الساعة 00:00 م
الأحد 28 ابريل 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.84 جنيه إسترليني
5.4 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.1 يورو
3.83 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

جيش الاحتلال يُعلن مقتل "رائد" شمال قطاع غزة

فلسطيني يحول موقعاً عسكرياً مدمراً إلى مسكن لعائلته النازحة

أقدم أسير مقدسي في سجون الاحتلال..

محمود عيسى.. قصص الحياة القادمة من عتمة الزنازين

حجم الخط
محمود عيسى
غزة/ القدس - أحلام عبد الله - وكالة سند للأنباء

تفاصيل لا تبرح الذاكرة مهما توالت عليها سنوات السجن، فثبات الذاكرة عند تلك التفاصيل أمر حتمي، وأنت لا ترى غيرها أمامك على مدار أكثر من ثلاثين عامًا، تقلّب فيها أوجاعك برحيل من كانوا ينتظرونك خلف أسوار السجن، وتخيلاتك للحظة الفرج.

حياة متخمة بحكايات الفراق والعزل ومحاولات النيل من ثباته، يعيشها الأسير محمود عيسى، أقدم أسير مقدسي، منذ اعتقاله عام 1993، وزجه بالعزل الانفرادي لـ12 عامًا متتالية.

وولد الأسير عيسى في بلدة عناتا شمال شرق مدينة القدس، في 21 أيار/ مايو 1968، ودرس في كلية الشريعة وأصول الدين بجامعة القدس، واعتقل من منزله في بلدته عناتا في 3 حزيران/ يونيو 1993، ولم يتجاوز عمره آنذاك 25 سنة.

وحتى لا تبرح حكاياتهم من ذاكرتنا، التقت "وكالة سند للأنباء"، شقيقة محمود، لسرد تفاصيل من حياته، التي يحاول الاحتلال دفنها في عتمة سجنه.   

ابتلاءات متتالية..

تقول "انتصار" شقيقة الأسير محمود عيسى: "منذ اعتقاله حتى عام 2023 والابتلاءات تتوالى تترا على محمود، لا توجد كلمات تصف قسوة ما عاناه داخل سجون الاحتلال، على أمل أن يأتي يوم يرى فيه وجه والدتي ووالدي.. لكنه قدر الله".

وتضيف: "عاش أخي 15 عاما في العزل الانفرادي داخل السجون، منها 12 عاما متواصلة، حاولت نهش ذاكرته، ولكنها تحطمت على عتبات صموده، فالاحتلال يُصنفه من أخطر الأسرى.. ولا ندري لماذا؟".

عزل وصمود..

عزل الاحتلال الأسير محمود عيسى منذ عام 2000، حتى عام 2012 جدد فيها الاحتلال عزله كل 6 شهور، ومنع خلالها عائلته ووالدته من زيارته، وأبقى على زيارة الصليب الأحمر ليطفئ قليلا من شوق والدته برسائله المكتوبة.

وتحدثنا "انتصار": "تبادلت والدتي أشواقها وأخبارها مع شقيقي محمود لـ 12 عاما، عبر الإذاعات المحلية، حيث كانت تجلس بجوار المذياع والهاتف تنتظر بلهفة أن يلقط الخط، ويأتي دورها لتبث اشتياقها ولهفته للقائها عبره".

وتتابع: "في إحدى سنوات العزل، قررت إحدى أخواتي تزويج ولدها الأكبر، المحبب إلى محمود كونه يشبهه إلى حد كبير، وفي يوم فرحه تركت والدتي زفة ابن أختي لتجلس تنتظر بجوار الهاتف حتى يلقط الخط، وتخبره بتفاصيل الفرح عبر الإذاعة".

لم تكن والدة الأسير رحمها الله، لتفرط بموعد البرنامج الإذاعي الذي يسمعه محمود حتى تحدثه إليه عبر أثيره، كانت متحمسة في ذلك اليوم لتخبره بتفاصيل زفاف نجل ابنتها، ولكن الاتصال لم يتم يومها، بعد ساعتين من الانتظار.

وداع الأم والأب..

بعد عام من اعتقال محمود توفي والده الذي لم يستطع رؤيته أو حتى زيارته، كونه مكث في التحقيق والعزل والمحاكمات في تلك الفترة، وفي شهر ديسمبر/ كانون الثاني 2021 توفيت والدته.

