الساعة 00:00 م
الخميس 02 مايو 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.71 جنيه إسترليني
5.3 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.03 يورو
3.76 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

معاناة الفلسطينيين تتفاقم في ظل غياب نظام وطني لإدارة الكوارث

أطفال غزة يدفعون ثمن الأسلحة المحرمة

بالصور المحررة حلوة حمامرة تتحدث عن تفاصيل السجن المُغيّبة

حجم الخط
236255427_3119181491700006_3240673875183400715_n.png
آصال أبو طاقية - وكالة سند للأنباء

"خرجت الأسيرة" جملة بسيطة، يرددها الجميع احتفاءً وحباً، لكن ذاك الخروج خلّف وراءه الكثير والكثير من التفاصيل التي غابت عن الأعين والأسماع، وعاشتها حلوة حمامرة في زنزانة الظلم الإسرائيلية، كابدت ليلة بليلة، وما أثقل الليالي على ما ينهش جسده الألم، وما أبطأ الثواني على من لم تزره الحرية ويقيده السجان.

الثامن من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني، كانَ أشبه بكابوسٍ حل على حياة حمامرة، بعد أن أطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي عليها 3 رصاصات، بتهمة محاولتها تنفيذ عملية طعن، ليتبدأ منذ تلك اللحظة حياة لا تشبه أي حياة، حيث اجتماع المرض والسجن ولوعة الفراق.

السجن ست سنوات، هكذا كان الحكم الإسرائيلي على حمامرة، دخلت زهرة يانعة في عمر 22 وابنتها رضيعة، لتعود إلى ابنتها وهي ابنة السادسة، وقد تم استئصال كليتها والطحال وجزء من الأمعاء والبنكرياس والكبد.

إهمالٌ متعمد

حياة صعبة ومريرة عاشتها حمامرة منذ أول يوم اعتقال، حيث نقلت وهي في حالة حرجة للمستشفى مكبلة إلى مستشفى هداسا بعين كارم، تم بعدها إجراء عملية الاستئصال فيها، وتم إخراجها عنوة بعد تهديدات من قبل المستوطنين بقتلها.

لعام كامل، بقي الكيس المتصل بأنبوب في جسدها والواصل إلى الكبد معلقاً بجانبها، في وضعٍ صعب وعلاج ضعيف يقدّم لها، تبعه إهمال طبي متعمد وتركٌ لها.

وعن تلك الأحداث تقول حمامرة لـ"وكالة سند للأنباء": "حينما رأوني تمالكت نفسي في الوقوف على قدماي، تركوني أعاني، وزاد الإهمال الطبي بحقي، لأنهم يريدون إبقاءي على قيد الحياة فقط، بغض النظر عن الآلام التي أعاني منها".

وبسبب الإهمال، أصبحت مضاعفات في المكان الذي دخلت الرصاصة منه إلى جسد حمامرة، وبقيت عام كامل تشكو الآلام الشديدة، لكنهم في كل مرة يخبرونها "وجع عادي" دون إجراء أي فحوصات لها، حتى في إحدى الأيام اعتذرت طبيبة السجن عن الحضور، وقدِم طبيباً آخر بديلاً عنها.

وفي ظل الشكوى والوجع الشديد، وافق طبيب السجن إجراء فحصٍ لحمامرة، فأخبرها أن هناك كيس في مكان الرصاصة وفي حال انفجر سيتسمم الجسد، وتم نقلها في نفس اليوم على مستشفى السجن وإجراء عملية لإزالة الكيس.

وتضيف حمامرة: "كنت أتألم بشكل شديد جداً، ولم يقبلوا إعطائي سوا بعض المسكنات، أخبرهم أني بكلية واحدة، والمُسكنات ستضر بالكلية المتبقية، وجوابهم في كل مرة، إما أن تتحملي الوجع، أو أن تخسري كليتك الثانية، هكذا كانوا يعلقوننا بين الألم الشديد والموت البطيء".

أحضن الوسادة وأغني

ست سنوات وكأنها ستون عاماً، مرت على حلوة حمامرة، وعن تفاصيل السجن والشوق حدثتنا:" تركت بنتي صغيرة جداً، وكان يحرق قلبي الشوق إليها، فكنت أحضن الوسادة وأبكي، وأغني لها كل الأغاني التي كنت أرددها لها حين كانت بحضني، وكنت أعيش على أمل أني سأخرج إليها وسأعيش معها بحب من جديد".

