الساعة 00:00 م
الأربعاء 30 ابريل 2025
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.86 جنيه إسترليني
5.11 دينار أردني
0.07 جنيه مصري
4.13 يورو
3.62 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

عدد شهداء الحركة الرياضية في ارتفاع متواصل

كيف انتزعت الحرب روح الأماكن في غزة وحولتها إلى مأوى للنازحين؟

اقتصادٌ في خدمة الاستيطان..

مستوطنة "براخا" جنوب نابلس تتمدد بأذرع زراعية

حجم الخط
مستوطنة براخا
نابلس- نواف العامر- وكالة سند للأنباء

لا تكل جرافات الاحتلال الإسرائيلي الضخمة "الدي ناين" بلونها الأصفر ولا تمل من أعمال التجريف في وادي سليمان من أراضي بورين والجوار جنوب مدينة نابلس في الضفة الغربية؛ تهيئةً لابتلاع الأراضي لزراعة أشجار الكرمة "العنب"، وإضافتها لبساتين أخرى تتبع مستوطنة "براخا"، حتى تملأ الأفق الممتد غرباً ليكون الاقتصاد في خدمة مشاريع الاستيطان المجنون دون توقف.

موقعٌ استراتيجي..

وتقع مستوطنة "براخا" على أراضي قرى كفر قليل وبورين وعراق بورين، كانت حتى عام 1982 نقطة عسكرية تتبع "الناحال" على أطراف جبل جرزيم جنوب نابلس، ثم تحولت إلى مستوطنة دائمة في العام التالي 1983.

وفي الجهة الجنوبية لـ"براخا" توجد بؤرة استيطانية "سنية يعقوب" والتي أقيمت عام 1999 على مساحة 137 دونما، أما الجهة الغربية فتضم بؤرة "براخا أ" والتي أقيمت عام 1997 على مساحة 26 دونما، ويقع جنوبها "معسكر حوارة" على مساحة 378 دونما.

ويستوطن "براخا" أكثر من 3062 مستوطنًا بحسب إحصائيات عام 2021، وبحسب المركز الوطني للدفاع عن الأرض فإن عدداً من نواب الكنيست الإسرائيلي التابعين لحزب الليكود الحاكم يستوطنون فيها.

أما الموقع الاستراتيجي والحيوي للمستوطنة أهلها لتكون موقعا زراعيا غنياً لصالح المستوطنين الذين استثمروا في زراعة العنب والزيتون وتسويقه، ومكنهم أن تكون منتجاتهم في الأسواق الإماراتية وفق عقود تجارية وقعت في العام 2020.

وأبدى رئيس مجلس المستوطنات الإسرائيلية بشمال الضفة الغربية يوسي داغان تفاخره عبر صفحته على فيسبوك نهاية العام 2020، أن منتجات مستوطنات الشمال وبضمنها "براخا" ستباع بكميات كبيرة في أسواق بلد مسلم وهي الإمارات، عقب توقيع اتفاقيات تجارية مع الأخيرة من خلال شركة إماراتية تدعى "فام".

وكانت شركة "نبيذ هار براخا" واحدة من الشركات الاستيطانية الأربعة التي فازت بالعقد الإماراتي "المغري"، إذ تُنتِج حوالي 50 ألف زجاجة نبيذ مصدرها مزارع المستوطنة.

عائلة "ليفي" مالكة المصنع تقول إنها وصلت للمستوطنة وهي مؤمنة بأن المكان وإطلالته مهد حضارة شعب "إسرائيل"، وعليه قامت بتأسيس المصنع والشركة والتوجه نحو زراعة العنب مصدر النبيذ.

على حساب مَن؟

الثراء الفاحش الذي حققته الشركة وعشرات المستوطنين كان على حساب فقدان الفلسطيني صاحب الأرض الحقيقية ومالك رقبتها بأوراق ملكية متوارثة لأرضه، ومنهم محمد قادوس من عراق بورين الذي تلقى مؤخرا إنذارات أُلصقت على مزرعة الزيتون التي يملكها بمنطقة سلالم الصيري، ومنحته مهلة 45 يوم فقط للاعتراض.

يقول "قادوس" لـ"وكالة سند للأنباء" -وهو أسير محرر قضى أكثر من عشرة أعوام في سجون الاحتلال-، إن الإنذارات طالت الأرض المزروعة بالزيتون وتم تخريب البوابة وبعض الأسلاك الشائكة، بينما لم يتم إنذار الجزء الآخر منها غير المزروع، يعني أن المصادرة بشأنها تحصيل حاصل.

وبحسب ضيفنا تعتبر منطقة سلالم الصيري ووادي المصري والحنطة والمهلل وسواها في عين الاستهداف، بينما تم طرده تحت التهديد من ضابط الأمن من أرضه الأخرى بوادي حمودي، عقب السابع من أكتوبر/ تشرين أول 2023، واقتلع جيش الاحتلال أشجار الزيتون منها، حتى بات لا يقدر هو وغيره من الأهالي من الوصول إليها.

ويضيف "قادوس" أن أعمال الزراعة لحقول وبساتين العنب يمكن مشاهدتها بوضوح غربي "براخا"، وتعود ملكيتها لمُلَّاك من بلدة بورين بمناطق وادي سليمان والدرج.

