الساعة 00:00 م
السبت 19 ابريل 2025
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.89 جنيه إسترليني
5.2 دينار أردني
0.07 جنيه مصري
4.19 يورو
3.69 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

وجبة من السم يوميًا.. الطهو على نيران البلاستيك خيار المضطر في غزة

هل تبقى قرارات "يونسكو" بشأن فلسطين حبراً على ورق؟

ظريف الطول .. يعود إلينا مجددًا !

حجم الخط
موسى أبو عصبة
نابلس - سند

سنوات طِوال مرّت، بما تحمِله من ذكرياتٍ مريرة ممزوجة بالألم وملامح نصرٍ آت، ولا زال "ظريف الطول" حاضرًا، بيننا وفي تراثنا، والأغاني الفلسطينية الشعبية، وفي الكثير من القصص المحكية.

هذا الاسم الذي يرّق قلبك عند سماعه، تحّن لا إرادياً للوطن المسلوب، لابد وأنه تردد على لسانك بلحن أغنية، أو بوَصف بطل فلسطيني، شهيدًا كان أم أسير.

"يا زريف الطول وقف تا قولك .. رايح عالغربة وبلادك أحسن لك.. خايف يا المحبوب تروح وتتملك .. وتعاشر الغير وتنساني أنا"، هكذا مرت الأيام، وصار ظريف الطول أغنيةً، ورمزًا وطنيًا يُحتذى به، ليعود إلينا مجددًا، لكن هذه المرة على شكلٍ تمثالٍ حديدي.

شخصية غامضة حاضرة في ذاكرة الفلسطينيين منذ عقود، إلى أن ارتبط "ظريف الطول" بشكلٍ وثيق بالأغاني التراثية، والدبكة الشعبية، غير أنه في الحقيقة لا أحد يعرف ملامحه، فقط يُعرف عنه بأنه شاب مكافح ابن هذه الأرض كلها.

الفنان الفلسطيني موسى أبو عصبة، من سكان قرية برقة قضاء نابلس، شمال الضفة الغربية، قرر استحضار شخصية "ظريف الطول"، من خلال تطويع الحديد الصلب، ليصنع تمثالًا هو الأول من نوعه لهذه الشخصية.

كان العمّ موسى (51 عامًا) رسامًا منذ صغره، تجذبه الألوان والحكايات التي تتحوّل للوحة فنيّة، كما كان يملك موهبة النحت على الحجر، وهذا ساعده كثيرًا في استحضار شخصية ظريف الطول.

فكّر ضيفنا جيدًا كيف يمكنه خدمة قريته بشيء يبقى للأبد "ظلّت فكرة الفلاح الفلسطيني بزيّه الشعبي، تراودني، فلمَ لا أصنع تمثال للشخص الذي نُحبه ونتغنى به ولا نعرفه؟" يقول أبو عصبة، فكان ظريف الطول.

 وسيتم نصب هذا التمثال، في ميدان وسط قريته "برقة"، وهي من القرى التراثية القديمة قضاء نابلس.

الأغنية مرآة

"يا ظريف الطول وين رايح تروح، بقلب بلادنا تعبقت الجروح، وما في غيرنا بيردلها الروح"، كانت هذه الكلمات بألحانها التراثية التي تلمس شغِاف القلب، بمثابة مرآة تعكس لضيفنا صورة ظريف الطول، كما لو أنه ماثل أمامه.

بصوتٍ ضاحك يُقول لـ "سند": " كنت أسمع هذه الأغنية المشهورة، وأظّل أرددها، عشت في معانيها وتغنيت بها،  حتى تمكنت من الصوت والكلمات واللحن استحضار ملامحه".

هذا الشاب اليافع، ممشوق القوام، عريض المنكبين، بعينين واسعتين، يحمل بيده شاعوبًا (أداة يستخدمها المزارع لجمع محصوله)، ويلبس القمباز (اللباس الشعبي الفلسطيني) يقف وقفة شموخ .. "هكذا تعودت أن أنظر للفلسطيني"، وهكذا طوّع الحديد لإخراج هذه الشخصية.

ولمدة شهرين، وبشكلٍ يومي واصل العمل منذ ساعات الصباح الأولى، حتى المساء، كان ظريف الطول، بمثابة صديق، لا يُحبّ العمّ موسى التأخر عنه، يردف:" كنت أحيانًا أعدّ كم بقى لبزوغ الشمس، لأذهب إلى الورشة وأكمل عملي في التمثال".

