الساعة 00:00 م
الجمعة 26 ابريل 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.76 جنيه إسترليني
5.37 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.08 يورو
3.8 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

جيش الاحتلال يُعلن مقتل "رائد" شمال قطاع غزة

فلسطيني يحول موقعاً عسكرياً مدمراً إلى مسكن لعائلته النازحة

أحكام طويلة ومحطات فارقة.. أسرى المؤبدات من يدري بمعاناتهم؟

حجم الخط
الأسرى المؤبدات.
نابلس - وكالة سند للأنباء

عامٌ آخر ينقضي من رزنامة الزمن الثقيل الذي نال فيه المغيّبون قسرًا داخل غياهب الزنازين، عذابات شتى وقمع متصاعد من سجّانهم وسالب حريتهم، ولا تزال معاناتهم الكبيرة تتواصل إلى أن يشاء القدر لهم بموعدٍ آخر مع الشمس!

شمس الحرية حجبتها "إسرائيل" بحكم "القويّ" عن 4 آلاف و700 إنسان فلسطيني داخل سجونها التي تصفها المؤسسات الحقوقية بالأسوأ على المستوى العالمي، من بين إجمالي الأسرى 552 أسيرًا صدرت بحقهم أحكام بالسجن المؤبد لمرة واحدة أو عدة مرات، أعلاها حكم الأسير عبد الله البرغوثي (67 مؤبدًا).

لكن فعليًا لا فرق بين أسير وآخر من هؤلاء؛ لأن جميعهم يشتركون في همٍّ واحدٍ يتمثل بالمعنى المرادف للمؤبد وهو "السجن مدى الحياة"، فحكم المؤبد يساوي 99 عامًا حسب القانون العسكري الإسرائيلي.

وضمن ملف "حصاد فلسطين 2022.. الثورة مستمرة" تُسلط "وكالة سند للأنباء" من جديد على قضية "الأسرى المؤبدات" ومعاناتهم التي تتصاعد وأملهم الذي لا ينقطع بالحرية حتى وإن انعدمت أسبابها على المدى القريب.

نائل البرغوثي مثالًا..

الأسير نائل البرغوثي يُعد أقدم أصحاب المؤبدات في سجون الاحتلال، وصاحب أطول فترة اعتقال في تاريخ الحركة الوطنية الأسيرة، حيث زادت عن 42 عامًا، منها 34 عامًا بشكل متواصل.

"البرغوثي" ولد عام 1957، واعتُقل للمرة الأولى عام 1978، حيث حُكم عليه بالسجن المؤبد و18 عاما، ورفض الاحتلال الإفراج عنه رغم مرور أكثر من صفقة تبادل والإفراجات التي تمت في إطار المفاوضات.

وتزوج "البرغوثي" عقب تحرره في صفقة التبادل عام 2011 من المحررة أمان نافع، إلى أن أعيد اعتقاله عام 2014.

وصدر بحقه حكما لـ 30 شهرا وبعد قضائه مدة محكوميته أعاد الاحتلال حُكمه السابق، إلى جانب العشرات من محرري صفقة تبادل الأسرى، الذين أُعيدوا إلى أحكامهم السابقة، وغالبيتهم يقضون أحكاما بالسجن المؤبد.

نائل البرغوثي.jpeg
 

تقول زوجته أمان نافع إن "السنوات الطويلة التي يقضيها الأسرى ومنهم أصحاب المؤبدات في السجون لا يمكن أن تمر دون أن يتخللها محطات مفصلية، سواء على الصعيد الشخصي للأسير، أو الصعيد الوطني لشعبه".

وتُشير "نافع" في حديثٍ مع "وكالة سند للأنباء" إلى أن الكثير من الأحداث السارة والمحزنة مرّت بها عائلته دون وجوده ومشاركته، إذ فقد خلال فترة اعتقاله الأولى والديه اللذين انتظراه طويلا، ولم يتمكن من وداعهما.

