الساعة 00:00 م
السبت 27 ابريل 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.79 جنيه إسترليني
5.4 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.1 يورو
3.83 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

جيش الاحتلال يُعلن مقتل "رائد" شمال قطاع غزة

فلسطيني يحول موقعاً عسكرياً مدمراً إلى مسكن لعائلته النازحة

بالفيديو عام 2021.. تحولات جوهرية في قطار التطبيع مع إسرائيل

حجم الخط
تطبيع.jpg
غزة - خالد أبو الروس - وكالة سند للأنباء

شهد عام 2021 تطورًا في مسار التطبيع كامتداد لـ "اتفاقيات أبراهام" التي وُقعت بين إسرائيل ودول الخليج في سبتمبر/أيلول عام 2020 برعاية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في البيت الأبيض.

وتعتبر الإمارات أول دولة خليجية وثالث دولة عربية توقع اتفاق تطبيع للعلاقات مع إسرائيل، وتلتها البحرين، ثم السودان وأخيرًا المغرب.

وساهمت هذه الاتفاقيات بإدخال إسرائيل إلى المنطقة العربية من بابٍ يختلف عن الباب الذي لم تتمكن من فتحه بتوقيعها اتفاقي السلام مع كل من مصر 1979 والأردن 1994 أواخر القرن الماضي.

وسعت إسرائيل لإدماج مزيد من الأنظمة العربية في إطار التطبيع لكن المتغيرات التي أعقبت رحيل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وقدوم جو بايدن الذي يتبنى سياسات خارجية جديدة عرقلت إلى حد ما من الطموحات الإسرائيلية. 

لكن على الرغم من التحول في السياسة الأمريكية تجاه ملفات الشرق الأوسط، إلا أن العلاقات بين إسرائيل والدول المطبعة تطورت إلى حد توقيع الاتفاقيات الأمنية وتعزيز التبادل التجاري ومحاولات إحداث اختراق في وعي الشعوب تجاه إسرائيل. 

تحالفات 

في هذا الصدد يقول مدير عام تنسيقية "مقاومة الصهيونية والتطبيع" أنس إبراهيم، إن مسار العلاقة بين دول التطبيع مع الاحتلال باستثناء السودان سار نحو شكل التحالف أكثر من كونه تطبيًعا للعلاقات فحسب.

ويوضح "إبراهيم" لـ "وكالة سند للأنباء" أن التطور هو تبادل السفراء والمشاريع المشتركة والاحتفال بالأعياد اليهودية وغيرها من الاتفاقيات الأمنية والاقتصادية والفعاليات التي تستهدف التطبيع مع الشعوب فضلاً عن الأنظمة الرسمية.

ويشير إلى أن البعض ظن أن عام 2021 سيكونُ مختلفًا عن عام 2020 سيما بعد انتهاء حقبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقدوم الرئيس الأمريكي جو بايدن وتبنيه استراتيجية مختلفة تجاه الشرق الأوسط. 

ويشير "إبراهيم" إلى أن "بايدن" بادر في تجميد "صندوق إبراهام" منتصف العام 2021 واكتفى بالدعم السياسي، كما شهدت دولة الاحتلال خسارة نتنياهو في سباق الانتخابات. 

الحرب على غزة 2021


ربما شكًل العدوان على غزة والذي استمر من 10 لـ 21 أيار/ مايو 2021، أحد المراحل المهمة في التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل، حيث تسببت صور الجرائم الإسرائيلية واستهداف الأبراج بحرج لصورة إسرائيل أمام الرأي العام العربي الدولي.

وللخروج من المأزق الذي سببته الحرب عملت إسرائيل على تكثيف ضغوطاتها على إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في محاولة منها ترميم الصورة التي أصابت إسرائيل، وفقًا لما يرى مراقبون. 

وفي هذا السياق يؤكد  "إبراهيم" أن معركة "سيف القدس" التي كسرت شوكة الاحتلال حدت بدولة الاحتلال؛ لتكثيف الضغط على إدارة بايدن لتسليط الضوء على الشرق الأوسط ودعم جهود التطبيع.

وبرر "إبراهيم" سبب ذلك بخوف الإدارة الأمريكية والاحتلال من تنامي شعبية المقاومة الإسلامية في الوطن العربي والإسلامي، الأمر الذي عزز من الجهود الأمريكية الداعمة للتطبيع.

