الساعة 00:00 م
الثلاثاء 19 مارس 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.65 جنيه إسترليني
5.15 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
3.97 يورو
3.65 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

"وكالة سند" تكشف تفاصيل جريمة إعدام الاحتلال مسنا جنوب غزة

حكاية أخرى.. عن طفلين شقيقين استُشهدا وتركا لوالديهما الحسرة

حجم الخط
الشهيدان مؤمن وأحمد النيرب
زينب الأغا - وكالة سند للأنباء

كان مساء المخيم يوم السبت (6 آب/ أغسطس 2022) عاديًا، فيه "حواديث العجائز"، وضحكات الأطفال، ولعب الفتية عند عتبات البيوت، ونقاشات الرجال عن آخر التطورات الميدانية، إلى أن تدخل صاروخ إسرائيلي غادر؛ وحوّل ضجيج الحياة اليومية في الزقاق إلى مشهدٍ مروّع ثناثرت فيه الجثث، وفاحت رائحة الدماء وسط صرخات انتحاب تتوالى!

في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة، كان هناك الكثير من التفاصيل والحكايات الدامية التي خلّفها العدوان الإسرائيلي الأخير، أبرزها المجزرة التي وقعت بالقرب من مسجد عماد عقل، مساء السبت، وأدت لاستشهاد عدد من الفلسطينيين، غالبيتهم أطفال.

روحٌ في جسدين..

مساءٌ آخر يصطحب فيه أحمد النيرب (11 عامًا) شقيقه الأصغر "مؤمن" (4 أعوام) إلى الشارع لـ "اللعب مع أولاد الحارة"، تطلّ عليهما والدتهما من نافذة المنزل لتُنادي: "أحمد بلاش لعب، تعال إنت وأخوك .. الوضع مش آمن".

شاح "أحمد" بنظره إلى الأعلى؛ لوّح بيده الصغيرة لأمه مبتسمًا دون أن ينطق بحرفٍ واحد، ثم أدار ظهره ليُكمل اللعب، مرّت دقائق وتاهت الأم في بعض انشغالات المنزل.. فجأة وقع انفجار كبير في المنطقة.

خرج الأهالي لتفقد ما حدث، فكانت الفاجعة، جثث وأشلاء متناثرة، وعدد كبير من الجرحى، غصّ قلب "أم أحمد"، وظلّت تتأرجح على نار القلق تبحث عن "أمل ضئيل" يُكذّب إحساسها، إلى أن جاء الخبر اليقين "راحوا الأولاد بغمضة عين.. اتصاوب أحمد ومؤمن بجراح خطيرة"!

"أحمد" و"مؤمن" هما وحيدا والديهما، رحلا تاركين خلفهما شقيقتيْن اثنتيْن "سالي"  و"أسيل"، حسرة الفقد ألجمت قلبيهما؛ فلم يستطعا التحدث مع الإعلام عنهما، واكتفيا بـ "الصمت والكثير من الدمع المرّ".

يقول محمود النيرب عمّ الشهيدين: إن الطفليْن الشقيقيْن كانا في الشارع _كبقية أهل الحيّ_، بحثًا عن مكان هاوٍ للتسلية، في ظل انقطاع التيار الكهربائي، حين باغتتهم طائرات الاحتلال بصاورخٍ أسفر عن وقوع شهداء وجرحى.

وبينما كان "أحمد" يجلس مع أصدقائه على عتبة منزلهم، جاء والده برفقة "مؤمن"، فطلب منه أخذ شقيقه إلى البقالة المقابلة لبيتهم لشراء "حلوى وعصير"، وبالفعل ذهبا، يُردف عمهما: "لحظات فقط، ووقع الانفجار، واستشهدا بعد إصابتهما بجراحٍ خطيرة".

ويُشير إلى أن والد الشهيدين يمران بظروف "صعبة للغاية"؛ فهما لم يصدقا بعد أن طفليهما رحلا عنهما دون رجعة؛ فعند رؤيته لهما مدرجين بدمائهما أخذ يصرخ بأعلى صوته على الإسعاف، على أي شيء، وأي سيارة مارة، يُمكن أن تُنقذ حياتهما.

ظلّت العائلة تترقب أي خبرٍ يُهدأ من روعها، ذهب الأب برفقة إخوانه إلى المشفى الأندونيسي شمال القطاع، باحثًا عن حياة طفليه، فكانت النهاية عند أبواب ثلاجة الموتى.

كان وقع الخبر على العائلة قاسيًا _يتابع_ الآن نمرّ في حزنٍ لم يسبق لنا تجربته، فما الذنب الذي اقترفه الأطفال والآمنين لكي يتم استهدافهم بهذه الطريقة البشعة؟

وفي وصفه لهما يحكي العمّ "محمود" أن "الشقيقيْن لم تفترق خطواتهما يومًا ولا لحظة، كان الواحد منهما ظِلّ الآخر على الأرض (..) يُعرف عن قربهما الشديد لبعضهما حتى في الرحيل".

على بعد أيامٍ قليلة، كانت تستعد والدتهم لشراء "كسوة المدرسة والروضة" لطفليها، اتفقوا على لون "الحقائب"، ومن أين يشترون "القرطاسية"، لكنّ الاحتلال حرمهما من أبسط حقوقهم في الحياة.

وبعد استشهاد الطفلين استذكرت عائلتهما تصرفات مريبة لـ "أحمد" تحديدًا قبل رحيله بأسبوع، كأنه يُمهد لهم، يحكي عمّه أنه تشاجر مع شقيقته "أسيل" قبل أيام من استشهاده وغضب منها، فقال لها ممازحًا "ستكونين آخر من أشفع له، حين استشهد".

وفي ختام حديثه: يؤكد أن الاحتلال توغل في اعتداءاته وجرائمه ضد المدنيين والآمنين في بيوتهم، بسبب الصمت الدولي وعدم تعرضه للمساءلة، متسائلًا: "إلى متى سنظل فريسة سهلة لهذا المحتل؟ أي قهرٍ هذا يا عالم؟".

وتشير أحدث إحصاءات وزارة الصحة، إلى أن 3 أيام من العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع خلّفت 48 شهيدا، بينهم 17 طفلا، و4 نساء، فضلا عن دمار مئات الوحدات السكنية.