الساعة 00:00 م
الأحد 12 مايو 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.67 جنيه إسترليني
5.26 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.02 يورو
3.73 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

خاطر: حرب غير مسبوقة على الأسيرات والضرب هو التطور الأخطر

السياحة في "الأقصى".. بدأت بالعهد العثماني واستمرت حتى أصبحت رمزًا للانتهاك

حجم الخط
السياحة الأجنبية في المسجد الأقصى
بيان الجعبة - وكالة سند للأنباء

أثارت صور سائحة لم تلتزم بشروط اللباس المتّبعة في المسجد الأقصى المبارك، وهي في صحن قبة الصخرة المشرّفة، غضبًا عارمًا في الشارع الفلسطيني، وعلى منصات التواصل الاجتماعي، وعلى إثرها طالب نشطاء، إدارة "الأوقاف الإسلامية"، بإعادة النظر في برنامج السياحة الأجنبية للمسجد وتشديد الرقابة على سلوكيات السيّاح.

ويتم برنامج السياحة في "الأقصى"، منذ عام 2003، بإشراف كامل من الشرطة الإسرائيلية؛ لتأمين اقتحامات المستوطنين اليومية من جهة باب المغاربة، وبالأعداد التي تقررها، دون أي تنسيق مع "الأوقاف الإسلامية" صاحبة الشأن والصلاحية.

297216302_606461541111418_2131971298403687655_n.jpg
 

لمحة على "السياحة" بـ "الأقصى"..

يقول الباحث في الشأن المقدسي، رضوان عمرو، إن موضوع السياحة في "الأقصى" ليس موضوعاً جديداً إنما له أصلٌ تاريخي يعود للعصر العثماني، لكن كان يُمنع خلاله غير المسلمين من دخول المسجد بما فيهم الأمراء والملوك إلا بموافقة حرّاس التكارنة.

و"التكارنة" هم حرّاس من الجالية الأفريقية التي تسكن اليوم عند باب المجلس (أحد أبواب المسجد الأقصى)، وكانت الدولة العثمانية قد منحتهم صلاحيات مطلقة بالتحكم بدخول غير المسلمين لـ "الأقصى".

ووصلت هذه الصلاحيات، إلى أن والي القدس كان يحتاج إلى إذن، وتصريح خاص من "التكارنة" إذا ما أراد إدخال سائح أو أمير أجنبي إلى المسجد.

واستمر منع غير المسلمين من دخول "الأقصى" حتى أواخر الدولة العثمانية وضعفها، حيث بدأ يتسلل بعض الأجانب إليه على هيئة علماء آثار.

وبعد انهيار الدولة العثمانية وفي فترة الانتداب البريطاني تشكل المجلس الإسلامي الأعلى عام 1922 واستلم زمام الأمور، ومعه انتظم دخول الزوار الأجانب لـ "الأقصى" بأذونات خاصة، وفق ما يُورده "عمرو" لـ "وكالة سند للأنباء".

297844514_1071028573808437_9063885835661051703_n.jpg

لكن "المجلس الإسلامي" لم يترك أمر دخول غير المسلين لـ "الأقصى" دون رقيب وفق ما أرادت حكومة الانتداب إذا عمل على تنظيم الزيارات بأذونات خاصة مختومة من "شيخالحرم" أو من إدارته.

ويُشير "عمرو" إلى أن المجلس الإسلامي يُحصّل رسوم من الزائرين الأجانب بهدف تثبيت السيادة على "الأقصى" وتخصيصها لعمارة المسجد.

وبعد مغادرة رئيس المجلس المفتى الحاج أمين الحسيني المسجد الاقصى مضطراً بعد مطاردته أواخر عام 1937، شكلت حكومة الانتداب البريطاني لجنة ثلاثية لإدارة المجلس و"الأقصى" ولكن هذه اللجنة تراخت في حراسة المسجد.

عن ذلك يحكي: "بدأ السياح والأجانب بدخول المسجد فشكّلت الأعوام من 1938 وحتى 1948 أسوء 10 سنوات في تاريخ السياحة بالأقصى، وكان الدخول إليه دون احتشام، ودون دفع رسوم، والعديد من التصرفات المشينة وغير اللائقة".

ويستطرد: "بعد نكبة عام 1948 ودخول الإدارة الأردنية للمسجد الأقصى عادة فكرة جباية الرسوم من السائحين وتخصيصها لحراسة الأقصى وإعماره؛ إلا أن أواخر الخمسينات وبداية الستينيات عاد وضع السياحة في الأقصى إلى السوء من ناحية التعري وسلوك السياح".