لكن رغم مسار التطبيع إلا أن هناك الكثير من العقبات التي لا زالت تقف أمام انضمام مزيد من الدول لقطار التطبيع، وفقًا لـ "إبراهيم". 

ويشير إلى أن الكثير من الغموض لا يزال يعتري بعض الحالات مثل السودان التي لم تستقر سياسياً ولم يتم تلبية الوعود الاقتصادية المرتبطة بالتطبيع، وكذلك العديد من الحالات كالسعودية وعُمان وموريتانيا.

ويرى بأن الذي حدث من تحالف إسرائيلي مغربي شكَّل تهديدا للجارة الجزائر ما حدا بالأخيرة لاتخاذ إجراءات مشددة تجاه التطبيع ودعماً للقضية الفلسطينية. 

ويوضح أن الضغط الشعبي والنخبوي والذي يزيد من كلفة التطبيع على الأنظمة المطبعة أو التي تنوي سلوك هذا المسار سيكون صمام الأمان لضمان عدم الوقوع في وحل التطبيع.

ويعتقد أنه –ورغم هذه الظروف- إلا أن هناك أوراق ضغط تمتلكها الإدارة الأمريكية ودولة الاحتلال الإسرائيلي من شأنها زيادة وتيرة التطبيع إذا كان الوضع السياسي والشعبي مواتي.

خلق وقائع ثقافية 

مدير مركز تقدم للسياسات في لندن محمد مشارقة يقول يشدد على أن التطبيع العربي مع دولة الاحتلال الإسرائيلي يُمثل تطورًا نوعيًا في الصراع، وخلق وسيخلق وقائع جديدة على كل المنظومة الفكرية والثقافية ليس فلسطينيًا فحسب وإنما عربيًا. 

وحسب "مشارقة" فإن هذه المنظومة تأسست عليها السردية الفلسطينية والعربية منذ بدء الحملة الكولونيالية على فلسطين قبل 70 عامًا ومختصر هذه السردية: "رفض وجود إسرائيل". 

ويقول في حواره مع "وكالة سند للأنباء"، إن التطبيع يضع النضال التحرري الفلسطيني على أعتاب مرحلة وسياقات جديدة، لم يعد ينفع معها التعاطي الانفعالي والعاطفي وأدوات التحليل التي استندت تاريخيًا إلى 3 منظومات فكرية.

وتمثلت هذه المنظومات أولًا بالقومية التي كانت تنتظر وحدةً عربية شاملة حتى يتحقق الانتصار على الاحتلال، وثانيًا باليسارية التي كانت تنتظر هزيمة معسكر الإمبريالية والرأس ماليًة وفي مقدمة هذا المعسكر إسرائيل. 

أما المنظومة الفكرية الثالثة فهي الإسلامية التي كانت تنتظر قيام دولة الخلافة في العالم كي تتقدم جيوش المسلمين وعلى رأسها قائد على غرار صلاح الدين الأيوبي.  

ويؤكد أنه لا يجب أن يغيب عن البال أن القضية الفلسطينية منذ النشأة وولادة الثورة الفلسطينية المعاصرة 1965م هي واحدة من إنتاجات الحرب الباردة، "وقد كنا كشعب فلسطيني طرفًا في هذه الحرب إلى جانب معسكر ضد معسكر آخر خاسر".

ومن وجهة نظره فإن التطبيع ليس نهاية المطاف "وربما نفاجئ بدول أخرى دخلت موجات التطبيع، لكن المهم أن الشعب الفلسطيني باق على أرضه وسرديته الثقافية والتاريخية أعمق جذورًا من دولة الفصل العنصري الغريبة عن الواقع والمنطقة وثقافتها. 

ويؤكد أن المشروع الإسرائيلي -ورغم مرور 73 عامًا- إلا أنه" لم ينتصر ونحن لم ننهزم كشعب فلسطيني". 

وذكر أن التحول النوعي على مسار القضية الفلسطينية في إطار موجات التطبيع يجب أن يكون حافزًا للتفكير وإعمال الفكر في البدائل وأدوات العمل والنضال، وإعادة اللحمة بين العقل المثقف وقيادة النضال الفلسطيني. 

ويرى بأنه لابد من العمل بشكل دؤوب على مواجهة التطبيع والتحولات التي تمر بها القضية الفلسطينية من خلال العمل على إعادة العلاقة بين المثقف والقيادة التي تمتلك القرار والمال والسلاح والقدرة على نسج التحالفات. 

