فيديو أم فرانس تودّع ابنتها الفنانة: رسمت كفنها بيدها ورحلت

حجم الخط
فرانس السالمي
غزة – وكالة سند للأنباء

في غزة، لا يموت الفن وحده، بل تموت اليد التي ترسم، والقلب الذي كان يضج بالحياة رغم كل شيء، فرانس السالمي لم تكن فقط فنانة، كانت حلمًا صغيرًا يمشي على أطراف الحرب، تلوّن الظلام، وتصرّ على أن للوجع ملامح يمكن أن تُرسم.

كانت على شاطئ البحر، في استراحة "الباقة"، تجلس كما تحبّ، قريبة من الضوء، قريبة من الحياة، فرانس السالمي، الفنانة التي لم تتعلّم الرسم من مدرسة، بل من جرح مفتوح، كانت ترسم فلسطين بألوان الطين والمطر، وتخبّئ في حقيبتها لوحات تحاكي وجع الخيام وصمت الأطفال.

جلست هناك، قرب البحر، وكأنها تكتب وصيتها بريشة، لا بكلمات، لكن الصاروخ لم يُمهلها كثيرًا، استشهدت فرانس، واستُشهد معها شيء من الجمال الذي قاوم كل هذه القسوة.

رحلت من كانت "ملاك الرحمة"، كما تقول أمها، التي لا تزال حتى الآن تُنادي هاتفًا لا يرد، وتحضن لوحة اخترقتها الشظايا، وكانت تشبهها كثيرًا.

"عامود البيت"..

"فرانس كانت ملاك الرحمة كانت عامود البيت"، بهذه العبارة، بدأت والدة الشهيدة فرانس السالمي تروي تفاصيل اللحظة التي تحولت فيها حياة العائلة إلى وجعٍ دائم لا يُنسى، كانت ابنتها قلب العائلة، ملاذ إخوتها، اليد التي لا تردّ طلبًا، والصوت الحنون في زمن القسوة.

تصف الأم في مقابلةٍ مصوّرة لـ "وكالة سند للأنباء"، لحظة القصف، حين دوّى صوت الصاروخ في السماء، لم تشعر أنه سقط على بناية، بل بدا لها وكأنه انفجر داخل خيمة، قلت لهم: الصوت مش لصاروخ ضرب عمارة، كأنه نزل بخيمة، قالولي: لا، الضربة في استراحة الباقة".

بدأوا يتصلون بها، الهاتف يرن بلا رد، تسرد: "رنّينا كثير وما حدا رد، بعد فترة رد علينا شخص وقال: الرقم اللي بترنوا عليه، صاحبته استشهدت."

فرانس لم تكن فقط فنانة ترسم، بل كانت ترسم ما نعجز نحن عن قوله، تعبر: "أخذت مرة لوحة ورسمت عليها كفن، قلتلها: مش لاقية غير هيك ترسمي؟ قالتلي: يما، لازم نعبّر عن الحرب."

تلك اللوحة، التي احتفظت بها في حقيبتها، اخترقتها شظية يوم استشهادها، وكأن اللوحة كانت مرآة موتها المعلّق في الفراغ، توضح والدتها: "الشخصية اللي في اللوحة كانت بتشبهها، وكانت دايمًا تعبر عن أوجاعنا، عن اللي بنعانيه، عن اللي بدهم الأطفال، عن حلم الطفولة المسروق."

تختنق الأم بكلماتها، تعود بذاكرتها إلى أيام التهجير والنجاة من القصف، لكنها لا تنجو من الوجع: "عشنا الحرب بكل مراحلها، اتهجرنا من بيت لبيت، من دير البلح للمواصي، ومن المواصي للعدم، كانت أيام صعبة جدًا."

ثم يفيض الكلام بالدعاء والحسرة: "حسبي الله ونعم الوكيل، كل اللي شافنا وسكت، الحيوانات برّا أحسن منّا، الحيوانات محفوظة، وإحنا دمنا مستباح، الله ينتقم من كل اللي قدر يساعد وما ساعد."

وفي 30 يونيو/حزيران المنصرم، ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي، مجزرة بحق المواطنين الفلسطينيين في قطاع غزة، بعدما قصفت طائراتها الحربية استراحة "الباقة" غرب مدينة غزة، أسفرت عن ارتقاء 33 شهيدًا، وتعتبر استراحة "الباقة" على شاطئ بحر غزة ملاذًا للعديد من المواطنين الذين يلجأون إليها هربًا من قصف الاحتلال المتكرر على منازلهم، لما توفره من مساحات مفتوحة.