الساعة 00:00 م
السبت 20 ابريل 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.65 جنيه إسترليني
5.31 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.01 يورو
3.76 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

بالصور سيدات الريف الفلسطيني.. حكاية حُب تسردها الطبيعة

حجم الخط
4.jpg
آلاء المقيد/غزة - وكالة سند للأنباء

يتسلل نور الشمس رويدًا رويدًا على بساتين بيت لاهيا شمال قطاع غزة، تصحو العصافير تستغل هدوء الفضاء لتُغرد، قبل أن تنفض البيوت عنها نُعاس الليل، ومعها تستيقظ سيّدات المكان اللواتي يحملن في ملامحن لَون الأرض وسرّ جمالها.

في الأماكن الريفية.. السيدات هنْ سر جمال الطبيعة التي تُحاصرك خضارها الممتد، وهنْ أساس المذاق الساحر في ثِمار الأرض الطازجة، وعندما تعيش يومًا معهن ستقول "حقًا أنهن من يمنحن السماء زرقتها أيضًا".

مع ساعات الصباح الأولى يبدأن كـ "خلية نحل" في مزراعهن من حَرث وسقِاية إلى قطف الثمار لـ "قشبرة" الأرض، ومن ثم العودة إلى البيت لإعداد الطعام، إلى أن يحّل المساء فيتبادلن أطراف الحديث ومُلخص يومهن الشاق الممتع.

لا يُمكن أن تذهب إلى تلك الأماكن دون أن تلقى حفاوةً بالاستقبال، كما لو أنك من أهل الديار، تَألفك الوجوه بمجرد قولك "يعطيكم العافية"، تتهافت عليك الأصوات مُرحبة "يا آهلا باللى جانا تفضلي".

5.jpg
 

كانت أم عماد حمدونة تعمل بانسجامٍ تام في تعشيب الأرض وسقايتها، تستظّل بشمس الشتاء الخجولة من فوقها، تقدمت نحوها مستأذنة، نفضت عن ملابسها الغبار العالقة وقالت: "يا آهلًا، هذه بقايا الأرض سامحيني".

وفي كل صباح تُسابق "أم عماد" الشمس في الإشراق، تأتي برفقة زوجها لـ "ترعى الأرض من الألف إلى الياء"، لا ساعات محددة للعمل، فالمهم وَفرة الحصاد، تقول: "هنا أنت لا تحمل همّ رزقك بقدر ما تسعى إليه".

تُشير بيدها إلى الجهة الغربية حيث أرضها المزروعة بـ "الباذنجان والبصل الأخضر والخيار والبازلاء"، وغيرها من المزروعات، وتُردف لـ "وكالة سند للأنباء": "هذا الجو لا يُناسب لزراعة عدد كبير من النباتات، ما يُكبدنا خسائر فادحة، وغالبًا نكتفى بهذه المحاصيل لسدّ احتياجات العائلة".

ورغم محدودية المزروعات في فصل الشتاء إلا أن "أم عماد" تُفضل الزراعة بهذا الموسم لأن "الجو لطيف وموسم الفراولة غالبًا مربح للمزراعين"، على عكس فصل الصيف الذي يكون الجو فيه حارًا ومحصولاته لا تُكافئ تعب المزارع وجهده.

2.jpg
 

وعن العلاقات الاجتماعية في الأماكن الريفية، تصفها بـ "الأسرة الواحدة"، فهنا "لا يشعرون أنهم من عوائل مختلفة، ومصلحة الجميع واحدة واليد واحدة والقلوب على بعضها".

وتسرد في حديثها عن علاقاتهم: "طيبون ويتمتعون بالعطاء، أما عن العائلة الواحدة، فالعلاقة قوية، لعدة أسباب منها نعمل معًا طوال اليوم، والتواصل بيننا مباشر ودائم، لم يُفسد عالم الإنترنت هذه الرابطة".

وأثناء جولتها معنا في الأرض، أخذت تُحدثنا عن أكلات نَفسها الطيّب، ففي هذه الأجواء الباردة لا ألذّ مذاقًا من الأكلات الشتوية كالحماصيص والرومانية والخبيزة، فكيف عندما تكون هذه المحاصيل من زراعة الأم؟ تُسقيها بالحبّ قبل الماء.