ويعتقد "مشارقة" أنه حينما يعمل الفلسطينيون على أدوات واستراتيجيات جديدة فإن هذا سيؤسس بلا أدنى شك لمرحلة جديدة لها ما بعدها.

إيران

وبشأن مبررات الأنظمة العربية من أن التطبيع يأتي لمواجهة سياسات إيران في المنطقة يرى "مشارقة" أن هذه المبررات "هراء وخلل سياسي وفكري". 

ويعتقد أن الطرف الذي قدم إيران وتركيا باعتبارها الخطر الوجودي الأول على العالم العربي كان يستهدف البحث عن راعٍ جديد إقليمي يتمثل بإسرائيل كي تصبح هي منقذة العالم العربي. 

ويضيف من يقول إن "الاقتصاد لا علاقة له بالسياسة فهذا خلل لا يقوم إلا السُذج، فهذا تدعيم لدولة احتلال وإعلائها في المنطقة على حسابه ومحاولة جعلها دولة طبيعية في منطقة الشرق الأوسط". 

ويشدد على أن إسرائيل هي الدولة غير الطبيعية وغير الشرعية؛ لأن "هناك حقائق وأقدار للجغرافيا منها هذه الدول المحيطة".

ويرى بأن مبررات الأنظمة من إيران وتركيا ذرائع واهية، مستطردًا "كيف نفسر بعد كل هذه العداوات العودة إلى مسارات التفاوض والتفاهم مع إيران وتركيا في الفترة الحالية". 

ويؤكد أن هذا يدلل على أن بعض الأنظمة العربية دُفع باتجاه التطبيع لأسباب واضحة من أجل التأسيس لتحالفات جديدة. 

التطبيع مع الشعوب

وفي هذا الصدد يقول الكاتب محمد عايش إن التطور الأخطر في انتقال مسار التطبيع إلى التطبيع على المستوى الشعبي بعدما كان محصورا في بعض المستويات الرسمية فقط. 

وأوضح أن التحول الأبرز هو رصد جيوش إلكترونية على شبكات التواصل الاجتماعي تريد تغيير العقيدة التي تتبناها الشعوب، وتريد غسل أدمغة الناس، وتروج إلى أن "إسرائيل أخطر من إيران" وأن "الفلسطينيين لم نستفد منهم شيئًا". 

ويوضح "عياش" أن الهدف من هذه المقولات هو التبرير والتمهيد لإقامة علاقات مباشرة مع الاحتلال الإسرائيلي. 

ويلفت إلى أن الموجة الحالية من التطبيع تقوم -ولأول مرة-على محاولة إقناع العرب بتحويل العداء من إسرائيل إلى الفلسطينيين.

ويؤكد أن كل الأنظمة على امتداد الصراع كانت تبرر تطبيعها بأنها تريد نصرة القضية الفلسطينية عبر إقامة علاقات مع إسرائيل، إلا أن هذه المرة فإن التبرير مغاير تمامًا.

وحسب "عياش" فإن اللغة التبريرية تروج إلى أن "الفلسطينيين هم العدو، والإسرائيليين هم الصديق، وهذه مقاربة غير مسبوقة وبالغة الخطورة؛ لأنها تؤدي إلى تفتيت الشارع العربي لصالح عدوه الإسرائيلي". 

تعاون تكنولوجي وعسكري 

إضافة للعلاقات الدبلوماسية والزيارات والتبادل التجاري أتاحت اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والدول العربية تعزيز العلاقات في المجالات التقنية والسيبرانية، وهو ما لوحظ خلال عام 2021. 

في هذا السياق تقول وكيل كلية الهندسة في جامعة بنها في مصر والمحاضر في كلية الدفاع الوطني أكاديمية ناصر العسكرية العليا غادة محمد عامر، إن القدرات التكنولوجية لإسرائيل أتاحت أن تكون نواة سوقٍ شرق أوسطيةٍ تتوسّع بالتدريج منذ فترة ليست بالقليلة، إضافةً لكونها قوةً جاذبةً، ومُهيمنةً اقتصادياً وأمنيًا.

وتشدد على أن هذا التفوق سمح بتقدُّمها وفق استراتيجيةٍ مُتكاملة تبحثُ فيها عن سلامٍ مشروطٍ، مُتسلّحةً بغلبتين: غلبةٍ أمنيةٍ رادعة مدعومة من الدول الكبرى، وتفوُّق اقتصاديّ وتكنولوجيّ متقدّم في شرق عربيٍّ، وبالتالي كان التطبيع معها سببه هاذين الأمرين. 