وأحدث حينها غضبًا مقدسيًا عارمًا على سلوكيات السائحين بالمسجد الأقصى _والكلام لعمرو_ : "كان هناك ضعف في أداء الحراسة الأردنية على الأقصى، حيث كان السيّاح آنذاك يتدفقون إلى المكان بعُري شبه كامل".

ويلفت إلى أنه في تلك الفترة صدرت بعض الفتاوي حول السياحة في المكان، ومع بدء تصويب الأمور اندلعت حرب النكسة ووقع احتلال المسجد الأقصى عام 1967.

وفي سؤالنا عن واقع السياحة خلال الفترة الواقعة بين عامي 1967 - 2000 يرد: "نظام التذاكر كان مفعلًا وكانت بمثابة تصريح من الأوقاف الإسلامية للسائح بالتجوال في الأقصى".

298762381_520743413147712_6628548090569037166_n.jpg

والتذاكر أنواع منها، ما هو مخص للساحات فقط، ومنها ما يشمل المصليات جميعها، أو بعضها؛ ومع اندلاع انتفاضة الأقصى، أُغلق باب بيع التذاكر، ومنعت السياحة من دخول "الأقصى" وبقي دخول "الأقصى" لغير المسلمين ممنوعاً حتى عام 2003.

في عام 2003 فتحت شرطة الاحتلال باب المغاربة بالقوة، وأُدخلت منه السائحين الأجانب والمستوطنين المتطرفين عنوة إلى "الأقصى"، فأصبح دور "الأوقاف الإسلامية" هامشي في المراقبة على الاقتحام.

وكان حراس المسجد يحاولون ضبط الأمور من خلال إلباس السائحين ملابس محتشمة ومنعهم من التصرفات السيئة؛ وتأرجح وضع حراسة "الأقصى" وإدارة الأوقاف على مدار الـ20 سنة، حتى اليوم، تبعًا لسياسات الاحتلال بإبعاد الحرّاس، والحالة السياسية العامة.

297819319_1078308632801273_4531268390852968870_n.jpg
 

ويرى الباحث المقدسي أن المسجد الأقصى اليوم يمر في أسوء مرحلة في تاريخه من ناحية صلاحية الحرّاس و"الأوقاف" ومن ناحية سفور وتعدي السائحين والمقتحمين على "الأقصى".

ويُسهب: "حارس الأقصى ضعيف ولا يملك صلاحيات ولا يجبي التذاكر، والمتحكم الفعلي بكل شيء هو الشرطي الإسرائيلي المتواجد عند أبواب المسجد، أما الحارس الفلسطني فهو يعمل بضميره فقط دون أي حوافز أو غطاء قانوني".

ويتحدث عن تصرفات تنتهك الوضع القائم بـ "الأقصى" مثل "تأدية الصلوات على مختلف الديانات كالبوذية والسيخية، كما ضبط الحرّاس عددًا منهم يلعبون ورق الشدّة في ساحات المسجد، ناهيك عن العُري والتقاط الصور بأوضاع مخلة للغاية".

السياحة آداة لتهويد "الأقصى"..

ومن ناحيته يعتبر رئيس هيئة مناهضة التهويد في القدس، ناصر الهدمي، موضوع السياحة في "الأقصى" هو أحد الأدوات التي استُخدمت من أجل التهيئة لتهويد المسجد الأقصى.

ويُضيف "الهدمي" لـ "وكالة سند للأنباء" أن السياحة في "الأقصى" كانت تتم برعاية "الأوقاف" وموافقة من حكومة المملكة الأردنية، لافتًا إلى أن جبي الرسوم من السائحين كان يتم قبل دخولهم للمسجد.

ويعتقد أن هذه الخطوة، شكّلا النواة الأولى تجاه اقتحامات المتطرفين، التي يشهدها المسجد الأقصى اليوم.

ويسهب بالشرح: "أن الأقصى مكان متنازع عليه وللاحتلال فيه أطماع كبيرة؛ لذا كان لابد أن يكون هناك بُعد نظر من الأوقاف الإسلامية في قضية السياحة داخل المسجد، بحيث يُغلق الباب تمامًا أمام غير المسلمين".  

ويبيّن أن الاحتلال استطاع أن يقسم المشروع الإستراتيجي الكبير والمتمثل في هدم "الأقصى" وبناء الهيكل مكانه إلى أجزاء صغيرة جدًا، وبشكلٍ تدريجي، مثل تفاصيل ما يجري خلال الاقتحامات كـ "الانبطاح الملحمي" وغيرها، من مسميات "طقوس تلمودية" تجري داخل المسجد.

