الساعة 00:00 م
الجمعة 03 مايو 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.67 جنيه إسترليني
5.26 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4 يورو
3.73 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

أطفال غزة يدفعون ثمن الأسلحة المحرمة

معروف: معلبات مفخخة يتركها الاحتلال بمنازل غزة

بالفيديو الثمانيني الفلسطيني لولح يروي حكايات التعذيب الأولى في سجون الاحتلال

حجم الخط
الثمانيني الفلسطيني أسعد لولح يروي حكايات التعذيب الأولى في سجون الاحتلال
نواف العامر- وكالة سند للأنباء

لم يتمالك الثمانيني أسعد لولح مشاعره، واختنقت عبراته، وتحشرجت الكلمات في فمه، وهو يصف الدقائق الأخيرة من حياة الشهيد عبد القادر أبو الفحم، الذي ارتقى ضحية الإهمال الطبي في سجن عسقلان، في أول إضراب عن الطعام شهدته السجون الإسرائيلية في تموز/ يوليو عام ١٩٧٠.

ويحكي "لولح" في هذا التقرير لـ "وكالة سند للأنباء" تفاصيل الحكاية منذ البداية، وما تخللها من معاناة.

بدأ الفصل الفدائي بالتحاق "لولح" بالعمل العسكري المقاوم في خانيونس جنوب قطاع غزة، تحت إمرة مسؤول كتيبة "عين جالوت" الشهيد عبد القادر أبو الفحم "أبو حاتم"، وما لبث أن انتقلا لساحة معركة الكرامة في الأغوار الأردنية آنذاك.

اشتباك خانيونس

يروي الثمانيني "لولح" عن عودتهم لقطاع غزة بعد انتصار الكرامة، ليحدث بعدها اشتباك مسلح في أحراش خانيونس ومنطقة المواصي، فيصاب "أبو الفحم" بأكثر من ٢٠ رصاصة استقرت في جسده، بينما ظل "لولح" مطارداً، ليعتقلَ في جبال عورتا جنوب شرق نابلس.

ونُقِل "لولح" لسجن غزة، وقضى فيه ١٨ شهراً في الاعتقال الإداري، قبل أن ينقل لمسرح سجن عسقلان المسمى "حيدر إكسات" وفقاً لـ "لولح".

غرفة الأسر

وعن تفاصيل الأسر، يقول إن غرفة الأسر البالغة سعتها تسعة أمتار تتسع لأكثر من ٢٠ أسيراً تضج بهم جنباتها ويفترشون البلاط ويجاورهم مرحاض بلاستيكي متنقل، هو البرميل البلاستيكي، وعلى مرأى الأسرى جميعهم تكون قضاء الحاجة.

وعن حالة الإذلال، يصف "لولح" السلوك العنصري الذي يُجبَر فيه الأسير على خفض رأسه أمام الشاويش أو الضابط أو حتى أصغر جندي، ليقول بعدها كلمة "سيدي"، "حاضر"، "أمرك سيدي"، وهكذا دواليك.

وجبة "الزربيحة"

وعن الطعام المقدم للأسرى، يحدثنا "لولح" أنها شوربة عدس دائمة، وإن يتحسن فيكون صحن فاصولياء.

وعندما تفتح لهم طاقة القدر تكون شوربة "الزربيحة" وهي مرق ماء لا يعرف مكوناته، مع فتات الخبز العفن منذ شهرين، "باختصار الطعام هنا تحت شعار (قوت ولا تموت)" يقول "لولح".

علاج سحري..

وعن علاج الأسرى الذي يماطل الاحتلال أساساً في تقديمه لهم، يحكي "لولح" أن حبة الدواء "الأكمول" هي العلاج السحري لكل الأمراض والأوجاع يصفها الممرض للجميع.

وتحدث عن مرضه عندما تعرض لانتفاخ قيحي بإصبعه، وكيف قام شاويش الساحة بشقها بأصبعه والضغط بقسوة عليها، ويخرج الصديد والدم بحالة وجع مركبة، ثم الوصفة تكتمل بالخلود للنوم.

"لا توجد عيادة للعلاج، ولا ما يحزنون، أنت هنا تواجه الموت عدا عن الأسر"، هكذا يصف لنا "لولح" المشهد.

وعقب موسم الإذلال والعذاب والحرمان من زيارات الأهل، تشاور الأسرى وممثلوهم فقرروا الإضراب عن الطعام؛ للحصول على إنجازات تحسن وضعهم، وتضع عنهم الأغلال والقهر والحرمان، يؤكد "لولح".

ولا يخفي "لولح" رفض الأسرى دخول القائد الجريح "أبو الفحم" الإضراب المفتوح عن الطعام؛ كونه مصاباً بالرصاص الذي لا زالت جراحه تنزف دماً مع غياب العلاج، فلم يوجد حتى القماش المعقم لتضميدها، لينال حقه بالعلاج.

بداية النهاية

مضت أيام ثلاثة من الإضراب الأشهر في تاريخ السجون في تموز ١٩٧٠، ونُقِل "أبو الفحم" لزنزانة مجاورة لغرفة الزيارات، وجاء ضابط يسأل عن أقارب "أبو الفحم"، رفع "لولح" يده لينقلَ إلى غرفة الزيارات للحديث مع "أبو الفحم"، وإقناعه بالعدول عن الإضراب لسوء صحته.

شاهد "لولح" بأم عينيه أنابيب البرابيش الطبية تتدلى من أنف "أبو الفحم" نحو المعدة، والدماء التي تخرج من بطنه للخارج، لتشكل منها بركة دموية حمراء، بينما كان "أبو الفحم" في لحظات النزاع الأخير.

طلب "لولح" إحضار الأسير الشيخ طاهر شبانة حيثُ "أبو الفحم" ، فقرأ عليه القرآن وطلب من الله له الشفاء، فحرك "أبو الفحم" أصبعه، وبدأ يستخدمه كريشة كتابة يغمسها بدمه على الأرض.

أبو الفحم، ووداعه بالدم

بمشهدٍ يتكلم عن نفسه، بدأ "أبو الفحم" يخط على جدار الغرفة من دمائه: "فلسطين عروس، ومهرها..." لم يُكمِل العبارة، إذ سقطت ذراعه أرضاً؛ ليختم حياته بالدم فداء لفلسطين، ودفاعاً عن رفاق الأسر وأصدقاء الفدائية.

غادر الشيخ شبانة إلى غرف السجن ينادي بصوته الجهوري "استشهد أبو حاتم أبو الفحم يا ناس".

ضجت غرف الأسرى الذين حطموا ما تطاله أيديهم بالهتافات للوطن والشهداء ونقل أول شهيد من شهداء الإهمال الطبي في مسقط رأسه بقطاع غزة.

واستمر الإضراب عن الطعام لـ ٢١ يوماً تحقق بفضلها بعض المطالب العادلة، وفق ما أسرده "لولح".

وتابع أن "أبناءه الثمانية الذين رزق بهم بعد الإفراج عنه، اعتقلوا في سجون الاحتلال، ورأوا بأم أعينهم تفاصيل الإهمال الطبي تزداد يوماً بعد يوم، خاتمًا حديثه: "يأتي ناصر أبو حميد مريض السرطان الذي تدهورت صحته بشكلٍ خطير، ليؤكد أن الإهمال الطبي، هو تجسيد للإعدام البطيء".