على أنغام الموسيقى، تُعزف الحروف بلحنٍ فريد، تُسافر بك إلى أعماق الروح، وتمنحك لباس الطمأنينة، تعبر من خلالها إلى عالمٍ من المشاعر المختلفة، لتُخلد في ذاكرتك جزءًا أصيلاً لا يُنسى.
في انسجامٍ فريد، اجتمع قلب المحبين، وصنعا طريقاً يوحد قلبيهما وشغفهما في الحياة، ليقررا افتتاح "دار هناء" كمشروع يدمج بين تعلم الخط العربي والاستماع للموسيقي.
أيقونة للإبداع
افتتحت الشابة الفلسطينية هناء حمارشة من مدينة طولكرم، برفقة شريك حياتها هادي الصدر، ورشة فنية، تضم في جنباتها إبداعاً فنياً مميزاً، يشعّ بالحب والأناقة، يجمع بين انسياب الحروف العربية وطريقة إخراجها بشكل لافت، يُبهج الأنظار.
اهتمام الشريكين في الفن والانتماء للغة والأمة العربية، دفعهما إلى التفكير والخروج بمشروع يلبي اهتمامهما في هذا المجال، بمحاولة صياغة مشروعٍ يُفضي فيهما شغفهما وجل أوقاتهما.
شهدت "دار هناء" بدايتها في عام 2019، لتصبح الآن أيقونة للإبداع في الخط العربي، بعد مواكبتها لتطورات الحياة، لتحتل مساحةً في بيوت العديد من الفلسطينيين، بعد استخدام الخط في اللوحات والجداريات، والحقائب، وساعات الحائط والطاولات الخشبية المنقوشة بحروفٍ عربية شديدة الحبكة والتعقيد.
ما يميز "دار هناء" أنها سلكت طريقاً جذاباً في الإعلان عن مشروعهما، عبر تصوير مقاطع فيديو، يوصلان فيها الكثير من الرسائل والقصص باستخدام الموسيقى وتدوين العبارات بالخط العربي.
وعن بداية الحب للخط العربي، توضح الفنانة هناء حمارشة في حديث لـ "وكالة سند للأنباء"، أن فكرة الكتابة بالخط العربي نمت معها منذ صغرها من خلال القراءة والقرآن والاهتمام باللغة العربية وكل ما يتعلق بها.
وتجلت الفكرة
نما الحب في قلب حمارشة وبقي كظلٍ يحيط قلبها ويغذي شغفها فيه رغم دراستها للهندسة، إلا أن الفكرة بقيت كجمر خامدٍ تحت الرماد إلى أن أذنت لها الحياة أن تتجلى بشكل ساطع بمشروع كامل وموسع.
تفتحت دروب الحب بالتعلم والحب والاهتمام، ومتابعة لوحات الخطاطين، كونها تمثل تغذية بصرية تصقل من خلالها حمارشة مهارتها في تدوين الخط العربي.
نصف مسار التعليم يكمن في النظر والاطلاع على الخط العربي وتفاصيله التي هي كعلم كامل متكامل – كما توضح حمارشة-.
وتبين أن المشروع جاء نتيجة اهتمام متراكم فتطور من خلال تعلمه كعلم، ومعرفة الحروف واتصالاتها ثم تكوينات الجملة، والاطلاع على مصادر الكتب اللي تركها أكابر الخطاطين السابقين.
وتشير إلى أن تعلم الخط العربي شيء صعب جداً، لوجود أساتذة ومدارس متنوعة، الأمر الذي يجعلك تتعلم إجادة الحرف نفسه في أدق تفاصيله حتى يتم إتقانه، وكذلك تعلم كيفية إخراج الحروف بطريقة تلامس أرواح الآخرين وتعبر عنهم بالفرح بالحب.
وتتجلى الصعوبة في كيفية صياغة الشيء بإتقان ليصل إلى الناس بحرفية مع الاحتفاظ بروح الخط والفن، كما تبيّن هناء حمارشة لـ "وكالة سند للأنباء".