كما أنّ شقيقته "حنان" التي تركها طفلة عمرها 13 عامًا، خرج ليجدها جدة لعدد من الأحفاد، تحكي عن ذلك: "تخيّلوا أن يقضي إنسان حياته بكامل تفاصيلها ومراحلها داخل زنزانة ضيقة لا شمس فيها ولا هواء، فقط ظُلمة السجّان وقهره (..) أما موعد الخروج منها فلا أحد يعرف لأن رزمانة الانتظار أطول من عمر الإنسان".

وبعد إعادة اعتقاله، مرت أحداث جسيمة بالعائلة، بدأت باستشهاد ابن أخيه "صالح" مرورًا باعتقال شقيقه "عاصم" الذي حكم عليه بالسجن 4 مؤبدات، وهدم منزلين للعائلة واعتقال آخرين، ثم تكدست الأحزان في قلبه عندما عِلم بوفاة شقيقه عمر البرغوثي "أبو عاصف" في آذار/ مارس 2021.

وفي سؤالنا لزوجته "مَن الذي يُخبر الأسير نائل بكل هذه الأحداث" تُجيب: "عادةً ما ننقلها عبر المحامين أو زيارات الأهل".

وتتابع بنبرةٍ حزينة: "لا زلت أذكر ملامحه في أول زيارة له بعد وفاة شقيقه أبو عاصف، لقد بدا متأثرًا بشدة من وِقع الخبر، فهو بمثابة الأب والأخ والصديق لنائل وأن يفقده عقب غيابٍ قسري، ودون وداعٍ آخير، إنه لقهر لا يقدر عليه أحد".

نائل وشقيقه ووالدتهما.jpg
 

وتلفت إلى أنّ "نائل" لم يتمكن من الاجتماع بأخيه "عمر" خلال فتر حريته المؤقتة سوى 7 أشهر، بسبب ما تعرض له "أبو عاصف" من ملاحقة إسرائيلية تمثلت باعتقاله إداريًا أكثر من مرة.

أما على الصعيد العام الذي تمر به فلسطين وشعبها، تُورد أمان نافع أن زوجها يُتابع كل ما يجري ويتأثر به: "يشعر بألم مع كل شهيد يرتقي، وكل بيت يُهدم، وشاب يُعتقل أو يلاحق (..) يعرف ما يجري بالقدس واللاجئين في سوريا ولبنان، وهذه كلها هموم تُثقل كاهله".

وعن حلم نائل البرغوثي الذي لم يجد حتى اللحظة مخرجًا ليرى النور، فهو أن يكون "أبًا لأطفالٍ من صلبه، يسمع كلمة بابا ولو لمرّة واحدة، ثم يهنأ بلحظة استقرار وسكينة مصدرها عائلته الصغيرة".

ورغم كل ما يتعرض له الأسير "البرغوثي" في سجن "إيشل" من قمعٍ وعزل، إلا أنّ ذلك لم يمنعه من البحث عن النور وقهر السجّان، فقد حاز خلال اعتقاله على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة القدس.

وتصف أمان نافع معنويات زوجها بـ "العالية" مردفةً: "إنه يمضي وقته بالقراءة والتدريس ويمارس التمارين الرياضية، ويعيش حياته وكأنه سيطلق سراحه غدًا، ويتخيل بأن لحظة الحرية قادمة".

أمان نافع.jpg


وفي الرابع من ديسمبر/ كانون أول 2022 رغضت المحكمة العسكرية للاحتلال في عوفر الإفراج عن "البرغوثي" وقررت الإبقاء على سجنه مدى الحياة، لكنّه كان سعيدًا عندما نُقل إلى قاعة المحكمة، لماذا؟

تُخبرنا زوجته أن "رؤيته للقمر لأول مرة منذ فترةٍ طويلة هو سبب سعادته في ذلك اليوم، فهو لا يراه من زنزانته ولا من ساحة الفورة المظللة".

وبعث نائل البرغوثي عدة رسائل خلال سجنه أبرزها "لو أن هناك عالم حر كما يدعون، لما بقيت في الأسر حتى اليوم"، أما هذا العام فقد رفض توجيه رسالة في ذكرى اعتقاله (20 نوفمبر/ تشرين ثاني)، واكتفى بقوله "الصمت أبلغ".

