بعد مرور أكثر من عام على انطلاق "معركة طوفان الأقصى"، التي شكّلت نقطة تحول غير مسبوقة في المواجهة مع الاحتلال، حيث واصلت خلالها المقاومة الفلسطينية تنفيذ عمليات نوعية أعادت رسم مشهد الصراع.
ورغم مرور الزمن، لا تزال صور وذكريات الساعات الأولى محفورة في ذاكرة الجميع، حيث شهدت إطلاق 5000 صاروخ في 20 دقيقة فقط، وعمليات "تسلل" واشتباكات في عمق الأراضي المحتلة.
وقد أظهرت العمليات الأخيرة للمقاومة؛ قبل اتفاق التهدئة ووقف إطلاق النار، تطور أساليب المقاومة واعتمادها تكتيكات مبتكرة، فالمقاتلون نفذوا هجمات مركّزة على مواقع حساسة، واستهدفوا منشآت استراتيجية بدقة عالية باستخدام طائرات مسيّرة متطورة، ما أدّى إلى إرباك منظومات جيش الاحتلال، كما استطاعوا اختراق أنظمة الاتصالات وإحداث حالة من الفوضى داخل صفوف الاحتلال.
من شمال قطاع غزة إلى جنوبه، استمرت العمليات المركبة التي شملت استهداف الجنود في مواقعهم المحصنة وتدمير آليات عسكرية، في حين ظلّ الاحتلال يحاول التغطية على خسائره الحقيقية، إلا أن مشاهد العمليات الميدانية وثقت فشل محاولات جيش الاحتلال إحراز تقدم ميداني.
أبرز العمليات في محاور قطاع غزة..
9 ديسمبر/كانون الأول 2024
نفذت كتائب القسام هجومًا على شاحنات وآليات عسكرية إسرائيلية قرب مفترق الاتصالات غرب مخيم جباليا، ما أدى إلى خسائر كبيرة للاحتلال.
19 ديسمبر 2024، نفذت كتائب عز الدين القسام، عملية نوعية استهدفت 4 جنود إسرائيليين في مخيم جباليا شمال قطاع غزة المحاصر.
وقالت الكتائب في بلاغ نشرته على "تلغرام" إنه بفضل الله تمكن أحد مجاهدي القسام من طعن ضابط إسرائيلي وثلاثة جنود آخرين من نقطة صفر، حيث تم القضاء عليهم جميعًا واغتنام أسلحتهم الشخصية.
23 ديسمبر/كانون الأول 2024
تمكن مقاتلو القسام من طعن وقتل 3 جنود إسرائيليين كانوا في مهمة حماية مبنى تحصّنت فيه قوة إسرائيلية في بيت لاهيا، ثم اقتحموا المنزل وقتلوا كافة أفراد القوة، واختطفوا الأسلحة وأخرجوا المدنيين المحتجزين.
25 ديسمبر/كانون الأول 2024
وثقت كتائب القسام عملية قنص دقيقة لأحد جنود الاحتلال شرقي مخيم جباليا شمال غزة، أثناء اعتلاء 5 جنود لدبابة "ميركافا"، مما أسفر عن إصابة الجندي وفرار زملائه للاختباء.
27 ديسمبر/كانون الأول 2024
نفذّت كتائب القسام عملية مركبة شرق جباليا، حيث فجر أحد مقاتليها نفسه بقوة إسرائيلية مكونة من 5 جنود، مما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى، في حين تم قنص جنديين بالقرب من تل الزعتر في جباليا.
28 ديسمبر/كانون الأول 2024
بثت سرايا القدس مشاهد لاستهداف آليات الاحتلال في محيط مسجد العطار غرب رفح، والسيطرة على طائرة مسيّرة نوع "درون" في محور التوغل برفح، ما يعكس تطور التكتيك المقاوم.
30 ديسمبر/كانون الأول 2024
تمكنت كتائب القسام من تنفيذ عملية مركبة في مخيم جباليا شمال غزة، أسفرت عن مقتل 5 جنود إسرائيليين وإحراق دبابة "ميركافا" بمن فيها، فيما دمرت قذيفة "الياسين 105" ناقلة جند إسرائيلية في بيت حانون، ما أدى إلى مقتل وإصابة طاقمها.
