الساعة 00:00 م
الخميس 18 ابريل 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.72 جنيه إسترليني
5.35 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.04 يورو
3.79 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

مكتبة المعمداني من رُكن ثقافي إلى مقر إيواء للجرحى والمرضى!

هدمت بيتها "فزعةً" لجيرانها..

بالفيديو عن ليلة الحيّ السوداء و"بروفا" الموت تحت ركام منزل مروة بارود

حجم الخط
مروة بارود
إيمان شبير - وكالة سند للأنباء

"لين يا لين.. إنتِ وين؟ كان صوت "مروة" اللاهث من تحت الأنقاض وعتمة الليل، يُنادي بقلقٍ شديد على طفلةٍ لم تتجاوز الـ 12 من عمرها، فكانت الإجابة "هيني يا خالتي بدي أموت معاكي"، تخيلوا! لم تعد النجاة من الحروب هي أمنية الغزيين، إنما "الموت مع عوائلهم" دون أن يبقى أحد يشرب صدمة الفقد وحسرته.

"لين" التي كانت تعتقد أنها ترى كابوسًا، ظنّت أنها ستقضي تحت ركام منزلهم ما بقي من عمرها، فصوت الانفجارات حولها أعلى من صراخها المتقطع، إلى أن اقتربت خالتها "مروة" منها لتحتضنها وتُهدأ من رَوْعها، لكنها تفاجأت بسيلان قطرات من الدماء على وجهها، "إنتي يا خالتي؟" (سألت الطفلة) ولم تنتظر الإجابة، فأخذت تُنادي: "إلحقونا خالتي متصاوبة".

لحظاتٌ خيالية تحبس الأنفاس، كأنها مقتبسة من حضن الموت، والنجاة منها كانت بـ "أعجوبة" كما تقول "مروة" و"لين" من على أسرّة مستشفى أبو يوسف النجار جنوب قطاع غزة، حيث يتلقين العلاج بعد إصابتهن بجراحٍ في العدوان الإسرائيلي الأخير.

مروة بارود، فلسطينية في الخمسينات من عمرها، تعيش في حي الشعوت بمدينة رفح جنوب قطاع غزة، كانت تعد مساء يوم السبت السادس من أغسطس/ آب 2022، العشاء لإبنة شقيقتها التي تستضيفها عندها في الإجازة الصيفية، قبل أن تُباغتهم طائرات الاحتلال بغارة حولّت المخيم إلى كتلة من الركام.

تستهل "مروة" حديثها مع "وكالة سند للأنباء" بالقول: "كانت الأوضاع في المخيم عادية وهادئة، لم يكن ما هناك ما يُشعرنا بتوترٍ مسبق، أو حتى تحذير من طائرات الاستطلاع لإخلاء منازلنا.. فجأة انقلب الحال وأصبحنا تحت الأنقاض"

القصة بدأت عندما قصفت طائرات الاحتلال بصواريخها منزلًا بحي الشعوت المكتظ بالسكان، مساء السبت، ونتج عن هذه المجزرة؛ ثمانية شهداء، وعشرات الجرحى الذي بقوا لساعات تحت الركام، قبل أن تتمكن طواقم الإسعاف من إنقاذهم.

بصوتها الباكي تستعيد "مروة" ما حدث يومها: "المنازل تنهار، والدخان الناتج عن الانفجارات يتصاعد، وصرخات الاستغاثة من تحت الأنقاض تتعالى، دون قدرة على الاستجابة السريعة بسبب ضعف الإمكانيات، وضيق الأزقة بين المنازل في المخيم".

أهل الحيّ كانوا في حالة ذهول غريبة، لا يعرفون أين القصف تحديدًا؟ يهرعون من بيوتهم إلى الخارج ثم يعودون من حيث جاؤوا، يتفقدون عوائلهم فردًا فردا، والطائرات تواصل قصفها، (صاروخ، الثاني، الثالث (..) السادس)، ثم تحوّل المكان إلى خرابة!

تُضيف "مروة" التي انهار بيتها جزئيًا: "عشنا تفاصيل لم نعشها طوال حياتنا، بقيت أنا ولين تحت ركام مدخل البيت الذي تضرر بالقصف لفترة ليست قصيرة، وبعد محاولات الجيران، تمكنوا أخيرًا من الوصول لنا وإخراجنا من فم الموت، والذهاب بنا إلى المستشفى"، وهناك تأكدت أنها على قيد الحياة، وما مرّت به ليس حلمًا بشعًا.

A9897BE0-8932-4F4A-BA1F-6CF55C48425E.jpeg
 

تُردف: "وعيت على نفسي وأنا على سرير المشفى، وبعد أن اطمأن قلبي على لين وسلامتها، عِلمت أن آليات الدفاع المدني المسؤولة عن التنقيب وإزالة الركام، تواجه إشكاليةً في الوصول إلى المنزل المستهدف، والحل لتسهيل عملهم، هو هدم منزلي".

كيف كانت ردت فعلك؟ تُجيب على سؤالنا بنبرة عالية: "قلت لهم دون تردد أو تفكير، اهدموا ما تبقى من البيت، واخرجوا الناجين، والشهداء (..) والله ما بدنا كل البيوت، وما بدنا كل الدنيا، المهم ننقذ أرواح الناس".

تعرف "مروة" أن قرار هدم المنزل الذي عاشت فيه سنين حياتها، مع عائلتها بحلوها ومرّها، ليس سهلًا، والشعور يبدو كمن يهدم "عمرًا من الذكريات الجميلة" بيده، لكنّ كل هذا يهون أمام "راحة الضمير، ومؤازرة الجار والسعي للتفريج عنه"، كما تُحكي لنا.

وتستطرد: "شعور العجز الذي يعيشه المرء فوق الأرض، بينما عائلته تُصارع تحت الركام دون القدرة على إسعافهم أو حتى تهدئتهم، قاسٍ جدًا، ومن الصعب تحمله، لذا أقل ما يُمكننا فعله حنيها، أن نكون عونًا لهم مهما كلفنا الثمن".

وتختم "مروة" حديثها بوصف ما جرى بـ "الجريمة" قائلةً: "لسنا بخير، ففي كل حرب تكرر إسرائيل ذات المشاهد المروعة، وتهدم المنازل على رؤس ساكنيها؛ لتحصد المزيد من أرواح الأبرياء، دون رادعٍ أو مساءلة.. هذا حرام، في أي زمنٍ نعيش يا عالم!"

يُذكر أن العدوان الإسرائيلي الذي طال شقق ومباني سكنية، وتجمعات للمواطنين، أسفر عن ارتقاء 45 شهيدًا في قطاع غزة، بينهم 16 طفلاً، و4 نساء، وإصابة 360 آخرين، وفق معطيات وزارة الصحة الفلسطينية.