وتسرد "عامر" لـ "وكالة سند للأنباء"، "سارت إسرائيل في طريق تبني عقيدة التقدُّمِ والتفوُّق التكنولوجيِّ بكلّ ما أوتيَت من قوّةٍ؛ فمُنذُ وقتٍ مُبكّرٍ أدركت أهمية العلم وخلق التكنولوجيا. وكانت حرب أكتوبر ١٩٧٣ نقطة تحول رئيسة في تطور صناعة الأسلحة الإسرائيلية". 

وتشير  إلى أن إسرائيل أدركت بعد الهزيمة استحالة الاعتماد الكلي على إفراد الجيش الإسرائيلي أو المعدات التقليدية في تأمين بقائها، وأن عليها بناء ترسانة من الأسلحة المتطورة التـي تضمن تفوقها النوعي على جيرانها من العرب الذين يتفوقون عليها في القوة البشرية والعقيدة القتالية العالية والثروات الموروثة كالبترول.

وتبين أن تفوق إسرائيل التكنولوجي وامتلاكها للبرامج والأسلحة المتطورة سهل عملية نسج علاقات ثُنائيةٍ مع دولٍ كثيرةٍ في العالم من خلال شركات التكنولوجيا الاستثمارية بتلك الدول، أو حتّى من خلال الصفقات التي قامت بها، أو من خلال الشركات الإسرائيلية التي اندمجت في الشركات الكبيرة.

"ومن أهم التي أثرت في الصراع الإسرائيلي العربي استخدام إسرائيل دبلوماسية الأسلحة والتكنولوجيا الفائقة حيث تعتبر هذه الدبلوماسية هي أداة إسرائيل الأقوى في بناء علاقات قوية مع كثير من القوى الدولية خاصة الناشئة والصاعدة وتلك التـي تبعد عن نطاق تأثيرها المباشر في الشرق الأوسط؛ أي في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية"، وفقًا لـ "عامر". 

وتتابع: بل إن جزءًا أساسيًّا من تحالف إسرائيل مع القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة أصبح قائمًا على الإفادة من التكنولوجيا المتطورة التـي تتفوق فيها إسرائيل، فضلاً عن العوامل الثقافية والتعقيدات التاريخية الأخرى التي تربطهما.

وتأسيسًا على هذا تحولت التكنولوجيا الإسرائيلية  _تبعًا لعامر_ من مجرد أداة للتنمية والدفاع، لآلية ضرورية لتحقيق مكاسب دبلوماسية، وأداة للضغط وربما لتعديل مواقف القوى الدولية، والأهم من هذا تحقيق استراتيجية الالتفاف حول الجوار العربي في وقت كانت الدول العربية تشهدُ تراجعًا علميًا وتكنولوجيًا. 

ومن وجهة نظر الخبيرة "عامر" فإن ما تحقق للاحتلال الإسرائيلي من أنه أصبح قوة عالمية مؤثرة، كان نتيجة لاستراتيجيته التي تبناها وحدد فيها أهداف البحث العلمي في شتى مجالات المعرفة.

ومكنته هذا المعرفة الشاملة من أن ينتقل من كيان استيطاني يعتمد على الزراعة إلى دولة ترتكز بنيتها العسكرية والصناعية على الاقتصاد التكنولوجي والابتكار المحلي، بحسب ما أوردته "عامر". 

وتشدد "عامر" على أن مطامع إسرائيل لم ولن تتغير وتتمثل بإقامة دولة مزعومة من النيل إلى الفرات، مشيرة إلى أن المشهد التكنولوجيُّ والمعلوماتيُّ الإسرائيليُّ يوحي الإسرائيليُّ بأنه سلاحٌ يهدفُ إلى استمرارية التفوق الّتقنيِّ والرقميِّ الإسرائيليِّ.

وترى أن إسرائيل ومن وراء هذا الطموح تسعى لأن تبقى مُهيمنةً كقوةٍ عسكريةٍ في المنطقة، وأن تكون مركز جذبٍ تكنولوجيٍّ، ومُصدّرةً للتكنولوجيا لكافة بقاع العالم، والذي يعود عليها بمردوداتٍ ماليةٍ وأمنيةٍ وسياسيةٍ كثيرةٍ، 

وتؤكد "عامر" بأن "هناك مخاوفُ واضحةٌ ومعقولةٌ من أنّ إسرائيل ستلتهمُ الأسواقَ العربيةَ مُستقبلاً إذا لم ننتبه، وهي تعملُ منذُ أوقاتٍ مُبكّرةٍ على أن تكون القوّةُ الاقتصاديةُ العالميةُ في المنطقة".

