الساعة 00:00 م
الأحد 28 ابريل 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.84 جنيه إسترليني
5.4 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.1 يورو
3.83 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

جيش الاحتلال يُعلن مقتل "رائد" شمال قطاع غزة

فلسطيني يحول موقعاً عسكرياً مدمراً إلى مسكن لعائلته النازحة

تُوجت بطفلهما "أويس"..

"آمنة" والأسير "أحمد".. حكاية حب فلسطينية تصمد بوجه الاحتلال

حجم الخط
الأسير أحمد الجيوسي
طولكرم - وكالة سند للأنباء

ليس ضربا من البطولة فحسب، أن ترتبط فتاة بأسير محكوم عليه بمؤبدات أو لسنوات طويلة داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، منتظرة ساعة الفرج والفرح، في وقت تأمل أن تراه قريبا بعيون قلبها.

بيد أنّ شيئا لا تبح به لغير قلبها، تعيش تفاصيله لوحدها، هي لحظات تصاحبها ليلا ونهارا، تبقيها حبيسة لدموعها، وأخبار تخبئها في صندوق قلبها الذي يشبه تماما ذلك الصندوق الذي يحبس فيه حبيبها.

آمنة الحصري من طولكرم شمال الضفة الغربية، خطيبة الأسير أحمد الجيوسي المحكوم بالسجن 3475 عامًا، واحدة من أبطال معركة تدور رحاها في القلوب قبل الميدان، سلاحها الوحيد فيها دموع ودعاء، وعلى أمل أن يلتقيا.

كانت لتوها تتأهب لوضع لمساتها الأخيرة على مراسم فرحها مع رفيق دربها وحبيبها الذي تعرفت عليه أثناء عملهما المشترك في مشغل للخياطة، انتهى بإعجاب "أحمد" بها ثم الارتباط المقدس، وصولا لتحديد موعد الزفاف.

تجهزت للفرح بكل تفاصيله، غاصت بكل جزئية فيه، تتخيلّ اللحظة التي ترتدي فستانها الأبيض، على جواد فارس لم تكن تدري أنه يقف خلف عمليات فدائية أثخنت في الاحتلال قتلا وجرحا.

لم يلبث فارسها أن اعتُقل ليحكم عليه بحكم "فلكي"، قبل أسبوع واحد فقط من موعد زفافها، كان ذلك عام 2002 خلال اجتياح الاحتلال لمدينة طولكرم، كما تقول لـ "وكالة سند للأنباء".

بقي "أحمد" معتقلا أكثر من 100 يوم، وخلال هذه الفترة لم تتمكن إطلاقا من التواصل معه، إلى أن حُكم بالسجن 25 مؤبدا مضافا إليها 15 سنة، بما مجموعه 3475 عاما، وهو ما يعني استحالة اللقاء به.

أثار الحكم على خطيبها الكثير من حديث الناس حولها عن جدوى ارتباطها به، ما دامت لن تجتمع به، خصوصا أنها مخطوبة وليست متزوجة.

زاد حيرتها من حولها من العائلتين، حتى وصلت لقلب "أحمد" الذي بدوره عرض عليها أن تتركه، "عرض علي أنّ ننفصل وأن أختار حياتي!".

لم يكن عرضا سهلا على قلب "آمنة"، فهي لا تزال في وقع الصدمة التي لم تستفق منها وقد أجهز الاحتلال على فرحتها تماما، وأصبح حبيبها في طور المجهول؛ لكنها حسمت أمرها أخيرا!

تحكي لنا: "قررت البقاء مع أحمد حتى آخر لحظة، وأخبرته أنني سأنتظره لآخر يوم في عمري، حتى لو انفصلنا فلن أختار شريكا غيره؛ لهذا لن أنفصل عنه".

بدأت رحلة العروسين بين السجون، وعن زياراتهما تخبرنا "آمنة": "كان يستقبلني دائما بعطر جديد ولباس جديد، كنت أراه في كل زيارة عريس جديد".