3 يناير/كانون الثاني 2025
حققت كتائب القسام إنجازًا كبيرًا بتدمير 5 دبابات إسرائيلية باستخدام عبوات شديدة الانفجار في محور التقدم شرقي جباليا، بالإضافة إلى استهداف مروحية إسرائيلية من نوع "أباتشي" بصاروخ "سام" في مخيم البريج.
5 يناير/كانون الثاني 2025
نفّذت كتائب القسام وسرايا القدس عملية مشتركة، حيث اشتبكوا مع قوة إسرائيلية راجلة مكونة من 10 جنود باستخدام الأسلحة والقنابل اليدوية، مما أسفر عن سقوط عدد من القتلى والجرحى في صفوف الاحتلال.
8 يناير/كانون الثاني 2025
اشتباك عنيف بين مقاتلي كتائب القسام وجنود الاحتلال في جباليا أسفر عن مقتل 3 جنود إسرائيليين وإصابة ضابط، فيما تم استهداف دبابة "ميركافا" بقذيفة "الياسين 105" في المنطقة.
9 يناير/كانون الثاني 2025
واصلت سرايا القدس تنفيذ عمليات مركّبة، حيث استهدفت قوة إسرائيلية خاصة في مخيم جباليا، وتم تفخيخ منزل كان يتحصن فيه الجنود، كما نفّذت عملية أخرى في المنطقة، وتم رصد دخول الاحتلال إلى المبنى قبل تفجيره وسط تكبيرات المقاتلين.
11 يناير/كانون الثاني 2025
أعلن الجيش الإسرائيلي مقتل 4 جنود من لواء "ناحال" في معارك شمال قطاع غزة، بالإضافة إلى إصابة ضابط وجندي بجروح خطرة.
12 يناير/كانون الثاني 2025
نفذّت سرايا القدس عملية ناجحة استهدفت قوة إسرائيلية خاصة في مخيم جباليا، حيث تم تفخيخ منزل تحصّن فيه الجنود وتفجيره أثناء دخولهم الطابق الأرضي، كما استهدفت قذيفة "تاندوم" دبابة "ميركافا" في بيت لاهيا، مما أدى إلى إصابتها واشتعال النيران فيها، ما يشير إلى تفوق التكتيك المقاوم.
13 يناير/كانون الثاني 2025
تمكنت المقاومة من استهداف مبنى في بيت حانون شمال قطاع غزة، ما أسفر عن مقتل 3 جنود إسرائيليين وإصابة آخرين.
"مقاومة لم تتوقف"..
في اليوم الـ 227 من حرب قطاع غزة، نشرت كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، مقطعًا مصورًا لإطلاق صاروخ (سام 7) باتجاه مروحية للاحتلال من طراز (أباتشي) شرق مدينة جباليا شمالي القطاع، كما نشرت أيضًا مقطعًا مصورًا لقنص جندي في محور التقدم شمال شرق مخيم جباليا.
وأعلنت كتائب القسام عن تنفيذ العمليات التالية ضد قوات الاحتلال الإسرائيلية، دك قوات الاحتلال المتواجدة داخل معبر رفح البري جنوب القطاع بقذائف الهاون.
من جهة أخرى، أعلنت سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة "الجهاد الإسلامي"، عن قصف مغتصبات غلاف غزة برشقات صاروخية بالاشتراك مع كتائب الأنصار، كما نشرت مشاهد من إطلاق رشقات صاروخية تجاه سديروت من شمالي قطاع غزة.
وأعلنت سرايا القدس عن تنفيذ العمليات التالية ضد قوات الاحتلال: تفجير عبوة شديدة الانفجار في قوة راجلة في شرق رفح ووابل من قنابل (برق) المقذوفة المضادة للأفراد، مما أسفر عن مقتل وإصابة أفراد القوة.
وقصف تجمع لآليات الاحتلال في موقع الإدارة المدنية شرق مخيم جباليا بوابل من قذائف الهاون الاشتباك مع قوة راجلة ترافقها ناقلة جند قرب مسجد الشهيد عماد عقل بمخيم جباليا شمال القطاع، وإيقاع أفرادها بين قتيل وجريح، كما نشرت مشاهد لعملية "قنص قناص" متمركز في أحد المباني شرق مخيم جباليا.
أما كتائب شهداء الأقصى، فقد نشرت مقطعًا مصورًا لقصف تموضع جنود الاحتلال الإسرائيلي في محور "نتساريم" بصواريخ قصيرة المدى من نوع (107).
