الساعة 00:00 م
الجمعة 10 مايو 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.67 جنيه إسترليني
5.26 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.02 يورو
3.73 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

بعد إنجاز 50% منه.. لماذا فكّك البنتاغون الأمريكي ميناء غزة العائم؟

بالفيديو والصور عِز الأشقر.. شيفٌ يُحلّق بـ "بُقجَته" من طولكرم إلى رِحاب "الأقصى"

حجم الخط
عز الأشقر.
القدس- فرح البرغوثي- وكالة سند للأنباء

بشوقٍ وتَلَهُّف يُعدُّ الشيف الفلسطيني عِز الأشقر طعام الإفطار، ويُحلّقُ بِـ"بُقجَتِه" قاطعًا مسافاتٍ طويلة من منزله في قرية صيدا شمال شرقي طولكرم، وصولًا إلى رِحاب المسجد الأقصى، حيثُ الإفطار المُميّز الذي يحلمُ أيّ شخصٍ بالعالم أن يحظى به.

من دافع حُبّه للمدينة المُقدّسة و"قبّتها الذهبية"، قطعَ الشاب عز الأشقر (24 عامًا) على نفسِه عهدًا، أنّ يُعمّر المسجد الأقصى بطريقته الخاصة، دون أن يَأبَهَ بالتعبِ والكِدّ الناجمِ عن الوقتِ الطويل الذي يستغرِقَه في تحضير الطعام، والظروف التي تُواجهه أثناء نقله إلى المسجد.

و"عز" شيفٌ مُتخصّص، هَوَى تحضير الطعام ومساعدة والدته منذ نعومة أظفاره، حتى حَقّق حلمه وتخرّج من أكاديمية "كيتشن كلوب" في مدينة رام الله وسط الضفة الغربية، وبدأ يُطوّرُ بمهاراته عن طريق منصتي السوشال ميديا "تيك توك، وانستغرام".

الشاب عز الأشقر.jpg
 

تجسيدٌ للشغف..

يقول عز الأشقر في حديثٍ ماتع مع "وكالة سند للأنباء"، إنّ الفكرة جَالَت في خاطِرِه منذُ نحو عامين، بعد جائحة فيروس "كورونا"؛ بسبب المقاطع المُصوّرة التي كان يُشاهدها لأجواء الإفطار الساحرة في المسجد الأقصى.

ويقصّ لنا: "في حينها، بدأت بتحضير الطعام ونقله إلى المسجد، ما يقارب الأربع مرات في كلّ رمضان، لكنّ المُختلف هذا العام أنّني بدأتُ أوثّق طريقة تحضير الطعام ونقله، وأقوم بمشاركتها على السوشال ميديا".

يستيقظُ الشيف "الأشقر" منذُ ساعاتِ الصَباح الباكر، ويبدأُ بتحضيرِ أطباقٍ مُختلفةٍ في كلّ مرة؛ تتنوعُ بين مقلوبة اللحم والدجاج وورق العنب والكوسا المحشي، ثُمّ يضعها في "بُقجَة" مُخصّصة لحفظ حرارة الطعام، وينطلقُ بها من مدينة طولكرم بالضفة الغربية إلى مدينة القدس، بمسافةٍ تبلغُ 111 كيلومتر.

ويُشير ضيفنا إلى أنه يُغادر منزله في قرية صيدا بحدود الساعة الثانية والنصف عصرًا، ويصلُ إلى المسجد الأقصى عند أذان المغرب؛ جرّاء تضييقات الاحتلال، وحواجزه والأزمات التي تتسبّب بها.

وما إن يصل "عز" إلى رِحاب معشوقته، حتى يبدأ بتوزيع ما أعدّه من طعام على الأهالي والأطفال، بمشاعرٍ مُكلّلةٍ بالحُبّ والسعادة، لافتًا إلى أن "الشيف لا يتناول طعامه، لكنّه يحبّ أن يُشاركه مع الآخرين، ويرى علامات الفرح ترتسِمُ على ملامحهم".

ويستذكرُ موقفًا حصل معه: "في آخر مرةٍ عندما طهيتُ ورق العنب، قُمتُ بتوزيعه على الجيران والأطفال الذين يجلسون بجانبي حول قبّة الصخرة، وعندما تبقى كمية تكفي لصحنٍ واحد، جاءت طفلة تطلب من صحن بلاستيكي، فقُمت بتعبئته بما تبقى من حبّات الدوالي وقدّمته لها".