وتلفت النظر إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يطمح من خلال تلك التطورات التي تُتاح له الفرصة كي يلعب دورًا أكبر من حجمه وموارده الجغرافية في السياسة الدولية، بصورةٍ قد تُغيّر من المفاهيم التقليدية لمُمارسة النفوذ في العلاقات الدولية، بحيثُ تلعبُ الدُّولُ "الأكثر تقدُّماً" الدور الرئيسي في العلاقات الدولية بدلاً من الدول "الأكبر".

الموجة الثالثة أكثر خطورًا

يقول الكاتب والأكاديمي المصري حسن نافعة، أن العالم العربي يعيش موجة جديدة من موجات التطبيع العربي مع إسرائيل.

ويضيف "نافعة" أن الموجة الحالية التي تقودها هذه المرة الإمارات والبحرين تختلف عن سابقتيها، واللتيْن قادت أولاهما مصر الساداتية منفردة في نهاية السبعينيات، ثم قادت ثانيتهما كل من منظمة التحرير الفلسطينية والأردن في منتصف التسعينيات.

ويشير إلى أن الاختلاف يأتي من زوايا عديدة أهمها، أنها تجري مع دول من خارج "الطوق العربي"، فالإمارات والبحرين ليستا من الدول المجاورة لإسرائيل، ولم تكونا في حالة حرب معها في أي يوم.

وتأتي في وقتٍ يبدو فيه النظام العربي الرسمي في أسوأ حالاته، خصوصا بعد فشل ثورات "الربيع العربي"، واندلاع الحروب الأهلية والبينية في مناطقه المختلفة، وفقًا لـ "نافعة". 

ويشدد على أن الموجة الحالية تبدو مدفوعة بعوامل أخرى، ربما أهمها إقامة حلف عسكري في مواجهة إيران، وليس البحث عن تسويةٍ تنهي حالة حرب قائمة، أو حتى تشجيع إسرائيل على تبني مواقف أكثر مرونةً تجاه القضية الفلسطينية.

ويمكن رصد أبرز التحولات التي شهدها مسار التطبيع وموقف الدول العربية منه خلال العامين الماضيين: 

المغرب

وقع المغرب وإسرائيل في 24 نوفمبر/تشرين الثاني اتفاق-إطار للتعاون الأمني "غير مسبوق" خلال زيارة هي الأولى من نوعها لوزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس إلى المملكة.

ورسم الاتفاق، الذي وقعه غانتس والوزير المنتدب المكلف بإدارة الدفاع المغربي عبد اللطيف لوديي، التعاون الأمني بين إسرائيل والمغرب "بمختلف أشكاله.

وسيتيح للمغرب اقتناء معدات أمنية إسرائيلية عالية التكنولوجيا بسهولة، إضافة إلى التعاون في التخطيط العملياتي والبحث والتطوير.

وكان البلدان أقاما علاقات دبلوماسية إثر توقيع اتفاقات أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية العام 1993، قبل أن تقطعها الرباط بعد الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي انطلقت عام 2000.

وفي أواخر العام الماضي استأنف البلدان علاقاتهما الدبلوماسية في إطار اتفاق اعترفت بموجبه الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء الغربية المتنازع عليها مع جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر.

وكانت المملكة بذلك رابع بلد عربي يطبع علاقاته مع إسرائيل في 2020 برعاية أميركية، بعد الإمارات والبحرين والسودان.

تأتي زيارة غانتس إلى المملكة في سياق إقليمي متوتر مع إعلان الجزائر في آب/أغسطس قطع علاقاتها مع الرباط.

وجاءت زيارة غانتس إلى المغرب بعد ثلاثة أشهر على إعلان البلدين الاتفاق على رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بينهما من مكتبي اتصال إلى سفارتين أثناء زيارة وزير خارجية إسرائيل يائير لبيد إلى المملكة.

والشهر المنصرم أيضاً أعلنت شركة راتيو بيتروليوم الإسرائيلية توقيع شراكة مع الرباط لاستكشاف حقول غاز بحرية قبالة ساحل الداخلة بالصحراء الغربية.

