الساعة 00:00 م
الخميس 25 ابريل 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.71 جنيه إسترليني
5.33 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.04 يورو
3.78 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

جيش الاحتلال يُعلن مقتل "رائد" شمال قطاع غزة

فلسطيني يحول موقعاً عسكرياً مدمراً إلى مسكن لعائلته النازحة

"الوضع القائم" في الأقصى.. تغييرات إسرائيلية بطيئة ومستقبل خطير

في يوم المعلم..

القدس.. محاولات حثيثة لـ "تهويد التعليم" و"أسرلة الأدمغة"

حجم الخط
التعليم في القدس.jpg
القدس - بيان جعبة - وكالة سند للأنباء

يُعاني قطاع التعليم في مدينة القدس منذ احتلالها عام 1967، من عدّة مشكلات مفصليّة تقف عائقًا أمام تطوّره، وتُضيّق الخنِاق عليه، ولعلّ أبرز ما يواجهه هذا القطاع، هو محاولات منظمة لتهويد المناهج في إطار السعي لفرض وقائع جديدة على الأرض لصالح إسرائيل.

وفي يوم المعلّم العالمي الذي يُصادف اليوم الثلاثاء، الخامس من أكتوبر/ تشرين أول، تحدثت "وكالة سند للأنباء" مع جهات مسؤولة ومختصين في القدس، للوقوف على واقع التعليم في المدينة وأبرز التحديات التي تواجهه.

تعدد الإدارات..

يقول عضو اتحاد المعلمين في القدس أحمد الصفدي، إن قطاع التعليم في القدس يسير بإشراف جهات إدارية عدّة، ما يخلق فجوات بين الطلبة والمعلمين.

والمظلات الإدارية التي يعمل تحت إشرافها المعلّم المقدسي هي أربع، متمثلة بإدارة الأوقاف التابعة لوزارة التعليم الفلسطينية وتضم 14% من معلمي القدس، والمدارس الخاصة التابعة إداريًا وإشرافيًا لوزارة التعليم تضمّ 26% من المعلمين.

بينما تحتل المدارس التعليمية التابعة لبلدية الاحتلال بالقدس على نسبة 55%، والمدارس التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الدولية "أونروا" تضم 5% من المعلمين.

ويُشير"الصفدي" إلى أن معاناة المعلم المقدسي وآماله تختلف باختلاف المظلّة الإدارية التي يتبع لها.

واقع المعلّم المقدسي

ففي مدارس "الأوقاف" يمتلك المعلم هامش حرية أكبر للحديث عن القضايات الوطنية، مقارنة بغيره في المدارس الأخرى _تبعًا الصفدي_ لكنّه يُعاني من مشكلة تدني الرواتب، في ظل الغلاء المعيشي والوضع الاقتصادي الصعب، يُشاركه فيها معلّم "أونروا".

وعن واقع المعلم في المدارس الخاصة والمدارس التابعة لوزارة المعارف الإسرائيلية، ينبّه أن معاناة المعلّم الكُبرى تتمثل بصراع الوطنيّة نتيجة المناهج المُحرّفة والمفروضة من قبل سلطات الاحتلال.

وأورد "الصفدي" أن الحكومة الإسرائيلية ومخابراتها تفرض رقابة شديدة وصارمة على المعلّم، على سبيل المثال في حال خالف المدرس ما أوردته المناهج فإنه يتعرض لعقوبات قد تصل للفصل من العمل.

وللخروج من هذا المأزق وحفاظًا على أمانة الرسالة التي يؤديها المعلّم المقدسي، فإن فئة كبيرة منهم يتجهون لطرق خفية لإعادة المفاهيم الوطنية وتنمية الهوية الفلسطينينة والإسلامية لدى الطلاب، وفق الصفدي.

لا تقف انتهاكات الاحتلال عند هذا الحد، بل يُمنع المعلم العامل تحت مظلة "وزارة المعارف" من المشاركة في أي نشاط سياسي أو اجتماعي وطني، أو حتى التعبير عن رأي بالواقع الفلسطيني سواءً داخل المدرسة أو خارجها.