أما مظهر الزبن العامل في مِساحة الأرض وأحد سكان بلدة بورين، يوضح لـ"وكالة سند للأنباء"، أن البلدة خسرت حوالي 6 آلاف دونم من إجمالي أراضيها البالغة مساحتها نحو 20 ألف دونم، لصالح مستوطنات "براخا" و"يتصهار" والبؤر التابعة لهما.

وتملك عائلة "الزبن" حوالي 130 دونمًا بمنطقة كفة عامر تم ابتلاعها وتجريفها وزراعتها بأشجار العنب، بينما حرم الاحتلال الأهالي والرعاة من الوصول للأماكن الغنية بالمراعي من سنوات، وبالكاد توجد ثروة حيوانية في البلدة، وفقاً لما تحدث به ضيفنا.

ويختم "الزبن" أن منطقة باب الثنية المطلة على المنطقة صودرت وأُقيمت عليها بؤرة استيطانية سرعان ما توسعت، وشرع المستوطنون بالعمل الزراعي عقب عملية الشهيد حمدان النجار في العام 1988 والتي قتل فيها ضابط أمن المستوطنة حينها.

بدوره، يوضح فارس منصور من بلدة كفر قليل لـ"وكالة سند للأنباء" طبيعة الابتلاع الاستيطاني للأرض الملتصقة بجبل عراق النمر من أراضي البلدة وتطل عليها.

ويزيد "منصور" في حديثه أن منطقة عين مخنة جنوبا والمقابلة لمعسكر حوارة وحاجزها الشهير هي الأخرى ضحية ماثلة للعيان، وتمت زراعة المنطقة بأشجار الزيتون وإقامة برك لتربية الأسماك اعتماداً على مياه العين -التي كانت تروي المعسكر في حقبة العهد الأردني-.

ويؤكد أن السهل المحاذي لحاجز حوارة نبتت فيه حقول العنب بشكل واضح، إضافة لزراعة أراضي على الشارع الرئيسي ملاصقة للحاجز والمعسكر بأشجار العنب، كانت قد خُصصت قبل الاحتلال لبناء مساكن لجنود الجيش العربي الأردني حينها، ويشرف عليها ويملكها مستوطنون من "براخا" والبؤر التابعة لها.

وحرم الاحتلال عائلة "منصور" من الوصول لحقول الزيتون التي تملكها العائلة في المنطقة، وتعرضت للحرق مرات عدة وبات بعضها شبه مهجور.

خدمة للمشروع الاستيطاني..

وعن المخاطر الناشئة عن زراعة الأراضي في "براخا" بالعنب والزيتون وغيرهما يقول الباحث في مركز أبحاث الأرض رائد موقدي، إن الأرباح المالية تفتح شهية المستوطنين وتشجعهم على سرقة الأراضي ونهبها لصالح مشاريعهم المتنامية في أرجاء الضفة الغربية.

ويكشف موقدي لـ"وكالة سند للأنباء" أن جزءاً مهمًا من الأراضي التي وضع المستوطنون يدهم عليها يقوم الجيش بتسريبها بعد إعلانها مناطق عسكرية، وتنفيذ عقود مع الجمعيات الاستيطانية للعمل في الزراعة، بينما تمنح دولة الاحتلال للمستوطنات ومنتجاتها إعفاءً ضريبياً كاملاً.

ويصف أستاذ الاقتصاد والباحث الاقتصادي نائل موسى النشاط الزراعي في المستوطنات وخاصة "براخا" أنه يمثل عملياً استخدام الاقتصاد في خدمة المشروع السياسي والاستيطاني الإسرائيلي، حيث توفر فيه الحكومة ومؤسساتها البيئة الاقتصادية الربحية للحصول على الأرض لتمتين الارتباط بالأرض والمستوطنة على نمط الكيبوتس.

ويؤكد "موسى" لـ"وكالة سند للأنباء" أن جميع المشاريع الزراعية والإنتاجية في المستوطنات تتم بعد إجراء الدراسات والأبحاث للواقع ورصده ورفده بكل إمكانيات الصمود والبقاء وتحقيق النجاحات.

ويقدم "موسى" النماذج المتبعة لتشجيع المستوطنين على التوجه نحو العمل والسكن بمستوطنات الضفة ومنها توجيه "نتنياهو" قبل سنوات للأزواج الشابة في مرحلة أزمة السكن، بالذهاب لمستوطنات الضفة والتمتع بأجرة قليلة وأجواء ممتازة.

بينما يتم توفير أعمال الزراعة والصناعة والمناطق الصناعية والانتاجية بالإعفاءات الضريبية الكاملة وتوفُّر البنى التحتية النموذجية لهم، وفقاً لما أروده ضيفنا.

وكان مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، قد دعا الشركات العالمية إلى عدم التعاون مع منظومة المستوطنات، بعد وضع قائمة بأسماء 112 شركة عالمية على القائمة السوداء لتعاملها مع منظومة المستوطنات.

وتؤكد قرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة، أن المستوطنات الإسرائيلية المقامة على الأراضي الفلسطينية هي غير شرعية وغير قانونية وجريمة حرب.

وباستثناء الولايات المتحدة الأمريكية والإمارات، ترفض كل دول العالم اعتبار منتجات المستوطنات، بضائع إسرائيلية.

وكان الاتحاد الأوروبي الذي يرفض الاستيطان قد قرر في العام 2015، وسم منتجات المستوطنات بهدف تمييزها للمستهلكين، وهو ما أثار غضب "إسرائيل".