الساعة 00:00 م
الجمعة 04 يوليو 2025
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.55 جنيه إسترليني
4.71 دينار أردني
0.07 جنيه مصري
3.92 يورو
3.34 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

‏على حافة الموت.. "بتول" طالبة التوجيهي تفرّقها شظية إسرائيلية عن حلمها

مليون نازح محشورون في مساحة ضيّقة بغزة.. و51 أمر إخلاء منذ استئناف الحرب

بالصور "محمد العمودي".. صوت الحكاية في زمن الحرب

حجم الخط
حكواتي غزة  (3).jpg
غزة- وكالة سند للأنباء

في زمنٍ تغيب فيه أصوات الضحك، ويعلو هدير الطائرات على همسات الطفولة، ينهض محمد العمودي من بين ركام غزة، لا ليحمل بندقية، بل ليحمل حكاية.

ومن خيمة بسيطة على أنقاض بيته في مخيم الشاطئ، يبدأ "الحكواتي" رحلته اليومية نحو قلوب الأطفال، ليعيد إليهم بصوته ما فقدوه تحت نيران الحرب: الخيال، الأمل، وضحكة مؤقتة تنبت رغم الموت.

وبقبعة قديمة يرتديها، وصوت يُقلّد به ضحكات الطفولة المختبئة خلف ركام الذكريات، وبإيمانه بأن المقاومة لا تكون فقط بالبندقية، بل بالكلمة التي تمنح الأمل، وبالخيال الذي يُعيد للأطفال ما سُلب منهم، يجلس "الحكواتي"، وقد حول الحزن إلى فنّ، والخراب إلى منصة سرد.

يروي "الحكواتي" للأطفال قصصًا ليست ككل القصص، بل حكايات محشوة بالدفء، مغلفة بالصوت والخيال، مغموسة بحبٍّ عميق لغزة وأطفالها.

حكواتي غزة.jpg
 

"شرارة الحكاية"..

يقول محمد إن شرارة الحكاية بدأت منذ الطفولة، عندما كان يجلس مع إخوته حول جده الصياد، يستمعون لحكايات البحر وصيد السمك، في مشهد عائلي محفور في الذاكرة. هناك، ولد "الحكواتي" الصغير، وفي قلبه شغفٌ بالكلمة والصوت والقصة.

قبل عشر سنوات، اكتشف محمد موهبته في تقليد الأصوات، وسرعان ما وجد نفسه يقدم القصص للأطفال في مراكز ثقافية ومبادرات مجتمعية، لكن ما كان مجرد فن أصبح اليوم رسالة نضال.

يسرد "محمد" حكايته لـ "وكالة سند للأنباء"، ويقول: "اليوم، نحاول من خلال الحكايات أن نرسم بسمة على وجوه أطفال فقدوا كل شيء. نحاول أن نخفف، ولو للحظات، عن أطفال يعانون من حرب إبادة جماعية".

ويضيف: "هذه الحكايات، رغم بساطتها، أصبحت ملجأً نفسيًا للأطفال، ومتنفسًا للتعبير عن الألم والخوف والانكسار".

ويحدثنا الحكواتي، عن أكثر القصص التي لاقت صدى واسعًا لدى الأطفال كانت قصة "شعشبون"، عنكبوت صغير يتحدى الخطر، ويخوض مغامرات تعلم الأطفال ألا يقتربوا من مخلفات الحرب القاتلة. قصة ساخرة من الخارج، ولكنها رسالة عميقة مغلفة بروح الطفولة البريئة التي تواجه آلة القتل.

حكواتي غزة  (1).jpg
 

لا مكان للاستسلام..

ورغم فقدان منزله، وملابس الحكواتي التي كان يحرص على اقتنائها بعناية، لم يستسلم محمد. صنع زيّه الجديد من ملابس مستعملة اشتراها من السوق، ليعود إلى الأطفال بزخم أكبر. "الفن لا يعرف اليأس، حتى وإن كان الفنان يعيش في خيمة"، يقولها بينما يرتب ألوان ملابسه اليدوية، ويهيئ صوته لحكاية جديدة.

ويهمس بكلمات من رحم معاناة الطفولة التي لم تعد كما كانت في غزة، يقول محمد: "أحلام الأطفال لم تعد تطير في السماء، بل تهبط مرهقة إلى الأرض، كانوا يحلمون بأن يصبحوا أطباء ومهندسين، الآن، أقصى طموحهم رغيف خبز، أو كيس دقيق، أو أن ينجوا من الموت".

ويستشعر محمد، كأب لطفلتين، الألم ذاته، ويؤمن أن دور الحكواتي في زمن الحرب لا يقل أهمية عن أي دور إنساني آخر.

ويقول: "أحاول زرع الأمل، ولو مؤقتًا، في قلوب الأطفال، في كل مرة أرسم فيها ابتسامة على وجه طفل، أعلم أنها قد لا تدوم، لكنها لحظة انتصار صغيرة وسط هذا الجحيم".

لا يروي الحكواتي محمد العمودي قصصًا فقط، بل يروي وجع غزة، وأحلام أطفالها المعلقة على جدار خيمة، يحلم أن يسقط مع سقوط هذا الكابوس الكبير.

حكواتي غزة  (2).jpg