الساعة 00:00 م
الخميس 25 ابريل 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.71 جنيه إسترليني
5.33 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.04 يورو
3.78 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

جيش الاحتلال يُعلن مقتل "رائد" شمال قطاع غزة

فلسطيني يحول موقعاً عسكرياً مدمراً إلى مسكن لعائلته النازحة

"الوضع القائم" في الأقصى.. تغييرات إسرائيلية بطيئة ومستقبل خطير

في ذكرى استشهاد "الدرة".. الطفولة الفلسطينية طريقٌ مُعبد بالموت

حجم الخط
محمد الدرة1.png
غزة - إيمان شبير - وكالة سند للأنباء

"مات الولد، مات الولد".. صرخاتٌ لا ينسى الفلسطينيون أنينها مهما مرّ عليها الزمن، في مشهدٍ موجعٍ وثقّ إعدام الاحتلال الإسرائيلي للطفل الفلسطيني محمد الدرة (11 عامًا) في ثاني أيام الانتفاضة الثانية التي عُرفت بـ "انتفاضة الأقصى"، والذي يُصادف ذكراه الـ 21 اليوم الخميس 30 سبتمبر/ أيلول. 

"مات الولد" بعد 45 دقيقة من محاولة الاختباء خلف ظهر والده هربًا من الموت القادم من فوهة القنّاص الإسرائيلي، لكنّ إلى أين يفر الفلسطيني من قدره؟ 

محمد الدرة.. واحد من أيقونات انتفاضة الأقصى، وإعدامه ليست الجريمة الأولى لإسرائيل بحق الطفولة الفلسطينية ولم تكن الأخيرة أيضًا، فمع غياب المساءلة الدولية تمادى الاحتلال بجرائمه مستخدمًا كل ما لديه من أسلحة مُحرمة دوليًا لاستباحة الدم الفلسطيني وأطفاله.

وبحسب برنامج المساءلة في حركة الدفاع عن الطفل، فإن إسرائيل قتلت منذ عام ٢٠٠٠ وحتى يومنا هذا2212 طفلًا، و546 منهم قتلوا خلال عام 2014 فقط، و28060 طفلًا أصيبوا برصاص وصواريخ إسرائيل.

ومنذ خلال النصف الأول من العام الجاري حتى 30يونيو/حزيران2021، استشهد 70 طفلًا في قطاع غزة والضفة الغربية 50 ذكورًا و20 إناثًا على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي.

وفي هذا التقرير استمعت "وكالة سند للأنباء" إلى أنين عوائل فلسطينية فقدت طفلًا من أطفالها بسبب الاحتلال.

"وجعٌ محفورٌ بالذاكرة"

إنه الموت الذي لا يرأفُ ببعدٍ أو حبيب، وبصوتٍ مليءٍ بعذاباتِ المشهدِ المُوجِع، يقول والد الشهيد محمد الدرة "جمال"، بعد مرورِ 21 عامًا على الجريمة البشعة التي ارتكبها الاحتلال بحق فلذة كبدي محمد، لا زلتُ أصارع وجع الفقد، ومشهد الرصاص الذي كان يهطل علينا كالمطر".

ويستطرد لـ "وكالة سند للأنباء" بنبرةٍ قويّة اللهجة: "إن قضية محمد هي التي أظهرت للعالم جميع المجازر التي يرتكبها الاحتلال بحق الأطفال الفلسطينيين، لافتًا إلى أنه يُناضل لوحده، ويُحاول الخروج لمحكمة العدل الدولية "لاهاي".

ويؤكد "جمال"، أن قضية محمد، ليست قضية عائلة "الدرة"، وإنما هي قضية وطن وشهداء وشعب بأكمله، مُتمنيًّا أن تكون مساندة حقيقية له في قضية طفله لإدانة الاحتلال على جرائمه بحق الشعب الفلسطيني".

ويُعيدنا للوراء في ذاكرته المليئة قهرًا، قائلًا: "إن قوات الاحتلال أصرّت على قتلي أنا وابني، مُستدركًا أن إطلاق الرصاص كان لمدة 45 دقيقة متواصلة، وبعد ذلك تم إلقاء قذيفة باتجاهنا".

