الساعة 00:00 م
الجمعة 03 مايو 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.67 جنيه إسترليني
5.26 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4 يورو
3.73 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

عدنان البرش .. اغتيال طبيب يفضح التعذيب في سجون الاحتلال

أطفال غزة يدفعون ثمن الأسلحة المحرمة

"خمسة آلاف يوم في عالم البرزخ"..

خاص بالصور والفيديو حياة أقرب للموت.. مذكرات يروي تفاصيلها الأسير حسن سلامة

حجم الخط
حسن سلامة
رام الله- فرح البرغوثي- وكالة سند للأنباء

حياة أقرب لعالم الأموات، عاشها رجل في زماننا هذا، وكأنه في عالم البرزخ طيلة خمسة آلاف يوم، قُطِع فيها عن العالم، وحُرم من أبسط مقومات الحياة، لكنه تشبث بالأمل، وأمسك قلمه مرة تلو أخرى ليسيل بسردٍ تفصيلي للمشاعر، ومذكرات لن تمحى من ذاكرة كل من عاشها واقعًا، أو سردًا في طيّات كتاب.

224 صفحة، كتبت بمداد الألم، ورويت بدموع الحنين، وتجمّلت بالصبر ويقين الفرج، خطّها الأسير القائد حسن سلامة، لتبقى شاهدة على ما عاشه هو ويعيشه كل أسير في العزل الإنفرادي في سجون الاحتلال، حملت عنوان "خمسة آلاف يوم في عالم البرزخ".

ويحلق "سلامة" بأحلامه وذكرياته متجاوزاً ضِيقَ المكان وأسلاكه الشائكة، ليتحدّث بين طيّات كتابه عن المعركة الشرسة التي يخوضها الأسرى مُجرّدين من كل شيء، إلا من إيمانهم بالله وعدالة قضيتهم؛ من أجل انتزاع ما يمكن انتزاعه من حقوقهم، ليتمكن أخيرًا من إخراج آخر كلماته من كتابه إلى النور رغم أنف السجان.

حسن سلامة 5.jpg
 

واعتُقل "سلامة" الذي يعد من أبرز قادة الحركة الأسيرة، في 17 مايو/ أيار 1996، على حاجزٍ عسكري مفاجئ أقامته قوات الاحتلال في مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية، وحُكم عليه بالسجن المؤبد 48 مرةً بالإضافة إلى 35 عاماً، قضى منها نحو خمسة آلاف يوم في زنازين العزل.

إبداعٌ من رَحمِ السّجن..

وفي حفل أقيم في مركز "البيرة لتنمية الشباب والطفولة" التابع لبلدية البيرة، مساء أمس الأحد 13 تشرين الثاني/نوفمبر، أطلق مركز "بيت المقدس" وبلدية البيرة الكتاب، في مشهدٍ من مشاهد الإبداع الفلسطيني المُوثّق بألم المعاناة والصمود بين الحياةِ والموت.

وحضر حفل الإطلاق رئيس بلدية البيرة إسلام الطويل، والكاتب والمفكر أسامة الأشقر، والوزير السابق ومدير المكتبة الوطنية عيسى قراقع، والمؤرخ والكاتب عوني فارس، وخطيبة الأسير "حسن سلامة" الصحفية غفران زامل، وجمع من المهتمين والأدباء.

تقول خطيبة الأسير، الصحفية غفران زامل إن فكرة هذا الكتاب جاءت عقب ارتباطها بخطيبها "حسن"، كضرورةٍ مُلحّة للحديث حول واقع ومعاناة الأسرى المعزولين، وعن المرحلة الصعبة التي يعيشونها في حياةٍ أقرب للموت.

وكانت "غفران" قد ارتبطت مع "سلامة" وهو خلف قضبان السّجن عام 2010، ومنذ ذلك التاريخ حتى يومنا هذا، وهي تُحرم من زيارته بحجّة "المنع الأمني".

وتُشير "غفران" إلى أن مسيرة الكتابة استغرقت سنواتٍ طويلة؛ لأن الأسرى المعزولين يُحرمون من زيارة عائلاتهم أو التواصل معهم، حيثُ كانت الزيارة تتم فقط عن طريق مؤسسة الصليب الأحمر، مرةً واحدةً فقط خلال كلّ شهرين أو ثلاثة شهور.

وتضيف: "كانت الرسالة تأخذُ وقتاً طويلاً حتى تصلني، من ثُمّ بدأتُ في عملية تفريغ الكتاب ومحتواه، وعقب خروج حسن من العزل، أتمَّ كتابة الأجزاء الأخيرة منه، حتى صَدَرَ ورأى النُور بفضل الله تعالى".

