الساعة 00:00 م
الخميس 25 ابريل 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.71 جنيه إسترليني
5.33 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.04 يورو
3.78 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

جيش الاحتلال يُعلن مقتل "رائد" شمال قطاع غزة

فلسطيني يحول موقعاً عسكرياً مدمراً إلى مسكن لعائلته النازحة

"الوضع القائم" في الأقصى.. تغييرات إسرائيلية بطيئة ومستقبل خطير

شادي.. ساقي بيتا يسقيها بدمائه

حجم الخط
شادي.. ساقي بيتا يسقيها بدمائه
آصال أبو طاقية - وكالة سند للأنباء

في بيتا، لا زالت الأنفس تترقب، والأقدام تتراصّ وتصلي لأجل الثبات والصبر أكثر، يتسمر شبان وأهالي بيتا سباق الليل مع النهار، لحماية الجبل والبلدة من براثن الاستيطان، بمقاومةٍ فريدة يطلبون النصر، دون كلل أو ملل، ودون أن يبرحوا الجبل.

وكعادة الاحتلال، كذئب مفترسٍ يفتح فاهُ في كل فرصةٍ للانقضاض على أحد الفلسطينيين بكل لحظة تلوح له، دون أن يسمح للتبرير من أن يمر من عينه، يمنح نفسه الحق الكامل لإنهاء حياة أي شخص يريده، فيضغط الزناد ويخطف روحًا بعد الأخرى، رغبة في إشباع حقده الدفين.

لبى نداء الوطن

وعلى الشارع الممتد، والمكشوف لأعين الجميع، كان شادي سريع التلبية لكل محتاجٍ أو شاكٍ من خلل في خطوط المياه، لبى نداء قريته، ولم يكن يعلم أنه على موعد مع تلبية نداء الله والوطن، حيث ارتقى شهيداً في المكان ذاته الذي كان يحاول إصلاحه.

لم يمهل الاحتلال وقتاً لشادي الشرفا (41 عاماً) والذي يعمل مستشاراً بقسم المياه في بلدية بيتا، من أجل أن يتم عمله في إصلاح بعض أنابيب المياه التي تمد البلدة، حتى باغته جنود الاحتلال بوابلٍ من الطلقات التي أنهت حياته قبل أن ينهي عمله.

ليلاً، خرج شادي كعادته، استودع نفسه ورزقه وعائلته، ومضي في سبيل عمله، حمل عتاده من الأدوات اللازمة من مفتاحٍ للمياه ومفاتيحه الخاصة، وذهب بالقرب من مفرق بلدة بيتا شرق مدينة نابلس، عند مقطع نقل مياه الشرب الذي يمد بلدة "بيتا".

أراد شادي أن يُضاعف حصة المياه الشحيحة منذ أشهر على بلدة "بيتا" بعد الأحداث والمواجهات والمقاومة الشعبية الأخيرة التي يقودها الشبان هناك، ضد إقامة بؤرة استيطانية جديدة "افيتار"، لكن الاحتلال خطف روحه سريعاً.

طبيعة.jpg

 

قتل متعمد

سائد الشرفا شقيق الشهيد "شادي" الذي استوطن الألم قلبه وصوته بعد نبأ استشهاد أخيه، يقول بقلب مكلوم: "ذهب "شادي" لإصلاح بئر مياه قريب من بيتا، وهو مكان يدخله الكثير من فنيّ المياه بشكل يومي، وجنود الاحتلال يعرفون ذلك، وكان يحمل في يديه أدواته المعروفة".

ويضيف لـ "وكالة سند للأنباء": " في الساعة الحادية عشر ليلاً، كان جنود الاحتلال يتربصون به، مع أنه يقف في مكان مكشوف لا يدع مجالاً للشك فيه، وفي مكان تمر فيه السيارات بشكل طبيعي، وبصورة واضحة جلية كان يرغب بإصلاح المياه، لكن فجأة خرج عليه الجنود وأطلقوا عليه عشر طلقات بشكل مباشر".

ووفقاً لمسؤول قسم المياه في بلدية بيتا يوسف أبو مازن، في تصريحات صحافية، أوضح أن قوات الاحتلال تعمدت منذ بداية الاحتجاجات الشعبية تخفيض المياه، حيث تراجعت من 40 ألف كوب بشهر مايو/ أيار إلى 33 ألف كوب في شهر يونيو/ حزيران.

