الساعة 00:00 م
الخميس 28 مارس 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.65 جنيه إسترليني
5.19 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
3.98 يورو
3.68 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

"أي وصف لن يعبر عمّا عشناه".. شهادة مروّعة على إبادة غزة ترويها نور حميد

بالصور التجوال عبر "البسكليتات" بالقرى المقدسيّة المُهجّرة.. حُلم "تسنيم" صار حقيقة

حجم الخط
مسارات ثقافية بالقدس
فرح البرغوثي - وكالة سند للأنباء

"ولنا بلاد لا حدود لها"، من عِمق هذه الكلمات التي قالها الشاعر الراحل محمود درويش عن وطنه فلسطين، يعيش رواد المسارات في مدينة القدس معانيها واقعًا؛ بهدف التعرّف إلى تاريخ القرى المقدسيّة المُهجّرة، والتواصل معها.

واحدة من هذه المسارات، يشقّ فيها السيّاح عبر الدراجات الهوائية، طرقًا ترابية بالقدس وشوارعها القديمة، يجوبون في أروقة الطبيعة الخلابة من أشجار وجبال ووديان، يتعرفون على الأماكن التاريخية بالمدينة وقراها المسلوبة، يوثقون ما تراه أعينهم والحسرة تأكل قلوبهم، على أمل أن تعود الأرض لأصحابها ذات يوم.

الشابة المقدسية تسنيم عباسي (23 عامًا)، المسؤولة عن تنظيم المسارات بالدراجات الهوائية، تقول لـ "وكالة سند للأنباء" إن الفكرة حضرت لذهنها قبل عامين لكن دون أن يكون لديها أي خطط، أو حتى معدّات خاصة لتحويلها إلى واقع.

وتُشير إلى أن فكرة تنفيذ المسارات عبر الدراجات الهوائية، جاءت من حبّها لركوب "البسكيلت"، حيث كانت تستأجر واحدًا وتتجوّلُ بواسطته في شوارع المدينة المُقدّسة.

وتستطرد "عباسي" وهي مُعلّمة تربية رياضية: "بينما كنت أسير في شوارع القدس بالبسكليت، شعرت أن تنظيم المسارات والتعرّف على قرانا المهجرة، لن يكون صعبًا، وأن هذه الدهشة التي أعيشيها في كل جولة عليّ أن أشاركها مع الناس، وبالتالي قد يكون لي مشروعي الخاص في هذا المجال".

وقبل نحو عام، بدأت ضيفتنا بتنظيم مساراتٍ عبر "البسكليتات" إلى القرى المقدسيّة المُهجّرة، برعاية مجموعة "البهاء" الشبابية، والتي تُسدي إليها الفضل في دعمها ومساعدتها؛ لتحويل فكرة مشروعها إلى واقع.

B3C59DEE-FA21-4680-A2FA-5EF4B2134082.jpeg
 

تهدفُ "عباسي" عبر مشروعها لـ "التركيز على القرى المقدسيّة المُهجّرة والتعرّف عليها، ووضع بصمة الشباب فيها، في رسالةٍ لأهلها في الشتات على ثباتهم في أرضهم، وعدم تركها وحيدة حتى لا يُحقق الاحتلال أهدافه في طمسها ونسيانها".

أما الهدف الآخر من المسارات، فهو من أجل ترسيخ فكرة المشي والرياضة والترفيه عن المقدسيين في ظل ما يتعرضون له من تشديدات ومضايقات إسرائيلية متواصلة ومتصاعدة، وفق ما تحدثت به "عباسي".

ونوّهت إلى أنها نفذت حتى الآن 10 جولات، أيام الجمع، بمشاركة 20 شخصًا في كل جولة، غالبيتهم من فئة الشباب.

وتحكي "ضيفة سند" بنبرةٍ سعيدة عن تفاعل الناس مع جولاتها وفعالياتها: "منذ اللحظات الأولى التي أعلنت فيها عبر منصات التواصل الاجتماعي عن فكرتي، لاقت إقبالًا واسعًا، استحسان الكثيرين، خاصة فئة الشباب".

واعتبرت، قدرتها في الوصول لفئة الشباب الذين تتجاوز أعمارهم الـ 18 ونيل ثقتهم، إنجازًا، مردفة: "هذه الفئة لديها القدرة على القيادة بأمان وراحة، ومن أجل نشر فكرة ممارسة الرياضة وزيارة القرى المُهجّرة في هذا الوسط".

وتزيد: "في مرحلة الشباب، نادرًا ما نجد أناس تمارس الرياضة، أو تهتم بزيارة الأماكن المهجّرة والتعرف عليها عن قرب، وتوثيق تاريخها، فهم يذهبون أكثر إلى المطاعم والمولات والأماكن الأكثر رفاهية (..) بلادنا جميلة، لماذا لا نحضر إليها ويكون لنا بصمة جميلة فيها".

F28D5190-5966-4AB0-9FB3-B8A601DE0359.jpeg
 

وبعد نجاح المسارات في عامها الأول بمساعدة مجموعة "البهاء"، تحوّل حلم "عباسي" إلى حقيقة، حيثُ من المقرر أن تُطلق يوم الخميس القادم (29 أيلول/ سبتمبر)، مجموعتها الخاصة تحت اسم "Bike&hike"، بواسطة دراجاتها الخاصة.