كتاب حسن سلامة.jpg
 

"وثيقةٌ تاريخية"..

وتلفت "ضيفة سند" إلى أنّ الكتاب يتحدّث في سردٍ تفصيلي مُؤلم، عن أقسام العزل الانفرادي وطبيعة الحياة في هذه القبور الجحيمية، ومعاناة الأسرى اليومية فيها من بُزوغِ الفجر حتى نهاية اليوم".

كما يُسلّط الضوء على قصص الأسرى الذين يعانون من أمراضٍ نفسية، وعوضاً عن الاعتناء بهم وتقديم العلاج لهم، يزجّهم الاحتلال داخل زنازين العزل التي تفتقرُ لمقومات العيش الآدمي.

وتروي والدموعُ تحتبسُ في عينيها، أن إدارة السجون كانت تقتحم زنزانة خطيبها، وتُصادر ما خطّه من كلمات، ليضطر إعادة كتابتها مرةً تلو الأخرى، بقلبٍ مكلوم، وقلمٍ ممزوجٍ بالمعاناة.

وتزيد بصوتٍ حزين: "كان حسن يعيشُ الألمَ مرتين، مرةً وهو يعيش هذا الواقع، ومرةً وهو يُدوّنه عبر هذه الكلمات".

وعند سؤالها عن الهدف من إصدار هذا الكتاب، تُجيب: "هذا الكتاب ليس للمطالعة؛ إنّما وسيلة بين أيدينا لنُغير هذا الواقع، لعلنا نكون سبباً لعدم تكرار المعاناة والمأساة للأسرى، وأيضاً هو رسالة للمؤسسات الحقوقية والإنسانية لاستغلاله كوثيقةٍ تاريخية، وملاحقة هذا المحتل والتخفيف من الظُلم الذي يعانيه الأسرى".

"كلماتٌ بالدمِ والمعاناة"..

أما وزير شؤون الأسرى والمحررين السابق، عيسى قراقع، يُؤكّد في حديثه لـ "وكالة سند للأنباء" أن هذا الكتاب يُشكّل عقيدةً وفلسفةً إنسانية ونضالية، خطّها الأسير "سلامة" بدمِه ومعاناتِه وصبرِه، وسط الجحيم، والمنطقةِ المجهولة بين عالم الموت والحياة.

ويقول: "عندما قرأتُ هذا الكتاب أُصبتُ بالإجهاد (..) أتوقف وأتنفس، لم أستوعب بتاتاً أن كلّ هذا يحدث في عالم العزل، حسن يستحق منّا الاعتذار لأننا تأخرنا في إنقاذه، وتركناه 14 عاماً في حياةٍ أقرب للموت".

ويستطرد: "هذا الكتاب يحملُ فلسفةً صادقة، تحرّرت لتضعَ الحقيقة أمامنا جميعاً، لنكتشف بعد قراءته أننا جميعاً كُنا هناك؛ وأن ما عاشه حسن في الزنازين نعيشه نحنُ خارجها، بصورةٍ أخرى، حياة مخنوقة تبحثُ عن هواء الحُريّة".

حسن سلامة 3.jpg
 

ويرى "قراقع" في حديثه، أن الجلادين كانوا ينتظرون انهيار الأسير "سلامة"، وفقدانه حصانته الوطنية وذاكرته، وتمنيه الموت بأسرع وقتٍ مُمكن؛ لكنّه نجا من "جحيم" العزل الإنفرادي، وخلقَ عالماً اجتماعياً كما هو يريد، لا كما يريده السجّانون.

ويُبيّن أن "سلامة" انتصر بصبره على سياسة الاحتلال المُتعمّدة، التي تستهدف إجهاده ذهنياً ونفسياً نحو قناعته ومبدأه، وتحطيم صورة الرمز البطل من أعماقه، وتحويله لمجرد "جُثة"؛ لإيصاله لحالة الاستسلام.

ويشير في ختام حديثه إلى فلسفة الحُبّ، والدور العظيم الذي لعبته "غفران" في إحداث تحوّلٍ عميقٍ في حياة الأسير "سلامة"، مردداً بفخر: "لولا غفران لما كانَ حسن.. هي من أنقذته بعد أن كان بينه وبين عالم الموت خطوةً واحدة بعد أن زرعت بداخله الأمل من جديد".

يُذكر أن الأسير "سلامة" أصدر كتاباً يتضمن تفاصيل تنفيذ عمليات الردّ على اغتيال المهندس يحيى عياش، وهو داخل السجن، وقد رأى الكتاب النور قبل عدة سنوات، والذي حمل عنوان "عمليات الرد المقدس على اغتيال الشهيد المهندس يحيى عياش".