على الصعيد العسكري تعد إسرائيل من أهم مصدري الطائرات المسيرة الحربية والتطبيقات الالكترونية لأغراض أمنية إلى المغرب، مثل تطبيق بيغاسوس الذي طورته شركة أن أس أو الإسرائيلية.

ورفضت "الجبهة المغربية لدعم فلسطين وضد التطبيع"، التي تضم تيارات يسارية وإسلامية، تعزيز العلاقات بين المغرب وإسرائيل ودعت لقطع العلاقات الدبلوماسية. 

الإمارات 

في 12 ديسمبر/ كانون الأول التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد غداة وصوله إلى الإمارات في أول زيارة لمسؤول إسرائيلي على هذا المستوى إلى الدولة الخليجية.

وحسب وكالة انباء الإمارات فإن ولي عهد أبو ظبي أعرب خلال لقائه بينيت عن "تطلعه إلى أن تسهم زيارته في دفع علاقات التعاون إلى مزيد من الخطوات الإيجابية لمصلحة شعبي البلدين وشعوب المنطقة".

وتأتي الزيارة بينما استأنفت طهران والقوى الكبرى محادثات تهدف إلى إحياء الاتفاق المبرم بين إيران وست قوى كبرى (الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين وألمانيا) عام 2015 بشأن برنامج طهران النووي.

وشمل التطبيع الإسرائيلي-الإماراتي تنفيذ صفقات تجارية بما في ذلك عقد خاص لتفريغ نفط الخليج في منتجع إيلات المطل على البحر الأحمر، وهو اتفاق عارضته جماعات حماية البيئة في إسرائيل.

وقد وقع البلدان معاهدات بشأن السفر بدون تأشيرة، إلى جانب اتفاقيات بشأن حماية الاستثمار والعلوم والتكنولوجيا.

منذ توقيع اتفاق تطبيع العلاقات، أبرمت الإمارات وإسرائيل عددًا من الاتفاقات التجارية، وارتفع عدد الشركات الإسرائيلية الناشئة العاملة في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المالية والزراعة في البلد الخليجي.

وتأمل الإمارات وإسرائيل اللتان تضرر اقتصاداهما بفعل جائحة فيروس كورونا، في تحقيق مكاسب كبرى من اتفاق التطبيع، لا سيما بالنسبة إلى دبي الباحثة عن شركاء جدد في قطاعات السياحة والتكنولوجيا والأعمال. 

فعليا، بلغ حجم التبادل في قطاع الأعمال بين الجانبين في شهر أغسطس/آب الماضي 500 مليون دولار، دون الاستثمارات من اتفاقات حول السياحة والطيران والخدمات المالية.

يضاف إلى ذلك، موافقة الولايات المتحدة العام الماضي على بيع ما قيمته أكثر من 23 مليار دولار من الطائرات المقاتلة من طراز "اف-35"والطائرات من دون طيار إلى الإمارات بعد اعترافها الدبلوماسي بإسرائيل.

كان وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد قد زار الإمارات في يونيو/حزيران من العام 2021، وافتتح سفارة بلاده في أبوظبي بحضور رئيس الجالية اليهودية في الإمارات الحاخام ليفي دتشمان.

أما السفير الإماراتي لدى إسرائيل محمد الخاجة فقدّم أوراق اعتماده في مارس/آذار من العام 2021 فيما زار نحو 200 ألف إسرائيلي الإمارات منذ إقامة العلاقات، بحسب القنصل العام لإسرائيل في دبي.

ووقعت إسرائيل في 15 سبتمبر/أيلول 2020 في واشنطن اتفاقا لإقامة علاقات دبلوماسية مع كل من الإمارات العربية المتحدة والبحرين برعاية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وحضوره.

وتعتبر الإمارات أول دولة خليجية وثالث دولة عربية توقع اتفاق تطبيع للعلاقات مع الدولة العبرية، وتلتها البحرين، ثم السودان وأخيرا المغرب، بعد اعتراف الأردن (1994) ومصر (1979) بإسرائيل. 

البحرين 

وفي 1 نوفمبر/تشرين الثاني التقى رئيسا الوزراء البحريني والإسرائيلي، لأول مرة منذ تطبيع العلاقات بين البلدين، وذلك على هامش مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ في غلاسكو الأسكتلندية.