أما عن شعوره في تلك اللحظات، يصفه بـ "الأجمل على الإطلاق"، ويحدثُنا ممتنًا: "الشعور يختلف كُليًا عن تناول الإفطار في أيّ مكانٍ بالعالم.. رغم التعب أثناء تحضير الطعام، وقطعِ مسافاتٍ طويلة، إلا أنّ المَشقّة تزول بِمُجرد الوقوف أمام القُبّة الذهبية".

عز الأشقر بالأقصى.jpg


ويلفتُ، أنه لا يُحضر معه سوى بُقجَتِه، ويحاول شراء كافة المُستلزمات من التُجّار المقدسيين في البلدة القديمة؛ دعمًا لصمودهم وثباتهم في محالهم رغم ما يتجرَّعونه من تضييقات الاحتلال ومستوطنيه.

"حياةٌ مُختلفة في رِحابه"..

ويُبيّن "الأشقر" أنّه مستمرٌ بزيارة أولى القِبلَتيْن بشكلٍ شهري، كلّ يوم جمعة، منذُ عام 2016، وقد اعتاد أن يتناول فطوره الصباحي في رِحابها، بعد أن يمرّ بأزقة البلدة القديمة ويستنشق روائحها الشهيّة، ويشتري منها ما يشتهي.

وعند سؤاله عن تأثير هذه التجربة على حياته، يُجيب: "رغم المسافات البعيدة، أصبحت هذه العادة مُفضلة لديّ، وعندما لا أستطيع الحضور أشعرُ بظلمٍ كبير؛ بسبب ما تمارسه شرطة الاحتلال من تضييقاتٍ ومَنع، وكأن شيئًا ما يَنقُصني".

ويشرح أنّه أصبح يشعرُ بأنّه "ابن البلد، لا يخشى وجود المُحتل أو قيوده"، كما تعرّف على أماكن أثرية وتاريخية ودينية على أرضِ الواقع، في المسجد الأقصى المبارك والمدينة المُقدّسة، عبر جولاتٍ سياحية غنيّة بالمعلومات.

أما عن الموقف الأجمل، يُروي لنا بنبرةٍ سعيدة: "في إحدى الزيارات، أَديتُ صلاة الفجر في الأقصى، وعَقبَ ذلك، جاء رجلٌ يحمل بين يديه حبوب القمح وبدأ بتقديمه للحمام الذي ملَأَ الباحات، في مشهدٍ ساحرٍ لم أرَه مُسبقًا، وبدأتُ أُساعده بإطعام الحَمام وسط شعورٍ لا يُوصف".

حمام الأقصى.webp

مقلوبةٌ في الشارع!

ولَمْ يَسلم الشيف "الأشقر" من ظُلمِ الاحتلال وقيوده، ومحاولاته المستمرة في التنكيل بالفلسطينيين والتنغيص عليهم أثناء رحلتهم إلى مسرى الرسول -عليه السلام-، حيثُ اضطر في إحدى المرّات أن يتناول إفطاره الرمضاني في الشارع، وسط مشاعرِ حُزنٍ وصدمة كبيرتين.

ويعود بذاكرته إلى ذلك الموقفٍ الذي ترَكَ في قلبه غصّةً لن ينساها مهما مرّت عليه السنين، ويقول: "في إحدى السنوات، حضّرت طنجرة المقلوبة، وتوجّهت بها إلى حاجز قلنديا، وفي حينها تفاجأت بأن الاحتلال أغلق الحاجز ومنعنا من الدخول؛ بسبب أعياده".

ويختتم: "في حينها، اضطررت لتناول الإفطار في الشارع، وكان ذلك من أصعب وأقسى المواقف التي مرّرت بها في حياتي.. أن أصل الحاجز قبل الإفطار بنصف ساعة وأُحرَم من دخوله".

يُذكر أن سلطات الاحتلال تفرض شروطًا على الفلسطينيين خلال شهر رمضان، تتضمن تصاريح على فئات محددة فيما يتعلق بالصلاة في المسجد الأقصى، و"الموافقة الأمنية" لزائري عدد من المدن الفلسطينية.

وعلى ضوء هذه التشديدات، يستغل عشرات آلاف الفلسطينيين من الضفة الغربية (الذين تحرمهم سلطات الاحتلال من دخول القدس) ثغرات في جدار الفصل والأسيجة المحيطة بهم لاختراقها للوصول إلى القدس والصلاة في المسجد الأقصى ولا سيما في شهر رمضان.