ويؤكد "الهدمي" أن كل هذه التفاصيل، شغلنا بها الاحتلال لمحاولة نيسان أن الجريمة الكبرى، والتي تكمن في سيطرة الاحتلال على "الأقصى"، وأنه هو صاحب السيادة فيه فهو الذي يقرر منْ يقتحم ومتى وكيف؟ بالإضافة لتحكمه بمن يدخله من المسلمين.

ساحات "الأقصى" هي حدائق عامة..

297926552_1958773004512839_8875324747387316452_n.jpg
 

ويعتقد أن ما جرى في الفترة الأخيرة من تجرؤ سائحة على نشر صورها شبه عارية في "الأقصى" هو تعبير عن حقيقة أن الاحتلال، (بغض النظر عن مستوى تدينه)، لا ينظر إلى ساحاته أنها مكان مقدس وإنما ساحات عامة تحت سلطة بلديته، ودائرة ما تُسمى بـ "أراضي إسرائيل"، ويمكن أن يجري فيها ما يمكن.

ويستدل على ذلك بإدراج "الأقصى" كمكان لزيارة وتنزه طلاب المدارس اليهودية رغم الفتوى الشرعية اليهودية الصادرة من رجال الدين اليهود منذ عام 1967، بحرمة ما يسميه اليهود "الصعود إلى جبل الهيكل".

ويضيف أن "من يقتحم الأقصى من المستوطنين هو ليس بالضرورة متدين إنما يبحث عن سيادة الاحتلال على المكان؛ فهو يعتقد بأن السيادة منقوصة طالما لم تتم السيطرة بشكل كامل على المسجد خاصة والقدس بعمومها".

ويتفق نائب مدير عام الأوقاف الإسلامية، ناجح بكيرات، مع رؤية "الهدمي" بأن الهدف من نشر صور السائحات الأجنبيات بلابسهنّ الفاضح يأتي في سياق الاستهانة بقداسة "الأقصى"، والترويج لساحات المسجد على أنها حدائق عامة كما تريد لها سلطات الاحتلال أن تكون.

ويردف "بكيرات" لـ "وكالة سند للأنباء" أن حراس المسجد الأقصى وسدنته يحتجون ويحاولون منع جميع التصرفات غير اللائقة لكن الاحتلال يضيّق عليهم، وقد يصل الأمر إلى اعتقالهم وإبعادهم عن المسجد الأقصى.

تأجيج العواطف لا يفيد..

وللحديث عن الناحية العاطفية لموضوع التعامل مع انتهاك حرمة المسجد من خلال صور مخلة بالتعاليم الإسلامية، يقول "الهدمي": "نعم هذه الصور تُحرّك المشاعر والعواطف، وقد تؤجج حب الانتقام، لكن القضية تحتاج لخطيط إستراتيجي وتغيير في السياسة الفلسطينية".

ويُشدد على ضرورة تكثيف التواجد المقدسي داخل المسجد، في الأوقات التي يجري فيها اقتحامات المستوطنين.

297179247_619663393078952_7090866890001685304_n.jpg
 

ويورد أن الاقتحام يجري في كل الأيام، غير الجمعة والسبت، منذ الساعة السابعة صباحًا، وحتى الثانية عشرة ظهرًا، وهو الوقت الأجدر بتواجد المرابطين فيه، إلا أن هذا التواجد أيضًا بدأ يتراجع في تأثيره على الاقتحامات.

ويُكمل: "أن الاقتحامات تزداد وتيرها والمشروع الاحتلالي مستمر، فيما لا ما يزال الفلسطينيون يتمسكون بنفس الأسلوب القديم، وقد آن الأوان لتغير هذا الأسلوب، بآخر أكثر نجاعة وفعالية من أجل الحفاظ على المسجد الأقصى".

"السياحة" بحاجة لإعادة نقاش..

بينما يرى "بكيرات" أن موضوع السياحة في المسجد يحتاج لإعادة نقاش مطوّل كما تم عام 2002 بعد اقتحام آرئيل شارون (رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك)، حين نوقشت عودة السياحة إلى "الأقصى" من عدمها، وفي حينه أخذت شرطة الاحتلال على عاتقها إدخال السائحين والمستوطنين للمسجد وبالتالي هي التي تتحمل مسؤولية جميع التصرفات والصور غير اللائقة.

ويقول إن سياسات الاعتقال والإبعاد وتضييق الاحتلال على "دائرة الأوقاف" قلل من عدد حراس "الأقصى" حيث يبلغ عدد الحراس حاليًا قرابة 150، بعد أن كان عددهم يتجاوز الـ 250 عام 2017.

ويُشدد على ضرورة مضاعفة عدد الحرّاس، والذي يحتاج الى أمر وموافقة من ووزارة الأوقاف الأردنية (فهم يتبعون لها).