وأعلنت عن تنفيذ العمليات التالية ضد قوات الاحتلال: بالاشتراك مع كتائب الشهيد عبد القادر الحسيني، قصف تحشدات للجنود والآليات في محور التقدم شرق مخيم جباليا برشقة صاروخية من نوع (107).
وقصف التحشدات العسكرية والآليات المتوغلة شرق مدينة رفح، جنوبي قطاع غزة بوابل من قذائف الهاون العيار الثقيل. قصف تجمع للآليات والجنود شرق مخيم جباليا بقذائف الهاون (عيار 60) النظامي.
اعتراف المسؤولون الإسرائيليون ببسالة المقاومة..
في ظل التهدئة التي سادت الساحة العسكرية في قطاع غزة، بدأت التصريحات الإسرائيلية تكشف عن مدى القوة والتكتيك الذي أبدته المقاومة الفلسطينية في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية.
من بيت حانون إلى جباليا، واصلت المقاومة فرض معادلة ميدانية معقدة أذهلت القادة العسكريين الإسرائيليين، وعلى الرغم من محاولات الاحتلال إعلان الحسم في المناطق التي كان يعتقد أنه قد سيطر عليها، إلا أن المعارك الأخيرة أثبتت أن المقاومة لا تزال تمتلك القدرة على إحداث تغييرات دراماتيكية على الأرض.
تصريحات جنود الاحتلال أنفسهم أصبحت شاهدًا على هذه البسالة، حيث أشاروا إلى التقنيات المتقدمة التي استخدمها المسلحون في زرع العبوات الناسفة وتشغيلها عن بعد، فضلًا عن تكتيكاتهم التي أظهرت مهارة عالية في رصد تحركات القوات الإسرائيلية بواسطة كاميرات حرارية متطورة.
هذا الصمود المستمر أظهر أن المقاومة الفلسطينية، رغم التحديات الكبيرة، كانت تحتفظ بكامل قوتها في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية.
وأضاف الجنود أن التحركات الإسرائيلية كانت محاطة بمراقبة دقيقة من كاميرات حرارية تغطي 360 درجة في كل زقاق وكل تقاطع. وكان المسلحون يختارون أهدافهم بدقة، حيث يرصدون الحركة عبر الكاميرات، ويشغّلون العبوات الناسفة فقط عندما تقترب القوات العسكرية.
وفي تصريح ليوسي يهوشع من صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أشار إلى الحادثة الصعبة التي وقعت في بيت حانون والمعارك الشرسة في جباليا، موضحًا أن هذه العمليات قد سلطت الضوء على مشكلة رئيسية في الاتفاق الإسرائيلي تتعلق بالعودة إلى القتال.
وأضاف يهوشع أن الجيش الإسرائيلي فقد 55 ضابطًا وجندياً منذ أكتوبر 2024، بينهم 15 في الأسبوع الأخير فقط في بيت حانون، ورغم أن الجيش كان قد أعلن مسبقًا عن تحقيق الحسم في تلك المنطقة، إلا أن التطورات الأخيرة كشفت عن عكس ذلك، ما يعكس قدرة المقاومة على إعادة تشكيل موازين القوى.
من جهته، تحدث ألموغ بوكير من قناة 13 عن شهادات الجنود الذين شاركوا في المعارك في بيت حانون، حيث أشاروا إلى البيئة المعقدة التي خاضوا فيها المعركة.
أما المراسل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، يوآف زيتون، يعلق على الوضع بعد توقف الحرب قائلاً: "الجيش الإسرائيلي كان يقاتل في غزة دون هدف استراتيجي واضح وطويل الأمد، هدف يمنح الشعب الإسرائيلي أملاً ملموساً".
واستدرك: "لكن، في ظل توقف الحرب، يدفع الشعب الإسرائيلي ثمناً باهظاً من خلال أعداد متزايدة من القتلى، ومع استمرار توسيع المقابر العسكرية بشكل شبه يومي".
ويضيف: "ما شهدناه هو قتال بلا استراتيجية واضحة، ووزراء مترددون، وجمهور غارق في همومه اليومية، ينشغل بمقارنة أسعار الرحلات الجوية بدلاً من الاهتمام بالمصير الحقيقي للجنود. الجوهر الحقيقي مفقود، والموت لا يزال يلاحقهم".