بالعالم..

أما عائلة "يونس"، والتي باتت تصبح وتمسي تعد الثواني المرتقبة لحرية نجلها عميد الأسرى كريم يونس، أقدم أسير في فلسطين والعالم أجمع، الذي حكم بالسجن 40 عامًا، فغدًا الخميس  (5 يناير/ كانون ثاني) هو يوم الارتواء بعد ظمأ 4 عقود.

دخل "كريم" السجن في السادس من يناير عام 1983 وهو شاب لا يتجاوز عمره (23 عاماً)، فقد كان طالباً في جامعة بئر السبع في النقب، يدرس الهندسة الميكانيكية، قبل أن تأسره القضبان، ويمسي رمزًا من رموز الحركة الأسيرة، عندما باغته جنود الاحتلال في مختبر الجامعة، وهو يصمم ماكينة جهاز.

يقول نديم يونس شقيق الأسير، إن أخيه كريم هو الأكبر، فكان بمثابة الأب بعد انشغال والدهم في العمل، لافتاً:"كان يسجلني في المدرسة، وهو المسؤول إذا أردت الذهاب لرحلة، كنا نراه قائدًا ناضجًا".

يحدثنا "نديم" بشوق، أنه تعرف على شخصية أخيه بشكل مختلف بعد الاعتقال، "صرت أشوفه كيف يتكلم، أشعر بهدوئه، أرى قوته وصبره".

والدة كريم يونس 3.png
 

يتابع:"اعتقاله أثر على حياتنا وعملنا وتعليمنا، فلم نُقبل للتعلم في جامعات البلاد رغم تفوقنا، إلا أن الرفض كان حاضراً، إلى أن توجهنا لإكمال التعليم في الخارج".

أما "كريم" فقد تعلم في السجن "تاريخ شرق أوسط وعلوم سياسية"، وهو مدرس معتمد في الجامعة المفتوحة داخل السجون، حيث تخرج مئات الطلاب من تحت يديه.

لحظات مؤثرة..

يصف لنا "نديم" تفاصيل زيارة شقيقه عميد الأسرى، مبيناً أنها تكون كل أسبوعين وسط مشقة عارمة.

لا شيء يهزم الإنسان كـ"الفقد"، فلا ينسى "نديم" زيارة شقيقه الأولى بعد وفاة والده، الذي انتظر 34 عاماً لحرية نجله، خاصة أن تاريخ الوفاة هو نفسه تاريخ اعتقال "كريم".

مواقف أخرى كان لها وقعٌ على قلوب عائلة "يونس" عندما رأوه في المحكمة خلال إضراب الحرية والكرامة في عام2017، فقد كان هزيلاً شارف وزنه على الأربعين، ذو لحية طويلة، تتوشحه علامات التعب والإرهاق، كما ذكر لنا "نديم".

يستكمل ضيفنا:"قوة الروح حاضرة حتى لو هزُل الجسد، فقد كان يتحدث بمعنويات مرتفعة، وتوجه "كريم" للإعلام قائلاً:"لن نتراجع حتى لو لمونا جثث".

أما عن الحياة خارج السجن، فقد كانت عَبَرات "كريم" تسبق حديثه عند رؤية أحفاد العائلة الذين لا يعرفهم إلا صوراً، يتأثر كتيراً عند سماعه خبراً لزواج أو وفاة كونه غير متواجد معنا، كما أخبرنا "شقيقه".

يختتم ضيفنا نديم يونس حديثه بـ "والدته"، التي انتظرت 39 عاماً ونصف حرية ابنها فكانت تقول:"هاي الفرحة ما بعادلها أي شيء لأنه حيطلع.. هاي شعوري، بستناه بالدقيقة والساعة!".

والدة كريم يونس.jpeg

لكن حكمة الله كانت أكبر، ليتوفى الله الحاجة صبحية يونس، قبل 5 أشهر من تحرير "كريم"، ويقول "نديم":"كان نبأ وفاة أمي خانقاً ومرهقاً جداً على الجميع، خاصة كريم الذي تاق إلى احتضانها لأربعين عامًا!".

الأسرى في أرقام..

وفق آخر معطيات لمؤسسات الأسرى، يقبع في سجون الاحتلال 4700 أسير في سجون الاحتلال، بينهم 29 أسيرة، و150 طفلًا، و835 معتقل إداري بينهم أربعة أطفال وأسيرتان.

أما الأسرى القدامى المعتقلون قبل توقيع اتفاقية أوسلو، عددهم 25 أسيراً، أقدمهم الأسيران كريم يونس، وماهر يونس، المعتقلان بشكلٍ متواصل منذ عام 1983.

إضافة لذلك فإنّ هناك عدد من الأسرى المحررين في صفقة "وفاء الأحرار" الذين أعاد الاحتلال اعتقالهم وهم من قدامى الأسرى، أبرزهم الأسير نائل البرغوثي الذي يقضي أطول فترة اعتقال في تاريخ الحركة الأسيرة، والذي دخل عامه 43 في سجون الاحتلال، قضى منها 34 عاماً بشكل متواصل، إضافة إلى مجموعة من رفاقه نذكر منهم: علاء البازيان، ونضال زلوم، وسامر المحروم.

322536204_664328395426880_8506625316403116854_n.jpg
 

في حين، صدرت أحكام بالسجن المؤبد على 552 من الأسرى، وأعلى حكم أسير من بينهم الأسير عبد الله البرغوثي ومدته 67 مؤبداً.

كما بلغ عدد شهداء الحركة الأسيرة 233 شهيدًا منذ عام 1967، إضافة لمئات الأسرى الذين استشهدوا بعد تحررهم متأثرين بأمراض ورثوها عن السجون.

أما الأسرى المرضى فقد وصل عددهم لأكثر من 600 أسير يعانون من أمراض بدرجات مختلفة منهم 24 أسيرًا مصابون بالسرطان.