وأكد "الصفدي" أن المعلّم في القدس مستهدف من قبِل الاحتلال، كغيره من الفئات، فهو معرّض للاعتقال والإبعاد والضرائب وغيرها من الانتهاكات.

وفيما يخص المدارس التابعة لوزارة التعليم الفلسطينية، فإن وتيرة الانتهاكات الإسرائيلية تزداد يومًا بعد آخر، عن ذلك يُحدثنا "الصفدي": "تتعرض المدارس لاقتحامات واعتداءات متكررة، يتخللها إطلاق قنابل الغاز وضرب الطلاب والمعلمين وترويعهم".

"الخطّة الخمسية"

من جهته، فصّل الباحث في شؤون التعليم بالقدس زيد القيق في معاناة قطاع التعليم بالمدينة والتي برزت بشكل واضح عام 2011، ولازالت مستمرة حتى اليوم.

ويُردف "القيق" أن المعاناة بدأت عندما تبنت الحكومة الإسرائيلية سياسة تعليمية وتربوية مختلفة تجاه مدارس شرق القدس، عبر خطة تُسمى "الخمسية" وأعلن عنها عام 2013.

وتنص الخطّة على دمج المواطن شرق القدس بـ "دولة إسرائيل" في ستّة قطاعات منها التعليم، ويُشير إلى أن زيادة عدد الطلاب المقدسيين في الجامعات الإسرائيلية هو أحد بنودها من أجل "أسرلة" الأدمغة، وارتباطها بالاقتصاد الإسرائيلي، وبالتالي تعميق وتثبيت السيطرة الإسرائيلية ليس على المدينة فحسب بل على سُكانها.

واستنادًا للخطّة، بدأت الحكومة الإسرائيلية بإدخال تغيرات على المناهج التي تُدرس في المدارس الفلسطينية بالقدس، بحيث يمّر المنهاج على لجنة تابعة لوزارة المعارف لمراجعتها، هذا يعني حذف كل ما يتعلق بالقيم والهوية الفلسطينية والعربية، وفق "القيق".

ويزيد: "كل آيات القرآن وأبيات الشعر التي تتحدث عن الجهاد وتمجيد الثوارات وأبطالها تُحذف، كما يتم طمس شعار السلطة الفلسطينية عن المنهاج كما حدث عام 2014 استنادًا لذات الخطّة".

وفي القدس يخضع التعليم أيضًا لمحاولات التهويد عبر نظام يُعرف بـ "البچروت"، وهي افتتاح غرف صيفية وبناء مدارس تُدرس المنهاج الإسرائيلي باللغة العبرية، ولا يتضمن مادة التربية الإسلامية، بل "المدنيات الإسرائيلية"، والتي تروّج للسلام والتعايش.

وعن دور المعلم في مواجهة هذا التحريف يُبيّن "القيق" أن مواجهة أسرلة التعليم لا يمكن أن تتم في ظل سياسات الاحتلال وغطرسته، إلا كما تمت عام 1968 من خلال قرار الإضراب الشامل الذي أخذته لجان أولياء أمور الطلبة بالتعاون مع المعلمين في المدينة.

ولفت إلى أن إسرائيل تُمارس ضغوطات ورقابة كبيرة على المعلمين ومدارء المدارس في القدس، تصل إلى عقوبات بالفصل أو تحويلهم لمتهمين جنائيين، مما يجعلهم مكبلين ومقيدين.

وتحدث أن "لجان أولياء الأمور" يُمكنها توظيف قوانين الاحتلال التي يدعي فيها الديمقراطية لصالح العملية التعليمية في القدس، لأن هذا التوظيف "لا يُمكن أن يتم عبر المؤسسات الرسمية أو مؤسسات السلطة الفلسطينية بسبب الاتفاقيات التي تُقيّد عملها هناك".

وأكد "ضيف سند" أن عملية كيّ وتغيير ثقافة المقدسي "غسل العقول" لا يُمكن تحقيق الهدف المرجو منها، معتبراً هذه "العملية بمثابة تحدي لقوانين الطبيعة وقوة الشعوب التي تناضل تجاه الحرية ضد الاحتلال".