 وعن وصفه لطفله محمد، يُتابع "جمال" بكلماتٍ حانية: "محمد كان أكبر من عمره، وكان يتمتع بشخصيةٍ قويةٍ ولا يقبل بالظلم لأي إنسان، لافتًا إلى أن طفله هو من كان يمده بالقوة وقت إطلاق الرصاص". 

ويضيف بدمعةٍ اخترقت صوته: "لو أن محمد على قيد الحياة الآن، لكان هو على أبوابِ التخرج، مُشيرًا إلى أن طفله كان يتمنى أن يُصبح محاميًّا، أو شرطيًّا".

وفي سؤالنا "إلى أيِّ مدى أثر فيك استشهاد نجلك"، بعد تنهيدةٍ لا تُشبه تنهيداتنا أجابنا: "أكثر ما يؤلمني إلى يومنا هذا، أن محمد كان بين أحضاني، وكنتُ أحاول حمايته من أيِّ رصاصة تخترق جسده، لكن بشاعة المحتل آنذاك كانت أشرس من يدي الضعيفتين التي كانت تلوّح لهم بإيقاف الرصاص ولم يفعلوا!".

"الفاجعة المُرّة"

وحدهُ الموت الذي يتسلل على أطرافِ أصابعه مُمسكًا أعناق مَن نُحب بطريقةٍ خاطفةٍ موجعة تاركًا القلب عالقًا بين أهوالِ الدنيا.

وفي ليلةٍ من ليالي الموت التي كانت تنجو منها عائلات فلسطينية بأعجوبة؛ نتيجة شراسة القصف الإسرائيلي على المدنيين العُزّل في العدوان الأخير على غزة في مايو/أيار المنصرم.

وبينما كانت كل منطقة في غزة تأخذ نصيبها من القصف والدمار، كان المواطن رياض أشكنتنا يُحاول أن يُطبطب على أطفاله الذين كانوا يرتجفون خوفًا من صوتِ الانفجارات المتتالية التي كانت تُنذر بموتٍ حقيقي في الأرجاء".

يقول "أشكنتنا" الرجل الذي لم يشفَ من وجعِ الفقد: "أشرس لحظة مررت بها، عندما اخترق وهج كبير "أحمر اللون" جدران المنزل، حاولت حماية زوجتي وأطفالي، لكنَّ القدر كان أسرع في خنقِ براءة أطفالي تحت أنقاض المنزل".

ويسرد تفاصيل اللحظة القاسية، بهمسٍ حزين لـ "وكالة سند للأنباء"، "7 ساعات تحت الأنقاض، وأنا أستمع لأصواتِ أطفالي المخنوقة "بابا.. بـابـ.."، ولم أستطع أن ألتفت لهم من كميةِ الركام العالقة على صدري، مُستدركًا أن اختفاء صوت أطفاله فجأة واحد تلو الآخر، دليلًا على ارتقاءِ أرواحهم". 

وبلحظةِ بُكاء، بعد أن خانته الدموع، توقّفَ حديثنا مع "أشكنتنا" للحظةِ صمت، ثم تابع بصوتٍ مُتقطّع تخنقه الحشرجات: "رغم مرور 5 أشهر على استشهاد زوجتي وأطفالي الأربعة "لانا (6 أعوام)، زين (عامين ونصف)، يحيى (5 أعوام)، ودانا (8 أعوام)"، إلا أنني لم أستطع أن أعيش بقلبٍ كامل، أتنفس الحياة بصعوبة بالغة، فالحزن في قلبي أكبر من شرحه".

" لا تشك للناس جرحًا أنتَ صاحبه، لا يؤلم الجرح إلا من به ألم"، يصف ذلك "اشكنتنا" بزفرة مؤلمة: "لا أستطيع أن أبوح بألمي لِمَن حولي، مُردِفًا أن جميع محاولات المواساة من حوله باتت فاشلة".

ويُلملم "أشكنتنا" شتات ذكرياته مع أطفاله واصفًا ملامحهم بـ "الملائكة"، يقول: "ما زلت أتذكر أصواتهم الناعمة، والبريئة التي تُحاصر مَسمعي، لافتًا إلى أنه يرى أطفاله الأربعة في كُلِّ الأماكن".