إيمانٌ بالنجاح
لم تخفِ حمارشة بعض مخاوفها حين البدء في مشروعها، إلا أن الإيمان الكبير في فكرتها والموهبة التي تمتلكها، بالإضافة إلى الاجتهاد والتحضير، كل ذلك كان له الأثر في نهاية الأمر بصنع النجاح.
وتبين أن الخوف من الفشل مشروعٌ في أي فكرة قد تنطلق فيها، وهذا تخوف طبيعي يجب أن يكون لدى أي شخص يُقبل على أي مشروع جديد.
وتضيف لـ "وكالة سند للأنباء" أن المشروع فني، فيه فن مع روح عربية وهدف سامٍ وراء الفكرة، ويجب أن يتواكب كل ذلك من أجل الحصول على النجاح، ولأن تلك العناصر تعاضدت مع بعضها حقق المشروع نجاحاً لافتاً.
عدم قبول الناس والاهتمام بما تقدمه "دار هناء"، وعدم تحقيق النجاح المرجو كان بمثابةٍ خوفٍ ينتاب قلب حمارشة، إلا أن تلك المخاوف تبددت منذ أول لحظة لانطلاق المشروع، والذي شهدَ احتفاءً وحباً واضحين من قبل شرائح المجتمع.
وتتابع: "وجدنا إقبالاً كبيراً، واهتمام الكثير من الناس بهذه الأعمال الفنية، الأمر الذي مثّل لنا عاملاً محفزا ودافعا في تطور المشروع والاستمرار بالفكرة بشكل أفضل".
قصة إنسان
وجدنا التقدير لأننا آمنا بالفكرة وطرحناها بشكل مميز يلامس جميع الأطراف سواء المهتم باللغة العربية أو لا، أو أي إنسان يحب الجمال، وهذه فطرة بالإنسان مهما اختلفت الديانات، فأصبحت الناس تحب تقتني اللوحات، بالإضافة لسحر اللغة العظيم جداً، كما تقول لـ "وكالة سند للأنباء".
دعم إلهي، ذلك ما تشعر به حمارشة حين تنهمك في عملها بتنفيذ لوحاتها العربية، كونها تخدم اللغة العربية والخط العربي، وتقدم فكرتها من روحها ووجدانها.
وتلفت إلى أن كل لوحة لها روح، تحكي قصة إنسان، ودائما تسعى "دار هناء" لرواية ما وراء كل لوحة، وإظهار أن هناك أناسا قد روت هذا الكلام، وكان يعبر عن مشاعرهم في اختلاف مناسباتهم.
وعن معرضها المنزلي، تنوه حمارشة إلى أن الشريك في الحياة له دورُ كبير في تغذية أحلام رفيقة حياته، ويزداد كلما شاهد معها شغفها بذات العين التي تُبصر بها، فكان لرفيق حياتها تأثيراً كبيراً في دعمها ومشاركتها اهتمامها، بتحويل ركنٍ من بيتها إلى معرض، وإدارة التفاصيل فيه بشكل كامل، ومحاولة الارتقاء للأفضل بشكل دائم.
مصادر الإلهام
وعن الإلهام الذي يدفع "دار هناء" للاستمرار في مشروعها تقول حمارشة إنه يتم تقيم الفكرة، والفكرة لا تأتي من فراغ، إنها تأتي من إنسان مهتم بالشيء الذي يصنعه بشكل كبير جداً، وبمصادر الإلهام كالسفر والاطلاع على الكتب والشعر العربي، والثقافات والفنون الأخرى.
وتبين أن الإنسان العربي عاطفي بطبيعته، وهناك تعابير عربية كثيرة عن المشاعر الإنسانية، وحب الله والحياة وغير ذلك، وكل ذلك يُساهم في جزء من الإلهام كوقود داخلي، عدا عن المسلسلات والأفلام التي غيرت نظرة حمارشة عن الفن، وجعلتها منفتحة على ثقافات العالم الأخرى.
وتطمح حمارشة إلى اتقان الخط العربي، كونه قد يقضي الإنسان كل حياته وهو يتعلمه، أن تصل مبيعاتها إلى أكبر عدد من الناس، وأن تدمج الخط العربي بأفكار موجودة في ذهنها لتقدمها في البيوت كهدايا شخصية بشكلٍ معاصر، وأن تحافظ على الاستمرارية.