وبكلمات ممزوجة بمشاعر الحب واللوعة تضيف: "كان في كل زيارة، يُعبّر لي عن حبه بطريقة مختلفة، وبأبسط شيء يملكه، حتى أهداني ذات مرة مسبحة مصنوعة من نواة الزيتون، وقال لي: صنعتها بنفسي لأجلك".

ولأن الاحتلال يفرض إجراءات مشددة على الأسرى، ويمنعهم من إعطاء ذويهم أي هدايا خلال الزيارات، تقول ضيفنا: "رماها لي بسرعة البرق، قبل أن ينتبه الجنود، لأنهم يفسدون أي لحظة فرح نختسلها، ويسعون لسلب الذكريات الجميلة منّا".

وعن ليالي البعد ولوعة الفراق تتحدث: "كل ليلة أنام فيها بدموع عيني، كنت أختنق بكل ما تعني الكلمة من معنى، أخرج على سطح المنزل وأنا أصرخّ وأبكي أريد فقط أن أتنفس!".

فصل جديد!

مرّت الأعوام تباعًا، وكلاهما ينتظر بشوق لحظة الخلاص، لكنّ عقارب الزمن كانت تطعن في خاصرة "آمنة" كلما تقدم بها العمر، فهي الفتاة التي لم تكن في العشرين من عمرها عندما خطبت، وبات يتقدم العمر فيها حتى وصلت مطلع الأربعينات.

تجارب النطف المهربة للأسرى كانت بازغة أمل لـ "أحمد" و"آمنة"، عن ذلك تقول: "لاحت الفكرة أمام والدتي، وعرضت عليّ: ماذا لو جربت أنت وأحمد؟!"

ترّددت "آمنة" في بداية الأمر واستغرق التفكير منها سنوات، لكن مع تقدّم العمر، وجدت نفسها تعرض هي الفكرة على "أحمد" فكيف كان رده؟ تُجيب: "رحبّ بها بشدة وقال لي "هل تعتقدين إمكانية نجاح الأمر، إذًا دعينا نجرب".

ومنذ تلك اللحظة بدأ رحلة المغامرة في هذه القضية، بدأ فيها فصل جديد بينهما، وتُشير إلى أن الخطوة نجحت فعلًا ليرزقهما الله بـ "أويس" طفلهما الأول وثمرة حبهما الذي حاول الاحتلال إعدامه قبل زفافهما.

وعن فترة حملها وولادة "أويس" تخبرنا "آمنة": "كان يتصل بي أحمد دائما يطمئن عليّ، وكأنه بجواري، حتى في لحظة الولادة".

وتسترسل: "كنت دائما أبكي وأسأل في داخلي، من سيؤذن في أذن ولدي عمه أم خاله؟ ولماذا لا يكون والده؟".

وبعد ربع ساعة فقط من ولادة "أويس"، كان الاتصال من "أحمد" مباشرة، وقد أذّن بالفعل عبر الهاتف في أذني طفله تصف هذه اللحظة: "فرحة لو انتهى عمري ما سألت بعدها، وقد أكرمني ربي بهذا المشهد".

وها هو "أويس"، يكبر ليصبح بعمر العامين، فترى فيه والدته حبيبها الأسير، وتقول: "أرى أمامي أحمد، أراه في كل تفاصيله، يشبهه تماما، أحدث ابني كما كأني أحدث أحمد، وفي كل مرة تخونني الدموع".

يُشار إلى أن عشرات الأسرى الفلسطينيين تمكنوا من إنجاب أطفال عبر تهريب "النطف" من أسوار السجن إلى زوجاتهم خارجها، وسُجلت أول حالة ولادة، عبر "النطف المهربة"، عام 2012، للمعتقل عمار الزين، من نابلس.

ولاقت الفكرة استحساناً مجتمعياً وشعبياً، واعتبرها الفلسطينيون فصلاً جديداً من النضال والتحدي للاحتلال الإسرائيلي وسياساته، كما أُسندت بفتوى شرعية لم تخلُ من اشتراطات مُعينة لإباحتها.