تحت جمال الأشجار المثمرة، بلونها البهي، وظلالها الوافرة، تُمارس عائلة "حمران" من قرية الهاشمية غرب مدينة جنين، طقوسهم السنوية بقطف ثمار أشجار الخروب، حيث اجتماع العائلة الأكبر، والأحاديث الأصيلة، وبيد واحدة وحب كبير توارثه الأبناء عن الأجداد في انتمائهم للأرض، وعطائها إليهم، يحصدون نتاج صبرهم الطويل، ويكافئهم الثمر.

تلك الأجواء الفريدة يعيشها علي حمران مع عائلته أيام متتالية، وبهمةٍ الساعي والمنتظر لجني حصاد تعبه، حيث الصغير والكبير، كلُ في فلك العمل يدور، كخلية نحل لا تعرف الكلل ولا الممل.

"قريتنا فيها أشجار الخروب، وورثنا زراعة الخروب عن آبائنا وأجدادنا، كنتُ أشاهد أبي وأمي منذ صغري يعملون في هذا العمل، حتى أنّ أمي لا زالت تعمل فيه وقد تجاوزت الآن 95 عاماً، أشاهدها حين تدّق أكياس كبيرة من الخروب بالحجر وتغليه وتطبخه، فأحببنا العمل وتعلمناه ومارسناه وحفظناه حتى اليوم كتراث شعبي وصحي" كما يقول علي حمران لـ "وكالة سند للأنباء".

مراحل الإنتاج

بعد أن عاش حمران خيرات أشجار أهله، قرر قبل 12 عاماً أن يزرع أربعة دونمات بأشجار الخروب، كونه شجر مثمر ودائم الخضرة، وبعد 7 سنواتٍ من زراعتها بدأت تمنحه الثمر، وفي كل عام يزيد ويكثر الثمر والإنتاج، ويزيد الرضا عن هذه الطقوس والمهنة.

وعن مراحل إنتاج رب الخروب يوضح حمران، أنه في تاريخ 15 من شهر آب/ أغسطس، تبدأ عملية قطف ثمار أشجار الخروب، والجميع يشترك في حصاد الخروب، سواء صغار، كبار، شباب، فتيات، حيث يتم فرش الأرض كما في جني الزيتون، ومن ثم يتم جمعه.

وبعدها ينشر على الحائط أو الأسطح لمدة أسبوعين من أجل جفافه بشكل كامل، ومن ثم يطحن وينقع في الماء الساخن حتى اليوم التالي، ومن ثم تبدأ عملية الفرك التي تتشارك فيها العائلة بأكملها، ويُعصر بشكل يدوي.

ويضيف أنه بعد أن يتم تصفيته جيداً بالمناخل والشاش الأبيض لإزالة أي شائبة منه، يتم وضعه على النار وهي المرحلة الأصعب، حيث تستغرق من 12 لـ 15 ساعة، وبعدها يتم تعبئته من أجل بيعه.

وعما يدفع عائلة حمران إلى الاستمرار في إنتاج رب الخروب المنزلي، يبين أنهم يحافظون عليه كتراث فلسطيني من الاندثار يحمل فيه هوية الأجداد وحبهم للأرض، وكعائد اقتصادي يعيل العائلة، بالإضافة لما فيه من فوائد صحية كثيرة جداً.

صحي بشكل كامل

وتستخدم عائلة حمران رب الخروب في أكلات كالخبيصة، والمبشورة، ويتم حشيه في الساندويشات للأطفال، مع السمسم والطحينة، عدا عن ذلك أنه مفيد جداً لمن يعانون من أمراض كثيرة كآلام المفاصل والإمساك والالتهابات وآلام البطن.

ما يميز إنتاج عائلة حمران من الخروب، أن العائلة تنتجه بشكل صحي كامل، من غير إضافة أي مادة أخرى عليه كالسكر أو النشا أو مواد حافظة، فيبقى محافظاً على شكله لعامين وأكثر من ذلك دون أن يتأثر بشيء على عكس الخروب المصنع غير الصحي، والذي إن طالت مدته قد يتلف، ويتواجد فيه مواد غير طبيعية.

ويشير حمران في حديثه معنا، إلى أن الإقبال أصبح أكثر من السابق، والكثيرين يشترونه كدواء بعد أن تعرفوا على فوائده الجمة، وكذلك بثقة كاملة من طريقة إنتاجه وأنها صحي بالكامل.

بعض المعوقات واجهت عائلة حمران خلال مراحل إنتاج رب الخروب من الأشجار، منها؛ صعوبة مرحلة الكبس لأنها تتم بشكل يدوي ما تترك بعض الآلام في أجسادهم لأيام، كونه يحتاج إلى قوة وجهد كبيرين.

وكذلك عدم قدرتهم على غليه على الغاز لاستنزافه كمية كبيرة جداً، ما يضطرهم إلى طهيه على النار لساعات طويلة جداً، والتي تحتاج إلى حطب يتم جمعه طوال العام من أجل إنجاز هذا الموسم.

كما تواجه عائلة حمران التي تنتج رب الخروب على الطريقة التقليدية منافسة من المصانع الأخرى التي تنتجه الخروب المصنع، في ظل الجهد الكبير المبذول من العائلة في إنتاجه وارتفاع سعره، مقارنة بالمصنع.

ويطمح حمران إلى أن يصبح خروبه معروفاً بشكل أكبر، وأن يزيد الإقبال ويرتفع حجم البيع، وأن تتسع الاستفادة الطبية منه لتشمل أكبر عدد ممكن من الناس، وأن تستمر العائلة في إنتاجه وأن يتم توارثه إلى الأبناء والمحافظة عليه من الاندثار.