ويستطرد باندفاع:" أنا أحببت هذا العمل كثيرًا، لذا لم يكن التعب والجهد في الحسبان، المهم ظريف الطول".

أما الحقيقة التي أسعدت العمّ موسى أن كل من ينظر إلى تمثال ظريف الطول، يشعر بقناعة أنه هو، بما لا يدع مكانًا للشك، أنه شخصية من وحي خيال.

ويُشير إلى أن طول التمثال نحو متريْن، وعرض متر واحد، ويزن نحو 160 كيلو غرام، استخدم  أجود أنواع الحديد الصلب في تشكيله، لكي يتحمل عوامل الطقس.

ويمارس الفنان حاليًا مهنة "الحدادة" ويملك ورشة أسفل منزله القريب من الحي القديم في قريته.

وما هو متوارث عن مهنة ظريف الطول، أنه كان يعمل في مهنة النجارة، لكنّ أبو عصبة حاول أن يدمج بين شخصيتيّ المزارع الفلسطيني، وظريف الطول.

وقبل البدء في صناعة هذا التمثال، ساور العمّ موسى الخوف، من عدم اجتياز هذا العمل بنجاح، يُحدثنا: "حينما عرضت فكرة العمل على أحد أقربائي، وهو مهندس لديه خبرة في هذا المجال، قال لي بالحرف الواحد تستطيع إنجازه، لكنك ستتعب كثيرًا، هذه الكلمة أرهبتني صراحة".

ويستكمل: "قلت لنفسي، على سبيل التشجيع، كل الذين ينجحون في صناعة التماثيل أيّ كان وصفها، أشطر مني؟" ومن هنا انطلق، ورغم الفشل الذي مُني به في البداية إلا أنه عاود الكرة مرةً أخرى.

ولم يتمكن من صناعة ملامح الوجه بشكلٍ متقن، أو بوصف أدق، " ليست هذه ملامح ظريف الطول التي رُسمت في ذهني" يقول أبو عصبة، فعاد مرة أخرى لتطويع الحديد، وتمكّن من إبراز ملامح الوجه بشكلٍ واضح وجميل.

كان الانتهاء من تشكيل ملامح الوجه، بمثابة اجتياز مرحلة الخطر، بعدها واصل العمل بنفسَ عالي، إلى أن غرق بشعور " الخارج من المعركة بنصر كبير" هكذا وصف العمّ موسى إحساسه الأول حينما نظر إلى ظريف الطول واقفًا أمامه.

وفي استعراضه لقصة ظريف الطول المتعارف عليها، يُحدثنا: "ظريف الطول قصة شاب، كان يعمل في مهنة النجارة عند رجل يُدعي أبو الحسن، ساعد أهالي قرية فلسطينية في مواجهة الانتداب البريطاني في ثلاثينيات القرن الماضي".

ويضيف: "كان قويا شهما طويلا عرف عنه القوة، وفجأة غاب عن البلدة  ولا يعلم مصيره أحد، هل ترك البلدة أم استشهد".

وبعدها أصبح غيابه بمثابة جرح غائر لأهالي القرى، تغنّوا الشعراء بظريف الطول، وأنشدوا له القصائد، والكثير من القصص المحكية التي جسدت شخصيته، نظرًا لبطولاته في مقاومة الانتداب.

السرّ

أما عن السرّ الخفيّ الذي رافق العمّ موسى، خلال عمله على مدار الشهرين، يقول بصوتٍ بشوش: " زوجتي أم ابراهيم، منذ مسيرة حياتنا الزوجية معًا، كانت تدعمني، وتدعم الحسّ الفني الذي أمتلكه، وحين حدثتها عن فكرة ظريف الطول، تحمستّ وبقيت معي حتى توجنا معًا هذا العمل بنجاحٍ وحب كبير".

اللافت في تمثال ظريف الطول، أنه لم يحمل "بارودة" نسبةً لما اشتهر به من بطولات ودفاع عن القرى الفلسطينية، وحمّله الشاعوب، لمَ ؟ يُفصح عن السبب: " نحن أصحاب الأرض، نزرعها ونحصدها، ونعيش فيها، وإسرائيل بغطرستها احتلتنا، من هنا أحببت ربط ظريف الطول بأرضه كمزارع فلسطيني".

39_24_9_17_4_20192.jpg
50_25_9_17_4_20195.jpg
39_24_9_17_4_20192.jpg