الساعة 00:00 م
الجمعة 19 ابريل 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.72 جنيه إسترليني
5.35 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.04 يورو
3.79 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

تركونا وحدنا نُصارع الموت..

بالصور الإعلامي السوري محمد الفيصل يروي لـ "سند" مشاهد مؤلمة لكارثة الزلزال المدمر

حجم الخط
الإعلامي السوري محمد الفيصل
دمشق/غزة – إيمان شبير – وكالة سند للأنباء

"انقطع الأنين.. وانقطع الصوت الذي كان يُسمع من تحت الأنقاض، تأخرتم علينا".. جملةٌ مريرة أكبر من مفرداتِ اللغة التي تعجز عن وصفِ عذابات الشعب السوري الذي ذاق ويلات الحروب والنزاعات على مدار 12 عامًا، لتأتيه كارثة الزلزال الأليم وتزيد من بؤسه وتوصله إلى منتهاه.

وحدها سوريا التي تحاول استدعاء القوة بأظافرها وسط علامات القهر الذي يُحيط بها مِن كُلِّ صوبٍ وحدب، فتبتلعها ذاكرتها المليئة بالدم والدمار والكثير من الركام الجاثم فوق أهلها، تُحاول عبثًا لملمة أطرافها المُتبقية على قيدِ الحياة، لكن العجز أمامها كان يقف عائقًا أمام إمكانية إعادة روح الحياة للسوريين العالقين منذ سنوات.

ففي فجر السادس من فبراير/ شباط الجاري، ضرب زلزال تركيا وسوريا بلغت قوته 7.7 درجات على مقياس ريختر، أعقبه آخر بقوة 7.6، مخلفين أكثر من 45 ألف قتيل ونحو 90 ألف جريح حتى الآن.

من فوقِ الأنقاض مكان إقامته في ريف إدلب شمال سوريا إلى "غزة"، هاتفت "وكالة سند للأنباء" الإعلامي السوري محمد الفيصل الذي نقل للعالم حدث الزلزال أولًا بأول من الشمال السوري، وعاش لحظات الرعب والخوف تارة ولحظات الانهيار والبكاء والقهر مرات ومرات.

الفيصل 3.jpg
 

"تركونا وحدنا"..

يستهل الإعلامي "الفيصل" حديثه بتنهيدة حرَّى وصل من خلالها وعبر سماعة الهاتف آلامه الكبيرة، وصعوبة ما اختزنته ذاكرته عن أولى لحظات الكارثة: "الزلزال كان مُرعِبًا جدًّا، ولحظاته القليلة كانت كارثية على جميع الناس هنا، الأرض تهتز من تحتنا، وتُصدر أصواتًا قوية أشبه بصوت الرعد".

ويُكمل وصف المشهد: "في البداية، اختلط علينا الأمر وأصبحنا نتساءل هل الذي يحدث هو قصف أم زلزال، لكن أدركنا لاحقًا أنه زلزال قوي، اهتزَّ منه البيت والبناية كلها، وبدأت أغراض المنزل تسقط شيئًا فشيئا، وأسرعت نحو غرفة الأولاد لأخرجهم منها ونزلنا جميعًا إلى الشارع ثم ذهبتُ لتغطية الحدث".

ويُتابع حديثه بنبرةٍ مؤلمة: "توجهتُ إلى العمل، وصعقت من المشهد في قرية ترمانين بريف إدلب الشمالي، شاهدتُ أول خمس مبانٍ مدمرة والناس أسفل الركام تستغيث وتصرخ"، مُضيفًا: "صار عندي صراع نفسي بين مهنتي وعملي كصحفي، وهويتي كإنسان ومواطن سوري يعيش الوجعين في نقل الصورة ومعايشة الحدث، بكيت جدًّا ولم أخجل".

ويصف هول اليوم الأول من الزلزال: "لحظات مرعبة، الأبنية تنهار، الليل مظلم جدًّا، وانقطع التيار الكهربائي والإنترنت، فقط كُنا نسمع بكاء الناس من كُلِّ الأماكن"، مُستطردًا: "الصحفيون يمارسون المهنة بظروف صعبة وقاسية جدا دون كهرباء أو إنترنت وسط برد قارص وأمطار غزيرة".

