كارثة مالية وأزمات متراكمة تواجهها الحكومة الفلسطينية، برزت آثارها في العجز عن دفع رواتب كاملة لموظفي القطاع العام، منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2021.
والثلاثاء، أعلنت الحكومة صرف الدفعة الثانية من رواتب الموظفين العموميين عن شهر نيسان/2025، بنسبة 35%، استكمالًا لدفعة سابقة بنفس النسبة تم صرفها قبل عيد الأضحى المبارك.
وقالت الحكومة إن تأمين صرف الدفعة الثانية من رواتب شهر نيسان جاء في ظل أوضاع مالية معقدة، نتيجة استمرار الاحتلال في احتجاز أموال المقاصة، إلى جانب الاقتطاعات غير القانونية المتواصلة منذ عام 2019، والتي تضاعفت حدتها منذ بدء العدوان على قطاع غزة.
وقبل أيام، دقّ البنك الدولي ناقوس الخطر، كاشفًا عن "هشاشة مالية" غير مسبوقة في النظام الفلسطيني.
ووفق التقرير، ارتفعت نسبة الدين العام إلى 86 ٪ من الناتج المحلي في نهاية 2024، حيث إن أكثر من نصف هذا الدين عبارة عن متأخرات تراكمية، تشمل الرواتب ومستحقات للمستشفيات وشركات الأدوية، تبلغ في مجموعها نحو 20 مليار شيكل.
تهديدات بانهيار الوضع العام
الوزير السابق أشرف العجرمي يرى أنه إلى جانب حجب "إسرائيل" لهذه الأموال، والتي بلغت في مجملها نحو 7 مليار شيكل، فقد توقف الدعم العربي والدولي للسلطة، لارتباطه إما بخلافات متعددة أو عدم الرضا عن أداء السلطة، أو يتعلق بطلب إجراء إصلاحات داخلية.
وقال العجرمي، في حديث لـ وكالة سند للأنباء إن الأزمة الاقتصادية تهدد بانهيار الوضع العام برمته، لا لعجز السلطة عن الوفاء بالتزاماتها فحسب، بل أيضًا لارتفاع نسب البطالة، إثر منع أكثر من 200 ألف عامل من العمل داخل "إسرائيل".
ويعتقد العجرمي، المولود في جباليا، والذي شغل منصب وزير الأسرى سابقًا، أن على السلطة اتخاذ موقف محدد، يتوازى مع انتفاضة شعبية واسعة ضد الاعتداءات الإسرائيلية، لخلق تدخل دولي جدي ضاغط على "إسرائيل"، من أجل تحرير الأموال، ومنع انهيار السلطة.
وأضاف "نحن بحاجة إلى مقاومة شعبية واسعة النطاق تغير معادلة الركود، التي يقوم خلالها الاحتلال بتدمير أركان المجتمع الفلسطيني، عبر الانتهاكات في الضفة وغزة والقدس".
المواجهة السياسية
بدوره، يشير الباحث الاقتصادي إياد الرياحي أن السلطة الفلسطينية، ولأسباب عديدة، لم تحول الأزمة المتعلقة بأموال المقاصة إلى خطوة لمواجهة الاحتلال، بدل إثقال كاهل الموظفين بالاقتطاعات المتوالية، على حد تعبيره.
والمقاصة هي أموال ضرائب وجمارك مفروضة على السلع المستوردة إلى الجانب الفلسطيني، سواء من "إسرائيل" أو من خلال المعابر الحدودية التي تسيطر عليها "تل أبيب"، وتجمعها الأخيرة لصالح السلطة الفلسطينية، وفق اتفاقيات مشتركة.
وأضاف الرياحي، في حديثه لـ وكالة سند للأنباء، أن "أزمة الرواتب سياسية بامتياز ولا يمكن حلها بمزيد من الاستدانة أو القروض، ولا باقتطاعات أخرى من مستحقات الموظفين العموميين".
واعتبر أن الحل "لا يكون بالبحث عن مصادر بديلة ترفع الدين العام، وتضيف قيودًا أخرى على الاقتصاد الفلسطيني، بل بالمواجهة السياسية، وهو ما لا تتوفر نية أو إرادة له"، وفقًا له.
ولفت الرياحي إلى أن عملية التدمير الإسرائيلية الممنهجة لموارد الشعب الفلسطيني ونهبها غير مسبوقة، أدت لانكماش اقتصادي بلغ نسبة 29%، وهي نسبة مرتفعة لم تتكرر مطلقًا.
اقتطاعات متواصلة
وأظهرت بيانات رسمية صادرة عن وزارة المالية، في أيلول 2024، أن مجمل أموال المقاصة المحتجزة لدى "إسرائيل" بلغ 7.26 مليارات شيكل.
وأوضحت البيانات أن الاقتطاعات من أموال المقاصة تحت مسمى مخصصات قطاع غزة، تقارب2.83 مليار شيكل، منذ بداية الحرب على القطاع في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وحتى آب 2024، إلى جانب 3.54 مليار شيكل تحت مسمى مخصصات عائلات الشهداء والأسرى، و900 مليون هي عائدات السلطة من ضريبة المغادرة على المعابر باتجاه الأردن.
إعادة تعريف "دور السلطة"
وفي مقال له حول الأزمة، رأى سفير فلسطين السابق لدى اليونان مروان الطوباسي، أن السلطة الوطنية، وبحكم سياسة الاحتلال لتقويض مكانتها ودورها، تحولت إلى "كيان مستنزف"، يستدين من البنوك المحلية لسداد الرواتب، ويكدس الديون على حساب المواطن والمستقبل القادم، ما يهدد استقرار النظام المصرفي برمته، وفق وصفه.
واعتبر الطوباسي أنه في مقابل ذلك؛ لا تملك السلطة أدوات فعل حقيقية، لا على مستوى السياسات الاقتصادية، ولا على مستوى القرار السياسي، في ظل الاحتلال وتصاعد جرائم سياساته وإجراءاته.
ويعبر السفير السابق في مقاله، عن الحاجة لإعادة التفكير في العلاقة بين السلطة الوطنية، التي كان يفترض تحولها إلى الدولة، وبين الشعب والاقتصاد، وإعادة تعريف لدور السلطة الوطنية في إطار العلاقة مع منظمة التحرير كمرجعية لها، والتي هي نفسها تحتاج إلى الارتقاء بدورها وإصلاح مؤسساتها بآليات ديمقراطية، بحسب رؤيته.