دور لجان "أولياء الأمور"

ويرى عضو "لجنة أولياء أمور الطلبة" ببلدة العيسوية أمين بركات، أن المعلم الفلسطيني في القدس، بغض النظر عن المظلة التعليمية التي يعمل من خلالها، هو المشكل الأساسي للشخصية الوطنية الفلسطينية.

ويقول "بركات" إن المعلم هو صاحب القرار في كيفية إدارة العملية التعليمية، من خلال الحصص المدرسية وهوية الطالب الوطنية، موضحًا أن المعلم يجتهد بعدة طرق لبناء شخصية الطالب وفقًا للمفاهيم الوطنية الفلسطينية، رغم كل المضايقات الإسرائيلية.

وفي سؤالنا عن دور "أولياء الأمور" في حماية العملية التعليمية، يُجيب "بركات" "درو اللجان أساسي مهم، خاصة فيما يتعلق بتحريف المناهج الدراسية، والذي وُضع على رأس سلم أولوياتها".

ويُكمل أن "حكومات الاحتلال المتعاقبة حاولت تغيير المفاهيم وتحريف التاريخ والجغرافيا إضافة للسعي لطرح مسميات لا تتواءم مع الرؤية الوطنية الفلسطينية، إلا أن لجان أولياء الأمور كانت واعية وعلى قدر من المسؤولية وتمكنت من إفشال هذه الخطط".

وتحاول بلدية الاحتلال الالتفاف على عمل اللجان، بهدف "أسرلة" التعليم وعقول الطلاب، من خلال محاولات لعقد لقاءات مع أهالي الطلبة بشكل منفرد، وتخييرهم ما بين المنهاج الفلسطيني أو الإسرائيلي.

ويدّعي الاحتلال أن المنهاج الفلسطيني كفيل بإخراج الطلبة من القدس وإلحاقهم بمناطق الضفة الغربية، هذا شكّل ضاغطًا عند البعض لتفضيل المنهاج الإسرائيلي كي يبقى بالقدس.

ونبّه "بركات" أن هذه السياسة اتبعها الاحتلال، مستغلًا عدم الوعي الكافي عند بعض الأهالي حول مخططات التهويد بالقدس.

لكنّ "لجان أولياء الأمور" واجهت هذا المخطط، وعقدت العديد من الندوات واللقاءات مع الأهالي _تبعًا لبركات_ متحدثةً عن مخاطر مناهج إسرائيل، وأهمية المنهاج الفلسطيني، في تعزيز الوجود وتكوين الشخصية الوطنية.

وأشار إلى أن حملة التوعية ساهمت في تراجع الأهالي عن مطالبهم، وبالتالي فشلت إسرائيل بفرض منهاجها على مدارس "العيسوية".

واعتبر "بركات" أن أهم إنجاز حققته اللجان في "العسوية" هو عدم وجود صفوف "البچروت" في مدارس البلدة.

وعن تجربة إضراب المعليمن وأولياء الأمور عام ١٩٦٧، يتفق ضيوف سند  "الصفدي"، "القيق"، و"بركات" على أنه كان السبب في استمرار تدريس المنهاج الفلسطيني (رغم تحريفه)، وإنقاذ مدارس القدس من "أسرلة" كاملة للتعليم.

ويشدد "الصفدي" على ضرورة الاستفادة من تجربة الإضراب والبناء عليها وتطويرها، رغم صعوبة استنساخها بسبب اختلاف الظروف، والمغريات الكبيرة التي تضخها بلدية الاحتلال للعملية التعليمة، ناهيك عن تراجع الوازع الوطني حول المناهج ومخاطرها.

وختم "الصفدي" حديثه، إن المعلمين والطلبة في القدس قادرين على حصد جوائز عالمية ومراكز أولى في مختلف المسابقات، ولكن ينقصهم الكثير من التعزيز والدعم لمواجهة المغريات والسياسات الضاغطة عليهم.