حلب 2.jpg

"وسط قوافل المساعدات التي وصلت تركيا.. كان المعبر نحو المكلومين في سوريا مغلقًا، كيف كان شعوركم؟"، بعد صمت وتنهيدة يُجيبنا "الفيصل"، "المتنفس الوحيد لنا هو تركيا عبر معبر باب الهوى، ومع أول جريح بسوريا أغلقت تركيا أبوابها أمامنا؛ لأنها واقعة في مأساة والوضع عندها مُرعب، امتلأت المشافي والشوارع بالمصابين والجرحى، وأصبحت الناس تموت بالشوارع، واستُهلكت طاقتنا أمام هذا القهر".

ويُكمل، عائلات بأكملها تحت الأنقاض، والمأساة أكبر من حجم الإمكانات الضعيفة المتوفرة بسوريا، موضحًا أن المبنى يحتاج إلى 20 آلية ورافعة، وفي المنطقة لا يوجد إلا رافعة واحدة فقط، فالعجز قاهر جدًّا".

ويسرد، "أول خمسة أيام من الزلزال لم أرجع على البيت أبدًا، ولم أرَ أمي وزوجتي وأولادي نتيجة ضغط العمل، كانت الأماكن المدمرة في عدة مدن، وكنتُ أحاول التوجه لكافة المناطق المدمّرة وتوثيق الواقع فيها؛ لنقل الصورة الحقيقية وحجم الكارثة والمصيبة التي حلّت بأهل سوريا".

وفي سؤالنا "ما أصعب المواقف التي مررت بها أثناء عملك؟، يُجيبنا بصوتٍ مُتقطع، "في اليوم الثالث من الزلزال، انقطع أنين الناس تحت الأنقاض، هذا الصوت في الحقيقة هو مؤلم للجميع، لكنه كان لنا في منطقة الدمار "حياة وأمل"، كنا نسمع الاستغاثة والصراخ والبكاء، لكن الأنفاس التي كانت تدلُّ على بقايا حياة تحت هذا الرُّكام انقطعت تمامًا، تركونا وحدنا نُعاني العجز والقهر والظلم وأبشع أنواع الألم".

وبصوتٍ نحيب يقول: "الجميع تأخر علينا، ما فائدة المساعدات والجرافات بعد اليوم الثالث والرابع، لم نعد نحتاجها، طلبنا المساعدة بشكلٍ عاجل لنسابق الزمن في إنقاذ الأنفاس المتبقية على قيدِ الحياة، لم نعد نحتاجُ شيئًا الآن، فقط وحدنا نستخرج ضحايانا".

"نحنُ في سباق مع الزمن، وقتنا من دم"، بهذه الكلمات عبّر الإعلامي "الفيصل" عن لحظات إنقاذ الناس من تحت الأرض، واصفًا الفاجعة بأنها أكبر من الكلام، "كُنا نستغيث العالم لنجدة هؤلاء الذين نسمع أصواتهم، لكن لا أحد التفت لنا أبدًا".

ويقول "الفيصل": "في ذاكرتي مشهد عالق لا أستطيع تجاوزه، امرأة لم يظهر منها شيء إلا يدها تُحرّكها يمينًا وشمال وتصرخ بصوت مخنوق وفوقها جبل من الركام ولم نستطع إنقاذها".

ويصف مشهدًا آخر: "أخرجت فِرق الدفاع المدني رجلًا من تحت الأنقاض، لكنه رفض الذهاب إلى المشفى؛ حتى يبقى بجانب عائلته الموجودة تحت الركام، وحاول مِرارًا وتكرارًا إزالة الأحجار لكن لا جدوى حجم الركام والدمار أكبر من قدرته وجسده المنهك، وبقي جالسًا يرتجفُ من شدةِ البرد تارةً وتارة أخرى من الخوفِ على عائلته".

ويختم بكلماتٍ عاجزة، "ليس لنا إلا الله، العالم كله تركنا وحدنا نصارع الموت، خذلنا العالم، وخنقنا الركام والأنقاض، وعند الله تجتمع الخصوم".

ووفقًا لآخر البيانات الرسمية، فقد بلغ عدد القتلى في سوريا إلى 5840، إثر انتشال المزيد من الجثث من تحت أنقاض المباني المدمرة.

دمار سوريا 4.jpg

دمار سوريا 2.jpg

دمار سوريا 3.jpg

دمار سوريا 1.jpg