مع اندلاع شرارة الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000م لم يكن الفنان المصري محمد بوجالي يتجاوز عمره 9 سنوات.

لم يغب عن ناظر "بوجالي" (29 عامًا) من شمال سيناء تلك الصورة التي وثقها المراسل الفرنسي لإعدام الاحتلال الإسرائيلي الطفل الفلسطيني محمد الدرة بالصوت والصورة.

"تألمت كثيرًا وبكيت ولم يكن أمامي مفر للتعبير عن غضبي سوى كيس أسود وضعته في جيبي خفية"، يصف الفنان حالته النفسية ومشاعره وهو يشاهد مأساوية صورة الطفل "الدرة".

يضيف: "كنت وقتها بالمدرسة، لم أتمالك نفسي، حيث خرجت للاستراحة الثانية نظمنا تظاهرة صغيرة وبدأنا نهتفُ للشهداء في فلسطين".

 

"في تلك اللحظة قررت رسم علم الاحتلال الإسرائيلي على كيس قمامة، فقمت بذلك ورميته على الأرض وداس عليه الجميع"، كما يستعيد "بوجالي" ذكريات تلك المرحلة من حياته.

ومنذ تلك اللحظة بدأ الفنان التشكيلي "بوجالي" الذي تعلم الفنون الجميلة في جامعة الأناضول التركية في مشواره الفني.

يقول لـ "وكالة سند للأنباء": "كنت صغيراً أعشق الرسم والخربشة على دفاتري المدرسية، وأراقب رسومات ناجي العلي بشغف فأتخيل بأني تلميذه وأقلد لوحاته وأسعد بذلك".

يضيف: "مارست العمل في مجال الجداريات واللوحات الزيتية والبورتريهات، وارتباطي العميق وامتلاكي للملكة منذ صغري، يجعلني أعطي الأمر اهتماما أكثر ونتيجة أجمل".

 

عالم المُصغرات

سافر "بوجالي" بلوحاته كبيرة الحجم التي امتزجت بثقافات شرقية وغربية، لبلدانٍ عربية وإسلامية وأوروبية، ليتنقل بالتوازي معها لشغفٍ آخر في "عالم المُصَغِرَّات"؛ النقش الدقيق.

يشير إلى أن تجارب الرسم تتطلب مجهوداً كبيراً لصناعتها بشكل فريد ونادر، حيث "رسمت على غطاء الزجاجات، ريش الطيور، حبات المكسرات، والبقوليات، وأيضًا "حبات الأرز" والملعقة الخاصة بالسكر".

 

 

 

يحدثنا "بوجالي" عن البدايات فيوضح أن "البداية كانت عند قطعةٍ من الشوكولاتة، حينما أحضرتها أختي الصغيرة لي، لكي تختبر صبري والتزامي بنظام الحمية (الرجيم) الذي كنت أتبعه حين ذاك".

يتابع: "فكرتُ كثيراً لأبتكر طريقةً معقدة تمنعني من التهامها، فشرعت بالرسم عليها وجعلها لوحةً من الصعوبة رؤية تفاصيلها بالعين المجردة، ورسمت لوحات بحجم عقلة الأصبع، أو لربما بحجم السنتميترات".

ويشير "بوجالي" إلى أن قبة الصخرة المشرفة ومدينة القدس من أكثر المعالم الإسلامية القريبة لقلبي والملهمة في الوقت ذاته، لذا وقع الاختيار عليها ليخط ألوانها الذهبية الزاهية.

 

الرسم الساخر

"تعيدني رؤية القدس في رسوماتي إلى مشاهد خالدة في ذاكرة الفلسطينيين، مشاهد خالدة في زمن الملثم والحجر، فأردت من خلالها التحدث عن فلسطين عامة والقدس خاصة".

رغب "بوجالي" أن تتحول الألوان لأصوات يسمعها كل من يشاهدها، "صوت الجندي الذي يهرب من الله أكبر رغم درعه وترسانته ورصاص قناصته".

 

 

لوحاته وصلت فلسطين

وعلى الرغم من الظروف الحاصلة في فلسطين مرورًا بذكرى النكبة 73 لتهجير آلاف الفلسطينيين من أراضيهم عام 1948م شارك الفنان "بوجالي" بلوحة أسماها "ما بعد العودة".

يوضح أنه عرض تلك اللوحة في المهرجان الفلسطيني الدولي السابع للفن التشكيلي المعاصر على طريق القدس، ضمن أضخم تظاهرة فنية رقمية لإحياء يوم العودة، نظمتها مؤسسة رواسي فلسطين.

 

التفاعل على التواصل الاجتماعي

وظف الفنان "بوجالي" حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي لتسويق صوره الفنية، حيث بات يمتلك 119569متابعاً، وآلاف المتابعين على "فيسبوك".

يتفاعل الفنان مع صوره بطريقة جذابة تثير الاهتمام؛ حيث يغرد بلهجته المصرية الملفتة من أجل صنع حالة من التفاعل مع القضية الفلسطينية ومعاناة الشعب الفلسطيني.

بالرغم من أنه تعرض لأكثر من مرة لتحذيرات تنذره بإغلاق حسابه بعد أن نشر لوحاته المتضامنة مع فلسطين، بدعوى أنه يخالف معايير النشر إلا أن الشاب لا يكترث لمثل هذه الإجراءات التي يرى أنها "تتساوق مع الاحتلال الإسرائيلي".

شارك "بوجالي" مؤخرًا في معرضه الأول في مصر الذي ضم أعماله الصغيرة الحجم، التي تنقل للبحرين والإمارات، وها هو يطمح بأن تتواجد أعماله في متاحف عالمية.