الساعة 00:00 م
الجمعة 26 ابريل 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.76 جنيه إسترليني
5.37 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.08 يورو
3.8 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

جيش الاحتلال يُعلن مقتل "رائد" شمال قطاع غزة

فلسطيني يحول موقعاً عسكرياً مدمراً إلى مسكن لعائلته النازحة

انفجار بيروت .. شهادات مؤلمة

حجم الخط
بيروت – وكالة سند للأنباء:

حين تُعلق الأحلام على أعواد المشانق، تتأرجح بين محاولة النجاة وبين الركون لواقعٍ مر، تتناثر الأماني في هواء بيروت، فيصدها ريح الفساد وتُخمد نورها ظروف الحياة القاسية، تتعمق الآلام في كل بيتٍ يرنو حياة مستقرة، فيطرق أبواب الحياة، ولا يرتد إليه سوى العجز واليأس.

لم تترك الحياة لأهالي بيروت متنفساً كي يُفكروا باستقرارٍ يريح ذواتهم، ليباغتهم الهم من حيث لا يحتسبوا ولم يتوقعوا قط، في لحظةٍ هدوء المدينة، كُسر حاجز الصمت، وكسرت معه أرواحاً كثيرة، وسرقت أحلام الآلاف من الناس، ليتركوا كي يُجابهوا أهوالاً تشيب لها الأرواح.

انفجارٌ ضخم هز الأجواء، كإعصارٍ اجتاح ملامح المدينة في بضع دقائق، أحالها لأكوام من الخراب والدمار والركام، اختلطت المعالم، وتناثرت الأجساد، وأريقت الدماء، ودُفن الأحياء، والصورة باتت ناقصة، يعلوها صوت نحيب الثكلى، وسؤال الفاقدين.

 مساءً يوم الثلاثاء الماضي، حريقٌ مفاجئ، دبّ في مرفأ بيروت، التهم معه بيوت العشرات من أهالي بيروت، وتلاها انفجار كبير سمعه جميع قاطني بيروت، ووصل صداه إلى قبرص، بعد أن امتد لعشرات الكيلومترات.

هدأت نيران المرفأ، لكن نيران الألم لم تهدأ في قلوب اللبنانيين، لتتجلى الصورة، وتظهر الجراحات، وتُكتوى القلوب بما شاهدت وسمعت، وشاخت الأفئدة بفقدان الأحباب.

عروسة بيروت

عروسة بيروت، في لحظة العمر المنتظر، ترتدي فستان زفافها الأبيض، تبتسم للكاميرا والقلب يبتهج فرحاً، وفي تلك اللحظة تماماً، اخترق الأجواء صوت عنيف، ثوانٍ قليلة انقلب كُل شيء، اختلط كل شيء، الكل يجهل ما حدث، ركض الجميع ذعراً وهرباً من شدة الانفجار.

ثلاث سنوات من التأجيل لترتيب أمور الزفاف والسفر وغيرها من الأمور، استغرقتها الشابة الطبيبة إسراء السبلاني من أجل تحديد يومٍ لعقد حفل زفافها الذي انتظرته طويلاً، وخططت لكل شيء فيه.

وعن ذاك اليوم تقول السبلاني: "كان يوماً مليئاً بالحب والسعادة، فقد حل اليوم المنتظر، والفرح يغمرنا وعائلاتنا جميعاً، كنت ألتقط بعض الصور للذكرى، فجأة وأنا أقف تغير لون السماء للون الزهري، وخلال ثوانٍ سمعت صوت مخيف جداً".

وتتابع: " تبع الصوت دخان كثيف، ليتحول بعدها إلى انفجار مرعب، لا يمكن وصف شدته وضغط الانفجار، ورمينا لأمتار على الأرض".

EeuXGp5XsAAY88R.jpg
 

لحظة فارقة

لم يُسعف السبلاني الوقت لمعرفة ماحدث، لملمت نفسها، وشاهدت كيف تحولت المنطقة الجميلة التي تلتقط فيها الصور إلى مدينة أشباح وخرابٍ ودمار هائل، ركضت مع زوجها علهم يجدون مكاناً للاختباء فيه.

وعن تلك اللحظة الصعبة تضيف: "لم يكن في ذهني، سوى أنني أفكر، كيف أنني خططت لكل شيء، وكنت سأبدأ حياة جديدة، والآن أنا سأموت، وكيف سأموت، هل بهذه السرعة، هل سأخسر كل أحلامي في بناء عائلة جديدة".

في اللحظة نفسها التي تزاحمت الأفكار والهواجس المخيفة في ذهن السبلاني كانت تتمنى أمراً واحداً، أن يمد الله في عمرها كي ترى أهلها وتودعهم قبل الموت، وتخبرهم كم هي تحبهم جداً.

هدأ صوت الانفجار، ومضى اليوم موشحاً بحزنٍ يكتسي المدينة بأكملها، لكن صوت الخوف وتلك اللحظة الكارثية لم تنتهِ وتذهب من ذهن إسراء وزوجها، اللذين لا زالا تحت صدمة ما حدث لهما.

باميلا والثلاث توائم

في مستشفى الروم بمنطقة الأشرفية تعمل باميلا زينون كممرضة، لم تكن تتخيل لو لحظة واحدة أن اليوم لن يكون عادياً، تمارس عملها تتنقل بين أطفال حديثي الولادة بكل حب، تسهر على رعايتهم وتحميهم، لتعيدهم البهجة إلى أهاليهم بعد استرداد عافيتهم بشكل كامل.