"شغلني التفكير كثيراً في السجن على أمي، وأنا وحيدتها التي كنت دائماً إلى جانبها، كيف ستعيش من دوني، وما بين وجعي على أمي وابنتي وإصابتي، كانت قسوة السجن تزداد يوماً بعد الآخر على قلبي" كما توضح حمامرة.

وعن التفاصيل المفقودة بين الأم وابنتها تُكمل: " تزورنني أمي وابنتي كل 4 أشهر، إلا أنه منذ عامين لم أراهما بسبب كورونا، وكانت أمي تحدث ابنتي عني كثيراً، وحينما ألتقي بابنتي أعدها بالكثير من الأمور التي تسعدها، وأخبرها بحبي، وأن هناك احتلال، وأنني بعيدة عنها غصباً وليس بإراداتي".

وتشير إلى أنه حين خروجها من السجن، والتقاءها بابنتها، ساعدها الجميع من حولها في تقريب صغيرتها إليها، وقد حفظت كل شيء عنها، ما تحب وما تكره، وها هي تتخطى الأمر رويداً رويداً، إلا أنها تستدرك حديثها: "لكن حتى اللحظة أعاملها كصديقة لي، وأني أختها الكبيرة، وليس كأم، حتى لا تنفر مني".

237661347_3919204768186083_6379659289513439323_n.jpg


وفي السجن، لا شيء يمر سهلاً، كله مُرْ، ومن ذاك المر تسرد حمامرة أصعب المواقف التي مرت عليها خلال سجنها: "في إحدى الزيارات جاءت أمي وطفلتي، لكن الجنود أخبرونا أن ابنتي ليست مسجلة، وأصروا على إعادتها وحدها وهي في عمر الرابعة، ولم تتحمل أمي ذلك الأم، فأصابتها جلطة على الفور".

عاجزة عن حضنها

وتزيد: "حين دخلت للزيارة، وجدت سيارة إسعاف، ومجموعة أهالي متجمهرة حول أحدهم، فقلت يا الله من هذا الشخص، وحينها حل الأمر كصاعقة عليّ، إنها أمي، عاجزة عن الحديث والحركة تماماً، لا أدري كيف مرت الزيارة، كل ما أدركه ذاك المشهد وانهياري بعدها".

وتضيف حمامرة: "في تلك اللحظة تماماً، بكيت كأنها أول مرة، كيف للجميع أن يحضن أمي ويخفف عنها، وأنا أقف من بعيد حتى عاجزة عن لمس يدها، أو التخفيف عنها، وبقي القلق يأكل رأسي لأنني لا أملك أي وسيلة للتواصل من أجل الاطمئنان عنها، إلى أن زارني المحامي وطمأنني عليها، فكل السجن بجهة، ومرض أمي بجهة أخرى".

وكي لا تستسلم للقلق والألم، قررت حمامرة أن تستغل وقتها وتستثمره بشكل صحيح إلى أن يكتب لها الله الحرية، فكانت تعاني من ضعف في القراءة والكتابة، وبدأت من الصفر إلى أن أخذت شهادة الثانوية العامة، ومن بعدها دورة القانون الدولي ودورة الخرز والخياطة، وكذلك دورة الأحكام والتجويد.

وكلما كان الشوق يُلهب أضلع حمامرة، كانت تمسك الكتاب وتقرأ، حتى قرأت 200 كتاب، كهدية لوالدتها وابنتها، وستكمل مشوارها من بعد الآن في استكمال دراستها الجامعية.

الليلة والحضن الأخير

وعن الليالي واللحظات الأخيرة تبين حمامرة، أن هناك فتيات تم دخولهم معها في السجن، إلا أنه متبقي لخروجهم أكثر من 10 سنوات، وهذا الشعور قاتل جداً، فلم تبدِ حمامرة أي بهجة أو سعادة لخروجها، بل تجنبت كل شيء من أجل مشاعر رفيقات دربها التي تركتهم خلفها ينتظرون الفرج.

اللحظات الأخيرة، فصل كامل من المشاعر المختلطة يعيشها الأسرى، ألم وحزن وسعادة، وقد مرت صعبة جداً على قلب حمامرة: "حين غادرت احتضنتني كل واحدة وأخبرتني بعدد الأحضان والقبلات التي ترديني أن أحضنها لأمها بالنيابة عنها، وقفت على باب السجن، والكل يبكي، وأنا متسمرة بمكاني، لا أعرف هل أمضي أم أعود إليهم، ومضى الأسر وثبت الأجر، وقبلت واحتضنت كل أم كما طلبت مني كل واحدة من الأسيرات".

236261284_194622122651685_276204346404922194_n.jpg