وتعاني بلدة بيتا من شح شديد في المياه لعدة أسباب، منها الفاقد الكبير للمياه ٣٥٪ لتآكل البنية التحتية للشبكة، وتضييق الاحتلال على موارد مياه البلدة وتقنينها بشدة، بشدة مفرطة.

حزنٌ شديد

حل صباح اليوم التالي لاستشهاد شادي وكان موشحاً بالحزن الشديد وثقيلاً على قلوب أهالي البلدة، وكل من يعرفه، فقد كان ملاذ كل سائلٍ عن المياه، يتحسس مشاكلهم ويُبادر لإصلاحها، يحاول التخفيف عنهم ومد يد العون لهم قدر المستطاع، معروفاً بعطائه الدائم، وترحاله من مكان لآخر ليتفقد محابس المياه المغذية لبلدات بيتا وحوارة وزعترة، وقرى شرق مدينة نابلس.

تختنق الكلمات والعبرات في لسان "سائد" شقيق الشهيد: "والله كل أهالي البلدة بحبوه، كل الصفات الحلوة مجتمعة فيه، كان بشوش الوجه، دائم الابتسامة مع من حوله، نظيف القلب، كان مثالاً للصدق والتفاني وخدمة الناس، ما حد بعرفه إلا وموجوع على رحيله".

رحل شادي تاركًا خلفه خمسة من الأبناء لم يستوعبوا حتى اللحظة أن والدهم الذي كانوا ينتظرونه بشوق ولهفة كل يوم، لن يطرق عليهم الباب مرة أخرى ويأخذهم في أحضانه، ليقبلهم ويمنحهم حب الأبوة من جديد.

لم يبقَ أحدٌ من أهالي البلدة إلا ونعى "شادى" الخلوق والنبيل، والذي كان يُخاطر في حياته كثيراً من أجل تخفيف المعاناة عن أهالي بلدته، فقد كانت معركته مع الاحتلال لا تقل أهمية عن تلك الشبان الذي يرابطون ليل نهار في البلدة وعلى جبل صبيح من أجل طرد المستوطنين منهم.

وبحزنٍ شديد نعاه أحد الشبان قائلاً: "أعود لهاتفي فأجد لك هذه الصورة، وأنت تتقافز في الجمعة الأخيرة على جبل صبيح بين الحجارة والزيتون، وقنابل الغاز، تتفقّد الجميع وتطمئن عليهم، هل كنت تودّع الجبل، وتُعفّر أقدامك بترابه قبل أن تصعد؟ قتلوك وأنت تحاول أن تروي ظمآنا، لكن من يروي عطش بيتا لابتساماتك الآن يا شادي؟".

سرقة الجثمان

ورغم الجريمة التي ارتكبها جنود الاحتلال كلصوص ليلٍ، في إعدام الشرفاء، لم يكتفوا بذلك بل سرقوا جثمانه وصادروه منذ اللحظة الأولى إلى مستوطنة ارئيل القريبة من البلدة، وحتى هذه اللحظة، يتضاعف الألم في قلب عائلته حتى إشعارٍ بالإفراج عن جسده لتوديعه ودفنه.

وبعد انتشار خبر استشهاد شادي الذي يعمل منذ 17 عاماً في هذا المجال، بعد نصب جنود الاحتلال لكمين له، اندلعت مواجهات شديدة أصيب فيها أكثر من 100 مواطن بالاختناق والرصاص المطاطي.

رحل شادي في سبيل سقيا شبان بلدته العطشى، في ليلٍ حالك لا يعلم به إلا الله، يضحي بنفسه من أجل دفع بعض المياه إلى خزانات البلدة، ليظمأ بها عطشى الجبل، الذين يرابطون لأكثر من 100 يومٍ، وهم الذين يُكافحون الحر والعطش ودخان الإطارات المشتعلة والاحتلال.

وتشهد بلدة بيتا وجبل صبيح منذ أشهر، مواجهات عنيفة بين المواطنين الفلسطينيين والمستوطنون، من أجل طرد المستوطنون الذين استولوا في الآونة الأخير على قمة جبل صبيح، وأقاموا عليه بؤرة استيطانية "إفيتار".

لم يكن شادي الشهيد الأول في بيتا، بل سبقه أربعة من الشبان الذين لم يقبلوا فرض سياسية الواقع الاستيطاني على بلدتهم منذ قرابة الأربعة أشهر، فيما أصيب أكثر من 150 شخصاً بكسور في أطرافهم بسبب الرصاص الحي، و2700 جريحا ًبالمطاط وإصابات أخرى.