على حين غرة، سمعت باميلا صوتا ضخما وانهال عليها زجاج المكان، ركضت نحو 3 أطفال حديثي الولادة واحتضنتهم إلى صدرها بسرعة كبيرة جداً، لم تفكر بنفسها في تلك اللحظة، وتذكرت أنها أقسمت حين تخرجها بأن تكون مخلصة لعملها.

حملت باميلا 3 أطفال، وخبأت وجوههم باتجاهها في حالة من الدفء، وخرجت من المستشفى وسارت بهم قرابة 5 كيلو مترات من أجل الوصول إلى مستشفى آخر، لحمايتهم وتأمينهم.

وتوضح أن وزن الأطفال أقل من 2 كيلو جرام، ومن المحتمل أن يتعرضوا للوفاة في أقل من ساعة إذا ما تعرضوا للبرد.

وعن تلك اللحظة تقول: "لم أفكر إلا أنه كيف لي أن أحميهم، وأجعلهم على قيد الحياة قدر استطاعتي، وحينما خرجت، حاول الجميع مساعدتي بخلع ملابسهم وتغطية الأطفال فيها، حتى تمكنت سيارة من نقلهم مع مصابين إلى مكان آمن".

وحول تفاصيل الحادثة تبين باميلا أن عقب الانفجار أصيب جميع زملاءها بسبب تحطم المستشفى، وكانت الدماء تسيل من أجساد الجميع، والركام متناثر في كل زاوية من المكان.

وتضيف: "انهارت الجدران وأسقف المستشفى على جميع المتواجدين فيه، وكذلك انهار سقف الحضانة على الأطفال، وكنت أتمنى وأنا أزيل الركام ألا أجد أحد من الأطفال في الحضانات مصاباً أو ميتاً".

بعد تمكن باميلا من إزالة السقف الذي انهار على الأطفال الرضع، أمسكت الثلاث أطفال وخرجت من المستشفى بعد فتح البعض لجزء من الجدران من أجل إخراج المنكوبين، في ظل تحطم السلالم والأبواب وانقطاع التيار الكهربائي بشكل كامل.

لحظاتٌ من الموت

جالسة على أريكة في غرفة الجلوس، تنظر إلى صغيرتها التي أنهكها النعاس، وتهدهد لها علّها تنام وتذهب هي لقضاء أعمالها المنزلية، فجأة شعرت فاطمة منذر وكأنها على سطح موج، كُل شيء يهتز من حولها.

التفتت فاطمة إلى زوجها، وسألته: هل شعرت بما شعرتُ به؟

تقول فاطمة: "لا أذكر أنني قد سمعتُ جواباً واضحاً، لم أكد أنهي كلمتي حتى تلا تلك الهزة صوت منخفض، نهضتُ من مكاني، ورددت بعض الأدعية وذكر الله، حملت صغيرتي وبدأت بهزها علني أخفف شيئاً من الخوف الذي سيطر علي، وأكرر السؤال على زوجي عله يمدني بجواب واضح".

بعد دقائق معدودة، دوى صوت انفجار قوي، اخترق أضلع فاطمة، وهز قلبها وتسارع نبضها، شدّت طفلتها على صدرها، وبدأت تردد بسرعة الأدعية وتستودع نفسها ومن حولها، علّها تموت عليها.

وعن تلك اللحظة تقول فاطمة لـ "وكالة سند للأنباء": "ذكرت نفسي أننا له وأنا إليه راجعون، وبدأت أمشي في الممر كأم أضاعت طفلها، لا أدري كيف استطاعت تلك الثواني أن تحتوي كل هذا الخوف، سمعت صراخ قريب وصوت تحطم للزجاج".

وتضيف: " لم أجرؤ على النظر في الجزء الثاني من المنزل، وكدت أجزم أن كل شيء انكسر كما انكسرت أحلامي وأماني في تلك اللحظة تماماً".

مشاعر الخوف كانت تكبل فاطمة، لتصف ما حدث: "ركضت مرارا في الممر، وأنا أقول سوف نموت، أريد أن أهرب، لا أستطيع أن أهرب بهذه الثياب، في تلك الثواني ازدحمت الأفكار في رأسي، وبدأت مشوشة للغاية، لا أعرف وجهتي ولا ماذا أفعل".

بعدها سمعت فاطمة صوت زوجها بعد أن فتح الستار، يقول "انظري إلى الدخان".

حينما نظرت فاطمة للنافذة رأت موجة رمادية تلف المكان، وأدركت أن ما حدث قريب، لكنه ليس بالقرب الذي توقعته، وانتظرت أن يتكرر الصوت، لكن توقف كل شيء، ولم تعد قدما فاطمة قادرتين على حملها.

"فقدت السيطرة، وضعت طفلتي في حضن أبيها، وأرخيت قدماي، لكنهما بقيا تهتزان دون توقف، ودموعي تنهمر دون توقف، حاولت الوقوف مراراً لكني لم أستطع، لم تبكِ عيناي فقط، بل قلبي الذي كان يبكي من الألم". كما توضح فاطمة.

وتتابع: "كنت أردد، لا أستطيع أن أتحمل، رددتها عشرات المرات، وحينما سرتُ في البيت لا شيء مكانه، سوادٌ يعم المكان، والزجاج في كل زاوية من البيت، لا أدري ماذا حصل تلك اللحظة، إلا أنها كانت لحظاتُ من الموت التي لا تُنسى".