وفي ختام حديثها معنا تُطالب زوجة "البرغوثي"، مصر كونها الراعية لصفقة وفاء الأحرار بـ "التدخل العاجل للإفراج عنه، والضغط بكافة الوسائل من أجل نيل حريته ورفاقه من الأسرى المُعاد اعتقالهم".

الأبّ صار جَـدّاً

ذكرنا سابقًا أن همّ الأسرى واحد، لكنّه بتفاصيل وأحداث مغايرة، فهذا عمّار الزِبِن، من مدينة نابلس، والمعتقل منذ عام 1998، يقضي أحكامًا بالسجن المؤبد 27 مرة، ويُكمل في يناير/ كانون الثاني الجاري ربع قرن في سجون الاحتلال.

وترى دلال الزبن زوجة الأسير "عمار" أن قصّته تُلخص حياة الأسرى القدامى وذوي المؤبدات والأحكام العالية وكيف سرقت السجون أعمارهم وحرمتهم من مشاركة عوائهم اللحظات السعيدة كباقي البشر.

كانت نبرة "دلال" مملوءة بالقهر حين قالت: "كل المحطات الأليمة والسعيدة في حياتنا وقعت خلال سنوات اعتقال زوجي عمّار، فوالدته استشهدت إثر مشاركتها بإضرابٍ عن الطعام تضامًا مع الأسرى عام 2004، ثم توفي والده، ولم يتمكن من وداعهما ما ترك أثرًا بالغًا عليه".

وحين دخل "عمار" الأسر كان أبًا لطفلتين: بشائر (عام ونصف)، أما بيسان ولدت بعد اعتقاله بثلاثة أشهر، والآن بعد مرور 25 عامًا يجد نفسه جدًا لثلاثة أحفاد.

تتحدث زوجته عن التفاصيل لـ "وكالة سند للأنباء": "عاشت بشائر وبيسان معًا لكن بعيدًا عن أحضان والدهما، فخلال سنوات اعتقاله دخلتا المدرسة ثم الجامعة، وتزوجتا وأنجبتا ثلاثة أطفال".

وتزيد: "في كل لحظة فرح، انتظار، حزن، كنّا نرقب عمّار من بعيد علّه يأتي ويشاركنا مناسباتنا التي تفتقد وجوده وكتفه الثابت، لكنّه قدر الفلسطيني".

زوجة عمار الزبن.webp
 

وفي 14 أغسطس/ آب لعام 2012، سُجلت أول حالة ناجحة لولادة طفل من النطف المهربة، للأسير "الزِبِن"، حيث أنجب طفله "مهند" ثم أعاد الكرّة بعد عامين بذات الطريقة، لينجب طفله الثاني صلاح الدين.

وتُشير "دلال" إلى أنها بدأت برفقة زوجها التفكير بـ "الإنجاب عبر النطف المهربة من عام 2006،  عندما اقترح "عمار" إنجاب شقيق يكون سندًا للعائلة ولـ "بشائر" و"بيسان"، خاصة بعد رحيل والديه.

وتعتقد أنّ لهذا الأمر "مردود إيجابي، فعندما يخرج الزوج من السجن، يجد أولاده أمامه مهما طال به الزمن في السجن، وهو ما سيدفعه للاستمرار في الحياة".

ويقبع عمّار الزِبِن حاليا في سجن نفحة الصحراوي، ويمضي جل وقته بالتعليم والتعلم والكتابة _والكلام لزوجته_ "يعكف حاليا على دراسة الدكتوراة بالعلوم السياسية بعد حصوله على شهادتي البكالوريوس والماجستير داخل الأسر، كما يشارك بتعليم اللغة العبرية والنحو العربي من خلال دورات تعقد للأسرى".

يُشار إلى أن "الزِبِن" كاتب وروائي صدرت له عدة روايات منها "عندما يزهر البرتقال"، "مِن خلف الخطوط"، "الزُّمرة"، و"الطريق إلى يافا".