الساعة 00:00 م
الأحد 28 ابريل 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.84 جنيه إسترليني
5.4 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.1 يورو
3.83 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

جيش الاحتلال يُعلن مقتل "رائد" شمال قطاع غزة

فلسطيني يحول موقعاً عسكرياً مدمراً إلى مسكن لعائلته النازحة

بالصور مشاهد الزلزال الكارثي أصابت ذاكرة الغزيين: مآسي الحروب تُحاصرنا

حجم الخط
ذكريات غزي مع حرب مايو 2021
غزة – إيمان شبير – وكالة سند للأنباء

مشاهد مروعة أشبه بأهوالِ القيامة، توقفت خلالها آلة الزمن في المناطق التركية والسورية المنكوبة جراء الزلزال المدمّر قبل ثلاثة أيام، لا شيء إلا اهتزازاتٍ أرضية عنيفة جعلت الحياة رمادًا، ودفعت بالموت والتشريد إلى الأمام ليُصبحا سيدا الموقف، وسط صرخاتٍ استغاثة لاتزال تُسمع من تحت الركام حتى اليوم. 

ففي فجر السادس من فبراير/ شباط الجاري، ضرب زلزال تركيا وسوريا بلغت قوته 7.7 درجات على مقياس ريختر، أعقبه آخر ظهرا بقوة 7.6، مخلفين أكثر من 16 ألف قتيل ونحو 62 ألف جريح  حتى الآن، كما سوّيا آلاف المباني والمستشفيات والمدارس بالأرض وجعلا عشرات الآلاف بين مشرد ومصاب في كلا البلدين.

هذه المشاهد المفزعة، أعادت لأذهان الفلسطينيين في قطاع غزة صور الموت والدمار والبقاء لساعات طويلة تحت ركام المباني التي قصفت خلال الحروب التي شنها الاحتلال الإسرائيلي على القطاع المحاصر، في ظل صمت دولي أمام بشاعة المجازر التي ارتكبت هناك. 

شارع الوحدة.jpg
 

ومع توالي مشاهد انتشال العالقين من تحت الركام، يحبس الفلسطينيون ممن عاشوا التجربة ذاتها أنفاسهم، وألسنهم تلهج بالدعاء لمن هم تحت الركام ينتظرون ضوءًا من الخارج يعيد لهم الأمل بالحياة، آملين بأن تجد طواقم الإسعاف والفرق الدولية التي افتقدها الغزيون في الحروب، أكبر عدد من الناجين.

عشرات الفلسطينيين عاشوا تجربة الخروج من تحت الأنقاض، مكثوا ساعات طويلة بالقرب من جثث أحبتهم، في ظل شح الإمكانيات والمعدات اللازمة لإزالة الركام عنهم، منهم مَن مكث تحت الأنقاض أكثر من 10 ساعات وخرج على قيدِ الحياة بندوبٍ لا تندمل، ومنهم من أخذه الموت بعد لحظاتِ الرعب التي كانت تحت الركام.

ومع تواصل الإمدادات الدولية من كل دول العالم للمناطق المنكوبة من الزلزال، تمنى الغزيون الناجون من الحروب لو أن العالم وقف لجانبهم ومدّ لهم العون والإسناد، لا سيما مع استمرار الحصار منذ أكثر من 16 عامًا على القطاع ومنع إدخال الآليات والمعدات اللازمة لذلك.

مجزرة.jpg
 

وللاقتراب أكثر من حال العالقين تحت ركام منازلهم، هاتفت "وكالة سند للأنباء" أحد الناجين من الحروب الإسرائيلية على غزة في مايو/ أيار 2021، والذي مكث تحت ركام منزله 12 ساعة وفارق كل مَن كان معه الحياة، إلا هو بقي شاهدًا على موتهم؛ ليروي لنا مشاعر العالقين تحت الأنقاض.

"حبل نجاة"..

وفي مايو/أيار 2021، قصفت الطائرات الإسرائيلية منزل المواطن رياض أشكنتنا في شارع الوحدة وسط قطاع غزة، بشكلٍ مباشر دون سابق إنذار؛ وأسفر القصف عن ارتقاء جميع أفراد عائلته باستثناء طفلته سوزي (9 أعوام).

يقول أشكنتنا (44 عامًا)، "إن ما حدث في سوريا وتركيا، يُشبه تمامًا ما حصل معي بشكلٍ شخصي، عندما مكثتُ مع عائلتي تحت أنقاض منزلي لـ 12 ساعة، صدمة كارثية وشيء لا يصدقه العقل".

ويُكمل بصوتٍ نحيب: "أعيش الآن شعور مَن يرقدون تحت أنقاض البلدين، وأدرك معنى أن يكون الشخص بحاجةٍ لأمان من الخارج، أو إنارة بسيطة تُشعره أنه سيعيش وأن ثمة أمل قادم لإنقاذه".

ويُتابع: "الأمر صعب جدًّا عليهم، بعدما كانوا يُمارسون حياتهم بشكلٍ طبيعي، بلحظة واحدة انقلب كل شيء"، مُضيفًا: "أنا منذ بداية الزلزال وعقلي مُغيّب، أفكر بالذين يتمنون حبل نجاة ولا يستطيعون الوصول لأي شيء، يُهونون على بعضهم لكن مُحال الموت يُحاصرهم".