تزيد "ضيفة سند": "بناتي يُفضلن تناول هذه الأكلات في الأرض هنا، فهي بالنسبة لهم النزهة الحقيقة، لا يخرجن منها إلا بسعادة وراحة بال".

هل العمل اليومي للمزراعات ممل؟ تُرد: "كل شيء إذا بَقى بذات الوتيرة، يملّه صاحبه، لكن العيش في الطبيعة يمنحك أيامًا بشعور مفعم بالحياة رغم تكرار التفاصيل، أنا وَعيت هنا ولا يمكن أن أصف لكم يومًا واحدًا من حياتي بعيدًا عن الأرض".

ليس بعيدًا عن أرض "حمدونة"، في مشهدٍ من الحياة اليومية بالأماكن الريفية، "أم فراس" تقطف  الخبيزة، وكلما اقتربت سيبدو صوت شجارها مع ابنتها، أكثر وضوحًا.

اختلفت الأم والإبنة على وصف حياة المزارعات، فهي تقول: "ولا أحلى من هيك"، أما ابنتها الجامعية بصوتٍ متذمر "حياتنا ليست بهذه الروعة، فقط بدنا نعيش".

وتُردف: "الحياة أشبه بقالب واحد تعيش في ظلّه المزارعة، وعليها التواجد دائمًا في أرضها حتى لو لم تسمح لها الظروف بذلك، مثلا لو كانت بأشهر حملها الأخيرة، أين الروعة في ذلك؟".

ومع ذلك فهي تقرّ بأن الأماكن الريفية تمنح الإنسان شعورًا جميلًا، مستطردةً بالقول: "لكن العادات جَرت حتى لو أكملت تعليمك غالبًا ستعودين إلى أرض أهلك تحرثين وتحصدين وتعيشين ذات المعاناة، وهذا ما أرفضه".

3.jpg
 

أكملنا المسير في هذه الأماكن الهادئة إلا من صوت الديوك والعصافير، نُغذي أبصارنا بكل ما هو طبيعي بدءًا من الأرض وشعورها المُفعم بالحياة، وليس انتهاءً بوجه بشوش يطّل علينا من بين جريد النخيل الجافة "تفضلوا يا بنتي" (قالت أم زاهر).

مشينا بممر ترابي يفصل بين أرض زراعية، وغرفة صغيرة تُظللها ورق العنب وجريد النخيل، لنتمكن من الوصول إلى أم زاهر طنطيش (81 عامًا)، واحدة من أشهر السيدات الريفيات في منطقة الشيماء شمال بيت لاهيا.

IMG-20191226-WA0043.jpg
 

تحكي لنا عن علاقتها بالأرض: "نحن هنا بين كل هذه الخيرات، والهواء النقي، وصوت الأولاد والأحفاد، ونعمة الصحة التي نتمتع بها، هل هناك حياة أجمل من هذه؟".

"أم زاهر" رغم كبر سنّها إلا أنها لا زالت تواظب على المجيء فجرًا كل يوم لتقضى يومها كما تُحب بين الأشجار والطبيعة فهم كـ "أولادها"، وفراقها عنهم أمر مستحيل.

تُشير خلال حديثها لـ "وكالة سند للأنباء" إلى أن المزارع الفلسطيني يتعب كثيرًا ليرى زراعته مُزهرة أمام عينيه، فالعمل هنا يتم بشكلٍ يدوي، من تعشيب وتسميد وسقاية، وتوريق وقطف، وفي كثير من الأحيان قد لا يحصد من جهده شيء، والسبب مثلًا "رياح شديدة، أو شمس حارقة، أو قصف إسرائيلي".

الأرض تُعلّم الحُب

وتُكمل: "منذ وعيت على هذه الحياة وأنا بين الطبيعة، الروتين اليومي الذي أمارسه من الصباح وحتى المغيب، هو سرّ صحتي وإقبالي على الحياة بروح الشباب، ولا أبدّله بأملاك الدنيا".

"المزارع حاكم نفسه" بهذه الكلمات وصفت "أم زاهر" عملها كمزارعة: "فلا أحد يستطيع إجباري على شيء، ولا أحد يتحكم برزقي سوى خالقي".

سؤال أخير حجّة ماذا علمّتك الطبيعة؟ بصوتٍ مندفع تُجيب: "الحب، والقناعة والرضا، فأن تُصبح  وسط عائلتك بصحة وعافية ومعك قوت يومك شو بدك أحسن من هيك؟".

1.jpg