الساعة 00:00 م
الأحد 28 ابريل 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.84 جنيه إسترليني
5.4 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.1 يورو
3.83 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

جيش الاحتلال يُعلن مقتل "رائد" شمال قطاع غزة

فلسطيني يحول موقعاً عسكرياً مدمراً إلى مسكن لعائلته النازحة

والدها ملهمها بالصبر..

خاص بالصور والفيديو الاعتقال الإداري.. جرحٌ يستنزفُ عُمر الصحفية بشرى الطويل

حجم الخط
بشرى الطويل
رام الله- فرح البرغوثي- وكالة سند للأنباء

لا تستطيع الصحفية الفلسطينية بشرى الطويل التقاط أنفاسها وإعادة ترتيب حياتها العملية، جرّاء الاستهداف الإسرائيلي الدائم لها، فما أن ينتهي اعتقالها الإداريّ الأول، حتى يعودُ الاحتلال ويسلبُ حُريتها مرةً أخرى، ويزجّها خلف زنازينٍ تُقدمُ أصنافاً شتى من العذاب.

أكثر من أربعِ سنواتٍ مُتفرقة نَهَشَتها السجون من عُمرِ المُحررة الطويل (29 عاماً)، من محافظة رام الله والبيرة، وسط الضفة الغربية، بعد أن بدأت حكاية معاناتها مع سيف الاعتقال الإداريّ لأول مرةٍ عام 2011، ولم تكن حينها قد أكملت 18 عاماً.

وفي الواحد والعشرين من آذار/ مارس الماضي، اعتُقلت "الطويل" على حاجز "زعترة" العسكري جنوبي مدينة نابلس، وحُوّلت للاعتقال الإداري لـ 9 أشهر، تعرّضت خلالها للعزل في سجن "الدامون" لأيام، كما حرمتها إدارة السجون من "الكانتينا" والزيارات.

وتقاسمت "بشرى" معاناة الأسر مع والدها، القيادي بحركة "حماس" والأسير المحرر جمال الطويل، فكان ملهمًا لها بالصبر، ومصدر قوتها، وجبل تستند عليه وتستمد من عزيمته ما يخفف عنها وطأة الاعتقال.

وفي الحادي عشر من كانون أول/ ديسمبر الجاري، عانقت "بشرى" حُريتها، وكانت هذه المرة الثانية التي يستقبلها والدها برفقة عائلتها بين أحضانه، في مشهدٍ تملأه دموع الفرح والاشتياق.

بشرى 3.jpg
 

"شريطٌ مُؤلم"..

تصفُ "بشرى" لـ "وكالة سند للأنباء" تجربة اعتقالها الإداري الأخيرة بأنها "صعبة ومؤلمة"، خاصةً عندما يُعاد شريط ما قاسَتهُ من وَيْلاتِ الاحتلال وعنجهيته، لمرتين متتاليتين خلال أشهرٍ معدودة، في قبر بأقفاصٍ حديدية مُغلقة، تحت ظروفٍ مأساوية يصعبُ وصفها.

وتقول: "عندما تم اعتقالي كان قد مضى على الإفراج عني فقط 4 شهور، بعد 11 شهرًا من الاعتقال الإداري، وكنت لا زلتُ أستقبل المُهنئين بسلامتي، وأحاول ترتيب أموري من أجل العودة إلى عملي الصحفي الخاص".

وبصوتٍ يشوبه الألم تزيد: "أن يُعاد اعتقالي فجأةً عَبرَ حاجز زعترة هذا أمرٌ مؤلمٌ وصادم (..) البعض يقول إن من تَتَكرر اعتقالاته فهو يعتاد على ذلك، ولكنّ نحنُ لم نعتد ولا نُريد أن نعتاد؛ العودة إلى الزنزانة أمرٌ صعب، وأن يكون هناك قرارٌ من "الشاباك" بأن يتم عزلك أيضاً صعب، أما نقلك إلى القسم الأمني للأسيرات فهذا قصةٌ أخرى".

لم يكن سهلاً بالنسبة لـ "الطويل" اعتقالها الإداري مرةً تِلوَ الأخرى، وابتعادها عن أحضان عائلتها وعملها الصحفي، لكنّها لا تعرفُ سوى القوّة والصَبر وحُبّ البلاد، وتتشبثُ بخيوطِ الأملِ والحُريّة متجاوزةً ضِيقَ المكان وأسلاكه الشائكة.

وتمضي: "صحيحٌ أننا في مُعتقلٍ كبير في الضفة، لكنّ الزنزانة الصغيرة أصعب (..)، الاعتقال من أكثر الابتلاءات صعوبةً؛ ولكنّ هذه التجربة تعود للشخص إن كان يُريد أن يجعلها إيجابية أو سلبية، ولا يمكن أن نرضى لأنفسنا أن تطغى السلبيات على الإيجابيات".

بشرى 2.jpg
 

أوقاتٌ في "الدامون"..

تسعة أشهرٍ قضتها ضيفتنا ساعيةً ألّا يُحاصرها السجّان بين أربعةِ جدران، أَمسكت بين يديها بالأوراق والأقلام وواصلت تدوينَ المقالاتِ الصحفية، كما استغرقت ساعاتٍ عديدة بين طيّات الكُتب التي كانت تُلخصُها وتُناقشُها مع الأسيرات.