ما فيما يخص البحرين، فقد أشارت دائرة الإحصاء المركزية التابعة لوزارة الخارجية الإسرائيلية إلى أن حجم التجارة مع البحرين سجّل 300 ألف دولار أميركي في الأشهر السبعة الأولى للعام الماضي.

فيما لم تُسجّل أي حركة تجارية بينية في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضي والتي تلت حفل توقيع اتفاق التطبيع في البيت الأبيض.

وكانت وزارة الاقتصاد الإسرائيلية توقّعت بنمو الصادرات الإسرائيلية إلى البحرين من الألماس والمعادن مقابل زيادة في الواردات البحرينية إلى إسرائيل من النفط والألومنيوم.

السعودية

وعلى صعيد العلاقات مع المملكة العربية السعودية يستبعد المحللون أن تقوم السعودية بالتطبيع حاليا مع إسرائيل. 

وتؤكد المملكة الخليجية الغنية باستمرار سياستها التي تتبناها منذ سنوات والتي تربط تطبيع العلاقات مع إسرائيل بتسوية النزاع الإسرائيلي مع الفلسطينيين.

إلا أن الخصومة مع إيران تجمع البلدين، وعلى الرغم من عدم الإقرار بذلك، تؤكد تقارير من مصادر مختلفة أن الرياض تقيم علاقات سرية مع تل أبيب منذ سنوات.

ومؤخرًا أعرب مندوب المملكة الدائم لدى الأمم المتحدة، عن استعداد بلاده لإقامة علاقات مع إسرائيل بمجرد تنفيذ شرط واحد.

وقال السفير عبد الله المعلمي في حوار مع موقع "عرب نيوز" السعودي إن الموقف السعودي الرسمي هو أننا على استعداد لتطبيع العلاقات مع إسرائيل إذا طبقت عناصر مبادرة السلام التي قدمتها السعودية في 2002.

ويستبعد الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية هيو لوفات "أن تقوم الرياض بقيادة الملك سلمان بتطبيع العلاقات رسميا مع إسرائيل"، لكنه يشير إلى أن هناك "مستوى عاليا من الحوار السياسي والأمني بين البلدين".

وللسعودية تاريخ فعلي في محاولة الوصول إلى سلام، ففي مارس/آذار 2002، قدمت مبادرة سلام خلال القمة العربية في بيروت، وقد أقرتها القمة بالإجماع.

وتعطي الخطة إسرائيل تطبيعا كاملا مع مجمل العالم العربي مقابل انسحابها من المناطق المحتلة، بما في ذلك الضفة الغربية وقطاع غزة ومرتفعات الجولان ولبنان.

وتعطي الفلسطينيين "القدس الشرقية" عاصمة لهم، وتتوصل إلى "حل عادل" لقضية اللاجئين الفلسطينيين الذين طردوا أو ابعدوا في الحرب العربية الإسرائيلية 1948-1949 من ديارهم.

السودان

في 6 يناير/كانون ثاني 2021 وقع السودان اتفاق تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وحصل في الوقت نفسه على مساعدة مالية من الولايات المتحدة صارت متاحة بعد سحب الخرطوم مؤخراً من القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب.

وبتوقيع هذا الاتفاق، يصبح السودان ثالث دولة عربية، بعد الامارات والبحرين، توقع "اتفاقات أبراهام". كذلك وافق المغرب أخيرا على "تطبيع" العلاقات مع إسرائيل.

يأتي هذا بعد شطب السودان من القائمة الأميركية للدول الداعمة للإرهاب، والتي رافقتها على مدى عقود طويلة سلسلة من العقوبات والعقبات أمام الاستثمارات الدولية في السودان.

وتمهد المساعدة المالية التي حصلت عليها الخرطوم الطريق أمام المستثمرين في البلد الذي يمر حاليًا بمرحلة انتقالية سياسية، ويواجه أزمة اقتصادية غير مسبوقة ويعاني من تضخم جامح زاد من حدتهما وباء كوفيد-19.

يبلغ الدين الخارجي للسودان نحو 60 مليار دولار.

وكان شطب السودان من القائمة الأميركية، جزءًا من اتفاق تضمن تطبيع العلاقات بين الدولة العضو في جامعة الدول العربية وإسرائيل.

وفي 23 تشرين الأول/أكتوبر 2020 أعلن ترامب في وقت واحد قراره شطب السودان من تلك القائمة، وموافقة الخرطوم على تطبيع العلاقات مع إسرائيل.