غزة في حرب مايو.webp
 

وعن شعور الأشخاص العالقين تحت الأنقاض، يتحدث: "الأشخاص تحت الركام يعيشون لحظات مُرعبة وذهول، لا يستطيعون التفكير بشيء سوى الموت، وسُبل الأمان مُنقطعة تمامًا عنهم"، لافتًا إلى أنّ أكثر ما يحتاجونه الآن هو صوت يسمعوه من أعلى الأنقاض حتى يطمئنوا أنهم أحياء".

وبصوتٍ مُتعاطف مع الشعبين السوري والتركي، يستطرد "ضيف سند"،"لا يكاد العقل تصديق ما يحصل، فالشعبين السوري والتركي يعيشون بوضعٍ إنساني قاسي، لا هواء، أو ماء أو طعام، فقط غبار الركام عليهم، والجدار يُطبّق على صدرهم".

طفلة من تحت الركام بغزة.jpg

غزة.webp
 

بعد تنهيدةٍ حزينة يستذكر أشكنتنا المقطع المتداول عبر مواقع التواصل الاجتماعي لطفلةٍ سوريّة خرجت من تحت الأنقاض تُخبر طواقم الإنقاذ بصوتها المرتجف: "أنا عايشة بس أهلي كلهم ميتين جنبي"، معقبًا: "عشت نفس شعور الطفلة، عندما خرجت وأخبرت الجميع باستشهاد زوجتي وأطفالي تحت الردم".

وافتقد قطاع غزة خلال الحروب أي دعم دولي أو إرسال أي فرق إنقاذ لمساعدة الطواقم في القطاع المحاصر بانتشال الشهداء أو البحث عن ناجين من تحت أنقاض الأبراج والبنايات السكنية التي قصفت.

ويُؤكد "أشكنتنا" أن غزة وسوريا تُشبهان بعضهما البعض، بالكوارثِ والأوجاع، وحتى الأنقاض التي تسقط على رؤوسِ ساكنيها، مشددًا على ضرورة التكاتف الدولي والعربي مع تركيا وخاصة أهل سوريا الذين يُعانون الحرب منذ 12 عامًا، ويعيشون أضاعًا مأساوية للغاية.

طعم الموت..

وفي متابعتها لأحوال المتضررين من الزلزال، رصدت "وكالة سند للأنباء" منشورات لأقرباء بالدرجة الأولى لأناسٍ لا زالوا تحت أنقاض المنازل في سوريا وتركيا.

الزلزال.webp

الشاب فادي حلبي من مدينة حلب بسوريا وعائلته في تركيا، كتب عبر صفحته الشخصية بفيسبوك منذ الساعات الأولى للزلزال: "تحت السقف الرابع أهلي وحبايبي.. أمي وأبي وأخي يمان وأخي يامن وزوجة أخي وأولاد أخي أحمد وجاد وتيم، وتحت السقف الثالث ابن عمتي وعائلته المكونة من خمسة أشخاص، تذللت وطلبت من الجميع المساعدة لأدخل تركيا وكون مع أهلي"، لكن دون جدوى.

وعلى مدار يومين تابعنا بصمت وقلق منشورات "حلبي"؛ لينشر أمس أنّ فرق الإنقاذ تمكنت من إنقاذ والده وأحد أشقائه، تحت أنقاض البناية التي يسكن بها 8 من أفراد عائلته و5 آخرون من أقربائه.

ثم كتب لاحقًا: "في ناس خبرونا عن خروج أهلنا ولحد الآن ما وصلنا لحدا منهم ويمكن تكون الأخبار غير صحيحة عن خروج اهلي كل حدا صار يقول شي وصار يتشبه وصار يكذب (..) الله لا يسامحكم".

 

في ناس خبرونا عن خروج أهلنا ولحد الآن ما وصلنا لحدا منهم ويمكن تكون الاخبار غير صحيحة عن خروج اهلي كل حدا صار يقول شي...

Posted by Fadi Al-halabi on Wednesday, February 8, 2023


ولا يختلف شعور الخوف أبدًا عن مشاعر أصدقاء الشاعر السوري مهند حليمة الذي لا يزال تحت الأنقاض، حيث كتبوا عبر صفحاتهم منشورات مختلفة، منهم مَن نعى "مهند" ومنهم مَن بقي على قيدِ الأمل.

الشاعر السوري أنس الدغيم كتب عبر صفحته الشخصية، "الشاعر مهنّد حليمة تحت الأنقاض حتى الآن، كان يردّ على الرسائل النصّيّة، وبعدها انقطع التواصل معه، فمن كان قريبًا من هناك فليخبرنا بشيء".

وبعد ثلاثة أيام على الزلزال، وحتى إعداد التقرير، كتب أحد أصدقاء مهند: "الصديق الشاعر مهند حليمة لا يزال تحت الأنقاض في زلزال تركيا.. دعواتكم عسى الله أن يخرجه سالمًا".

أما عدنان جان فقد تحدث في تغريدة له عن مأساة أحد أقاربه ممن غادروا إسطنبول إلى أنطاكيا قبل يوم واحد من وقوع الزلزال، لتموت الزوجة وينجو الأب مع أطفاله بأعجوبة.

وتُواصل فرق الإنقاذ في تركيا وسوريا لليومِ الثالث على التوالي، عمليات البحث عن عالقين تحت أنقاض آلاف المباني، بالتزامن مع وصول عشرات الطواقم الأجنبية وتوجّه آلاف المتطوّعين إلى المناطق المنكوبة للمشاركة في جهود الإنقاذ.