"لا يزال الجرح مفتوحًا"

في الثاني من تموز لعامِ 2014، خطفتْ مجموعةٌ من المستوطنين الطفل محمد أبو خضير (16 عامًا) وقامتْ بحرقِهِ حَيًّا، لتشتعلَ على إثر الجريمة "هبّةٌ شعبيةٌ" عمّتْ فلسطين، عُرِفَتْ لاحقًا بهبّة الشهيد محمد أبو خضير.

تقول سهى أبو خضير والدة الشهيد محمد: "رغم مرورِ 7 أعوام على إحراقِ فلذة كبدي وهو على قيدِ الحياة، إلا أنني لم أستطع النوم إلا ساعتين بسبب الغصة التي تركوها المستوطنين في قلبي".

بصوتٍ شاحب يملؤوه الحسرة، تسرد "سهى" لـ "وكالة سند للأنباء"، تمرُ الدقائق عليًّ كأنها دهر، أشتاق حضن محمد، وتفاصيله الشقية التي جمعتني به، وأغنياته التي يطلُّ بها عليَّ كل صباح مُدندنًا "أمي يا نبع الحنان"، واصفةً ذلك بـ "حُرقة القلب".

بعد أن سيطر البكاء عليها وحشرت الخنقة صوتها الخافت، أكمل زوجها حسين الحديث مستطردًا: "أخبروني شباب منطقتنا عما جرى لابني محمد وصوت صرخاته تتعالى أثناء اختطافه من ثلاثة مستوطنين، مستنكرًا أن جريمتهم البشعة كانت أسرع في التنفيذ، فلم يستطع أحد اللحاق بهم لإنقاذ طفلي من بين أيديهم".

وعن علاقته بمن حوله، يقول "حسين"، كان محمد حنونًا واجتماعيًّا، يتصرف كالكبار، يتمتع بشخصيةٍ مرحة، ضحوكة ويهوى اللعب، لافتًا إلى أن نجله كان يُساعد الناس، وشباب العائلة في مناسباتهم السعيدة".

"ثورة السكاكين"

في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول لعامِ 2015، توجه الشهيد مهند الحلبي (19 عامًا) إلى المسجد الأقصى مُصلِّيًا آخر ركعتين، ومن ثم خرج إلى أزقة البلدة القديمة مُنفِّذًا عمليته المزدوجة بِـ "الطعن وإطلاق الرصاص"، والتي أسفرت عن مقتل مستوطنين اثنين وإصابة اثنين آخرين.

يقول شفيق الحلبي والد الشهيد بصوتٍ فخور بصنيع فلذة كبده: " أنا فخور جدًّا بما فعله مهند لأجل الشهداء ونصرة القدس، موضّحًا أن نجله اهتم كثيرًا في حياته الأخيرة بالقدس والأقصى وخير دليل منشوراته عبر الفيس بوك التي كانت تدعم الانتفاضة الفلسطينية".

وبحسرةٍ شديدة، يسرد "شفيق" لـ "وكالة سند للأنباء"، استشهد مهند وهو يتمنى الذهاب إلى مدينة يافا وبحرها، مستدركًا أن حديث نجله كله عن الوطن والمدن التي لا يستطع الوصول إليها، مؤكدًا أن يافا ليست حسرة مهند الوحيدة بل كانت القدس أيضًا".

وعن وصفه لنجله يضيف "شفيق"، مهند ترك لنا فراغًا كبيرًا بين العائلة، مستحضرًا ذكرياته الجميلة التي كان يملأ بها البيت بروحه المرحة، وعقله الناضج، وهدوئه اللافت".

وعن مضايقات الاحتلال لعائلة "حلبي"، يُشير "شفيق"، أن العائلة تعرّضت إلى الكثير من المضايقات والاقتحامات المتكررة للمنزل من الاحتلال، والقيام بأعمال التخريب والتنكيل مُردفًا أن ذلك لم يكن أغلى مما قام به نجله من عمل مشرف للشعب الفلسطيني".