تعودُ "الطويل" بذاكرتها إلى الأيام الكثيرة التي جمعتها مع الأسيرات، وتقصّ: "كان لدينا أوقات أسبوعية نلتقي خلالها جميعاً في مكانٍ مُحدد في القِسم، ونتحدثُ ونُناقشُ أحد الكُتب، وهناك مَنْ تعرِض كُتباً مُعينة تنصحُ بها أخواتها بالقراءة، إضافةً لمناقشة الوضع العام الخارجي السياسي، خاصةً في ظلِ تصاعد عمليات الاعتقال والقتل المُتعمد".

وتلفتُ في حديثها إلى الحالة النفسية الصعبة التي تُعاني منها أربع أسيرات، وسط الإهمال الطبيّ المُتعمد الذي تُمارسه إدارة السجون، ومحاولة بقية الأسيرات التخفيف عنهنّ والاهتمام بهنّ.

وعند سؤالها عن ظروف الأسيرات خلف القُضبان، تُجيب: "إدارة السجون تتعاملُ مع الأسيرات كنقطةِ ضعف للأسرى؛ إن أردنا أن نستجثّ الأسرى نستجثّهم بالأسيرات كما حدثَ خلال القمع الأخير نهاية العام الماضي 2021، حيثُ كانت ردود الفعل قوية على الإدارة".

ذلك إضافةً إلى ما تُعانيه الأسيرات من ظروفٍ معيشية صعبة، تفتقر لمقومات العيش الآدمي؛ حيثُ يُحرمن من إدخال الملابس والاحتياجات الأساسية والأدوية، ويُعانين بشكلٍ متواصل من محاولة إدارة السجون سحب الإنجازات وتقليص مُدّة الفورة وأصناف "الكانتينا"، تبعًا للمحررة "بشرى".

أما عن رسالتهنّ التي يُبرقن بها من خلف القضبان، تُحدثنا: "أنهنّ صابرات، ويُطالبن بالحُريّة، والاهتمام بقضيتهنّ بشكلٍ دائم".

بشرى 1.jpg
 

"والدي ملهمي بالصبر"..

وعن حكايتها مع والدها القيادي جمال الطويل، والذي قد تحرر من سجون الاحتلال يوم 28 تشرين ثاني/ نوفمبر الماضي، بعد أكثر من عامٍ في الاعتقال الإداري، تحدثنا "بشرى" بنبرة حزينة "منذ عام 2013، لم تتجاوز الأيام التي جمعتني بوالدي الـ68 يوماً بسبب الاعتقالات المتكررة".

وتضيف: "البُعد والحرمان لم يمنعني من الاقتداءِ والتأثُّر بوالدي، وبما يحثنا عليه من دروسٍ عظيمة في الحياة"، مردفة: فالأوقات التي جلستُها مع والدي بعد أن وَعيت أكثر على الظروف التي نتعرّض لها هي ساعاتٌ معدودة، ولكنّ الكثير من الناس يُحدثونني عنه وعن صفاته".

وتُسهب في حديثها، أنه كان دائماً أثناء تواصله معهم وهو خلف القُضبان، يحثّهم على الثباتِ والصبر والرِضا بقضاء الله وقدره، وعدم التذمرِ أو الجزعِ من تجارب الحياة.

وتُكمل بنبرةٍ مليئة بالفخر: "كل هذا كان يزيدُ من معنوياتنا ثباتاً ورضاً على ما نحن عليه (..) التجارب القوية بالثبات والصبر والتأني لم أستفد منها فقط من الكُتب؛ إنّما من أكبر مصدرٍ للتوعية، وهو والدي، الحمد لله".

وماذا عن لحظة الحرية؟ تصمتُ "بشرى" قليلاً وتُرددُ بعد تنهيدةٍ عميقة: "هذه المرة الثانية التي يكون فيها والدي باستقبالي، بعد عام 2011، إنه أجمل شعور وأكبر من الوصف، حاولتُ قدر الإمكان أن أتمالك نفسي لكن دون جدوى، وانهالت دموعي عندما رأيته".

وتقول: "شعور الحرية أثمن شيء ممكن أن يحصل عليه كافة الأسرى والأسيرات، فهي تخرجهم من ظُلماتِ السجن إلى نورِ الحياة، بعيدًا عن القيود وكاميرات المراقبة والسجّان وأساليبه القاهرة".

أما عن رسالتها، اختتمت مرددة: "في السنوات الأخيرة أصبح الاحتلال يشنّ حملات الاعتقال دون أيّ تفكير، إضافةً لمحاولة اجتثاث الإعلاميين الأحرار الذين يتحدثون عن معاناة وآلام شعبهم؛ ولكن صاحب الحق سينتصر ولو بعد حين، ولا يمكن أن تنحني منّا العزائم".

والاعتقال الإداري قرار حبس بأمر عسكري إسرائيلي بزعم وجود "ملف سرّي" للمعتقل دون توجيه لائحة اتهام، ويمتدّ 6 أشهر قابلة للتجديد مرّات عديدة.

وحاليًا ما زال 4700 أسير وأسيرة يقبعون في سجون الاحتلال الإسرائيلي ، بينهم 34 أسيرة، و150 طفلاً وقاصراً، و835 معتقلاً إداريًا"، بحسب معطيات نادي الأسير.