دأب لاجئو فلسطين على أن يكونوا في رحلة ملحمية منذ تشريدهم المأساوي في عام 1948، وهم لا يزالون إلى اليوم شعبا مشتتاً جراء النزاع والحصار والعيش تحت ظل الاحتلال، ولكن في داخل كل شخص منهم حكاية وعزيمة وإصرار.
وفي قصة قد تكون أقرب إلى الخيال، تؤكد أن الدم الفلسطيني الأصيل سيبقى منتصراً وإن اختلط بدماء أخرى، فبعد 38 عاماً على مجزرة "صبرا وشاتيلا" يحاول الشاب الفلسطيني أيمن ديراوي البحث عن جذور عائلته الفلسطينية.
ومذبحة صبرا وشاتيلا هي مذبحة نفذها جيش الاحتلال بمساعدة قوات "لحد اللبنانية" في مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين في 16 سبتمبر 1982 واستمرت لمدة ثلاثة أيام .
وقدر عدد الشهداء في المذبحة ما بين 750 و 3500 من الرجال والأطفال والنساء والشيوخ المدنيين، أغلبيتهم من الفلسطينيين ولكن من بينهم لبنانيين أيضاً.
بداية الحكاية
وقال الديراوي والذي يقيم في تونس حالياً في حديثه لـ"وكالة سند للأنباء"، إنه اكتشف أصله الفلسطيني، بعد وفاة والدته التي تبنته في سنة 2004، سميرة بن عبدالسلام، " بعدها بدأت في ترتيب الدرج الخاص بها فعثرت على أوراق من منظمة التحرير الفلسطينية مكتب دمشق سورية تفيد بأن الطفل أيمن عبدالرحمن ديراوي والديه من الشهداء الذين استشهدوا أثناء العدوان الإسرائيلي.
ويضيف الديراوي "أواخر عام 1982 حضرت العائلة التونسية إلى دمشق و سلمت كل الأوراق اللازمة لعملية التبني حيث كنت في عمر 6 شهور، وتم نقلي إلى تونس وكبرت و ترعرعت و كانت نعم التربية و الأخلاق و لا أحسست يوما أني متبنى بل كنت الابن المدلل لهم".
ولد أيمن ديراوي في مخيم صبرا وشاتيلا بلبنان في 11 حزيران/يونيو 1982م، لكن والديه الفلسطينيين عائشة وعبد الرحمن ديراوي استشهدا خلال المذبحة.
ويضيف "طلبت من والدي المتبني وقتها بإخباري بالحقيقة إلا أنه تألم من هذا الطلب فتراجعت عن البحث عن الحقيقة إلى غاية وفاته عام 2012".
سافر أيمن إلى لبنان خصيصاً للبحث عن أحد أقاربه وزيارة قبري أمه وأبيه، وعن هذه اللحظة يعبر أيمن "إحساس مؤلم انتابني حال وصولي إلى مقبرة شهداء صبرا وشاتيلا، فهي جماعية، ما يثبت العدد الكبير للشهداء، قرأت الفاتحة على أرواحهم ومضيت وبداخلي حزن ممزوج بنوع من الفخر، فأنا ابن شهيدين وقدمت أغلى ما لدي للقضية الفلسطينية ويحق لي اليوم المطالبة بإثبات هويتي".
وتابع "عند رجوعي إلى تونس بدأت في البحث عبر مواقع التواصل الاجتماعي بوضع اللقب "ديراوي " وقبول كل الإضافات حتى عثرت على بيت ديراوي في غزة و كانت لهم نفس القصة التي تتطابق مع حكايتي".
وأضاف الديراوي "تبين من خلال البحث والتواصل مع الأقارب في غزة أن لي أخت شقيقة من الوالد، وأنا بانتظار عملية فحص "DNA" والذي تأخر بسبب عرقلة سلطات الاحتلال".
جواز السفر الفلسطيني
بعد رحلة طويلة في البحث تنوعت أساليبها وأشكالها، منح الرئيس الفلسطيني محمود عباس الشاب الديراوي جواز السفر الفلسطيني والجنسية الفلسطينية قبل أيام.
وقال سفير دولة فلسطين لدى تونس هايل الفاهوم خلال تسليم الجواز نيابة عن الرئيس محمود عباس، إنه "لا يمكن التخلي عن أبناء فلسطين بأي شكل من الأشكال، وتكرم الرئيس محمود عباس بإعادة الهوية الفلسطينية إلى أبناء فلسطين وأبناء الشهداء".
وأكد أن الهوية الفلسطينية لا تضيع وهي حق كل فلسطيني مهما طال الزمن أو قصر.
وعبر الديراوي عن شكره، بهذه المناسبة لكل الصحفيين الذين ساعدوه على إيصال صوته، والسلطات الفلسطينية وعلى رأسهم الرئيس محمود عباس لمتابعته لكل الأوضاع و الاهتمام بأطفال فلسطين.
ويبقى حلم أيمن مستمراً بالوصول إلى قطاع غزة ولقاء أقاربه بعد أن يتمكن من الحصول على الهوية الفلسطينية، ليكحل عيناه التي ما هدأت منذ 38 عاماً.