أحبَّ البحر بفطرته، لكن شغفهُ للمغامرةِ دفعهُ للغوص في أعماقه، باحثاً عن سمكة جميلة يصطادها، أو منظر خلاب يلتقط صورة له، أو أسماك تعيش في تجاويف الصخور.
في يوم من أيام الشتاء القارس، وبعيدَّ طلوع الشمس حوالي الساعة 7 صباحاً؛ كان المصور الفلسطيني محمد محيسن يستعد لرحلة بحرية في أعماق بحر غزة، لقضاء أجمل أوقات حياته.
فوق صخرة تشبه كرسياً طبيعياً نحته الموج في ميناء غزة جلس محمد، وبيده اليمنى حمل زعانفه، وفي يده اليسرى امتشق كاميرته، حينئذ أخذَّ ينظر إلى البحر، يتنفس هوائه، ويحس رقة نسيمه.
شغف
لم يلبث محيسن دقائق معدودات، حتى قرر الغوص في بحره؛ ليمارس هوايته التي تحولت بعد 6 سنوات لشغف ورغبة جامحة لمزيد من المغامرات بعد أن حدثنا عن متعة اللحظة الرائعة حين تمتلئ العينان بجمال البحر الفائق.
كان محيسن مصوراً عادياً قبل أن يستجيب لشغفه بالغوص، تدرج حتى أصبح غواصاً ومصوراً تحت الماء يوثق من خلال كاميراته من نوع "جوبرو" التي حصل عليها من منظمة "أوتشا" في الأمم المتحدة، حياة الصيادين بتقلباتها، ومشاعرهم.
وبدأت موهبة محمد تنضج حينما كان يحتك بمجموعة من راكبي الأمواج والقوارب الشرعية؛ حيث حظي هذا الاحتكاك بإعجابه، يقول محمد لمراسل "وكالة سند للأنباء"، إنه يعشق الغوص في بحر غزة، والتقاط الصور والمظاهر الجميلة".
حياة الصيادين
لاحقاً؛ أصبح محمد يرافق الصيادين ويوثق معاناتهم المستمرة في بحر قطاع غزة إلى أن جاءت الفرصة بمرافقة الغواصين تحت الماء الذين يصطادون بالمسدس البحري، وأثناء رحلته وجد محمد مناظر لا تخطر على بال أحد؛ حيث الصخور الملونة، والأسماك المتنوعة، ومرجان البحر المتناثر.
تصوير أعماق بحر غزة كان تجربة جديدة لمحمد، رغم أنه يعمل في مجال التصوير الصحفي منذ 12 عاماً، واكب خلالها حروب إسرائيلية، وواقع اقتصادي وإنساني متدهور، وحياة انعدمت فيها سبيل العيش للأسر الفلسطينية التي تتجرع ألم الحصار إلى الآن.
محمد حصل على 10 جوائز عربية ودولية في مجال التصوير، لكن شغفه بالتصوير تحت أعماق الماء تجعله يتميز عن زملائه الآخرين؛ فهو يسعى لإظهار زوايا أخرى غير المعاناة والدمار والحروب.
غزة الوجه الآخر
منذ أشهر ويعمد محمد على إبراز المشاهد الجميلة من تحت الماء في محاولة منه لإبراز الوجه الآخر للمدينة المحاصرة بعيداً عن أزماتها وشكل صورتها النمطية التي عهدها الناس عنها سواء في غزة أو خارجها.
هذه الصورة يعكف محمد على توثيقها؛ حيث يعكف على إنتاج فيلم عن الصيد بالمسدس البحري وكيفية عمله وما يعانونه من نقص وطرق الصيد المختلفة بالليل والنهار وأنواع الأسماك المختلفة التي يصطادونها.
تحديات
رغبة محيسن الجامحة تصطدم بمعيقات وتحديات عديدة؛ أولها عدم توفر معدات الغوص المناسبة والملائمة، فيُضطر إلى استخدام زعانف ونظارة وكاميرا جوبرا فقط، وهي معدات بدائية، وهنا يقول محيسن لـ "وكالة سند للأنباء"، "أغوص في البحر بطريقة حرة وأعتمد على طول نفسي ودون أجهزة تنفس خارجية".
وحتى ينجح الغوص الثلاثيني في التقاط صور متقدمة فهو يحتاج لكاميرات مائية كبيرة، ومعدات غوص متقدمة، وأجهزة تنفس تعطيه طاقة حيوية لتصوير جمال البحر، وأسماكه، ومرجانه، وصخوره.