وتعبّر عن حبّها لمشروعها، بالقول: "أريد أن أزرع فكرة أنني عندما أقود دراجتي أشعر كأنني أطير، ويمنحني ذلك طاقةً إيجابية كبيرة (..) أريد أن يشعر الجميع بهذه الرياضة والترويح النفسي، مقابل رسوم رمزية ومناسبة".

وعند سؤالها عن فعالياتها وأنشطتها القادمة، تُجيب: "سيتخلّل الجولات أنشطة تستهدف القدرات العقلية، والتفاعل بين الأعضاء، وعرض النار، والفرق الموسيقية، ووجبات إفطار، هناك خُططٌ كثيرة سأُنفّذها عندما يبدأ المشروع خطوةً خطوة".

وتفكر "ضيفتنا" أيضاً بتفعيل مبادرة "تُشرق الشمس قبلي"، التي كانت أحد أعضائها قبل انتشار جائحة "كورونا"، حيثُ ترغب بتنظيم جولات إلى القرى المُهجّرة قبل شروق الشمس، بواسطة "البسكليتات".

أما عن التحديات التي واجهتها، تُبيّن أنها حاولت مرارًا خلال العامين الماضيين، توفير دراجات هوائية خاصة بها، بسعرٍ جيد وجودةٍ جيدة، حتى استطاعت أخيراً توفيرها بفضل الله وبمساعدة مجموعة "البهاء"، أما العائق الآخر، فهو "وجود بعض الأشخاص الذين يعارضون فكرة قيادة الفتاة للدراجة".

وتطمحُ "عباسي" بتوسيع مشروعها الخاص من العاصمة وقِبلة القلوب القدس، وصولاً إلى كافة القرى المُهجّرة في أرجاء الوطن، خاتمةً حديثها: "مشروعي سوف ينجح ويصل إلى كل قرى فلسطين وأماكنها المسلوبة".

إلى ذلك، يقول المقدسي حاسم عليان، أحد أعضاء مجموعة "البهاء" الشبابية، إن السبب الذي دفعهم لدعم مشروع "عباس" ومساعدتها على تحقيق حلمها، هو "الضيق الذي يعاني منه المقدسيون"، فهم يسعون إلى الترويح والترفيه عنهم بشتى السُبل.

ويُوضح "عليان" لـ "وكالة سند للأنباء" أن "شباب القدس يواجهون ظروفًا صعبة للغاية من جميع الاتجاهات، وأحلام كل شاب في هذه المدينة، هي بمثابة المتنفس الوحيد له، لذا كان واجبًا علينا دعم تسنيم والوقوف إلى جانبها حتى تحقق ما تصبو إليه".

"ترويحٌ نفسي واكتشاف البلاد"..

ويُشارك في المسارات التي تُنظمها تنسيم عباسي العديد من الشباب المقدسي، حيث يكتشفون إرث أجدادهم وهويتهم، بالإضفة إلى ممارستهم الرياضة والتعرّف على بعضهم البعض وسط أجواءٍ تُوصف بـ "المُميزة واللطيفة".

الشابة مرح قرش، تتحدث عن مشاركتها في هذه إحدى هذه الجولات: "اكتشاف المدينة وحده شيء رائع وجميل، فكيف عندما يكون اكتشافها عن طريق الرياضة وركوب البسكليت (..) إنها أجواء خاصة ومميزة يتخلّلها الكثير من التفاصيل الجميلة والمفيدة على الصعيد البدني والفكري".

وفي حديثها مع "وكالة سند للأنباء" تصف "قرش" تجربتها وعلامات السعادة ترتسمُ على وجهها: "اكتشفنا المنطقة عبر البسكليت، وكانت التجربة تحملُ الأمان، وسط حمايةٍ تامة ولباسٍ مناسب، وعلامة تدلّ على أننا جميعًا مجموعة واحدة، وهناك استراحات".

وعن رغبتها بالمشاركة في الجولات القادمة، ترد: "لا يوجد لديّ أيّ مشكلةٍ من المشاركة مستقبلاً، خاصةً إذا كانت هذه المسارات في مناطق مختلفة من ربوع الوطن".

FCD560B2-8334-4AA1-852D-9D021F931CDE.jpeg
 

كذلك المقدسي علاء أبو سنينة، يحكي عن تجربته بالجولات، قائلاً: "كان اختيار المساء كوقت لتنفيذ المسارات مميزًا، بالإضافة لوجود التزام بالوقت والخطط المعدّة سابقًا للمسار"، مشيرًا إلى أن أسعار المشاركة "رمزية وتُناسب الغالبية".

ويُضيف "أبو سنينة" لـ "وكالة سند للأنباء" "روح الفريق الواحد، حاضرة في المسار، وهناك كان تعليمات مستمرة حول كيفية تعاملنا مع البسكليت بأمانٍ وراحة، ومرشد يلازمنا طوال المسار ويعالج أيّ خللٍ ممكن أن يحدث معنا"، لافتًا إلى أن ذلك كله يدفعهم لتكرار التجربة مستقبلًا.

يُذكر أن الفلسطينيين بدأوا رسميًا عام 2000 بتنظيم المسارات إلى أماكن فلسطينية مهجورة أو مسلوبة سواءً كان ذلك بالضفة الغربية أو القدس أو الداخل الفلسطيني المحتل، كأحد أنواع السياحة الداخلية؛ بهدف التعرف عليها أكثر، وإيقاد جذوة الأمل في دوخلهم بأن هذه الأرض على موعدٍ مع التحرير ولو بعد حين.