وقبل عامين من وفاتها استطاعت والدة الأسير الثمانينية من زيارة نجلها محمود، وكانت الزيارة عبر الإسعاف بتنسيق من الصليب الأحمر؛ بسبب وضعها الصحي المتردي، فكانت زيارة الوداع.

والدة الأسير محمود عيسى.jpg


وعن تلك الزيارة تقول انتصار" لم يكف لسان والدتي في تلك الزيارة عن الدعوة لنجلها ربنا يفرج كربك، ربنا يجمعك بأخوتك وكأنها تستودعه الله ليحمل عنها أمانتها.

لم تستطع والدة محمود بعدها صعود باص الصليب الأحمر، ولا الوقوف على الحواجز، ورفض الصليب الأحمر أن ينسق لها مرة أخرى زيارة نجلها من خلال الإسعاف، طالبا الأوراق والتقارير التي تثبت حاجتها له، ولكن الموت كان أسرع من تلك التقارير.

وتروي "انتصار": "خلال سجنه اتهم الاحتلال محمود بالتواصل مع خلايا خارجية لمقاومة الاحتلال، فاعتقل الاحتلال والدتي عام 1999 كجانب من الضغط على شقيقي، ولم يكن الاحتلال يعتقل النساء في حينها، فكانت صدمة كبيرة".

وتكمل: "كانت والدتي تشعر عندما يستدعي الاحتلال محمود للتحقيق، فكانت دائمة السؤال عن حاله في تلك الفترة، وتسأل لماذا تم منعنا من الزيارة، لماذا باقي الأسرى يزورون أبناءهم، كنا مجبرين إخفاء الأمر عنها".

محمود عيسى الأسير.jpg
 

عند وفاة والدة "محمود" لم يكتف الاحتلال بالحزن الذي استوطن قلب الابن الأسير، بل تعمّد حتى حرمانه من ممارسة طقوس الحزن والعزاء في سجنه، وعن ذلك تحدثنا شقيقته: "عندما توفيت والدتي كان محمود يقبع في سجن نفحة الصحراوي، تلقى الخبر بصدمة وحزن شديد يرافقه صبره وإيمانه بقضاء وقدر الله".

وتستطرد "لم يدع الاحتلال محمود يُقيم حداده على والدتي، فاقتحم السجن الذي يقبع فيه في تلك الليلية، وأخرج الأسرى مكبلين في ظل أجواء باردة ضربت قلبه قبل أطرافه".

وتكمل: "نازع الهمّ قلوبنا في ذلك اليوم، فلم نكن نستطيع الوقوف لاستقبال المعزيين بوفاة الوالدة أم نتابع أخبار سجن نفحة، فتركنا العزاء وذهبنا مسرعين لالتقاط خبر يبعث جزءًا من الطمأنينة فينا".

لم يرد أشقاء محمود الثمانية أن يتركوه وحيدا في تلك الليلة، فبعثوا له بدعواتهم علّها تظُله بشيء من الطمأنينة، فالرابط الوحيد الذي يُعلق محمود في هذه الحياة كانت والدته، بكوا تلك الليلة حرقة عليه ورجاء أن يلقُي الله الصبر في قلبه.

تردف شقيقة الأسير: "ثلاثون عاما مرت فيها والدتي بمعاناة توازي 3 مؤبدات و46 عاما التي أصدرها الاحتلال بحق شقيقي محمود، ولكن الفارق أن والدتي لم تستطع إكمال الطريق واستودعت محمود لله".

كتب ومؤلفات..

كل تلك الآلام، لم تكسر عزيمة محمود عن مواصلة الحياة والصمود في وجه سجانه، ولم يكن منع الاحتلال له من الالتحاق بالجامعة العبرية عام 2000 لدراسة العلوم السياسية، رغم شغفه بالعلم حاجزًا أمامه، فعزف خلال 12 عاما من عزله على تأليف كتب وروايات قصصية حلقت إلى خارج السجن بحروفه.

وأنجب قلم محمود رواية "صابر"، التي تقول شقيقته إنه تحدث فيها عن نفسه بشكل غير مباشر، حيث تناول فيها قصة شخص يُدعى صابر، عاش خلالها أحداث النكبة الفلسطينية، وأُسر لدى الاحتلال وذاق أصنافا من الويلات والعذاب داخل السجن.

كما أنتج محمود أيضاً، مجموعة قصصية حملت عنوان "وفاء وغدر"، إضافة لكتاب "المقاومة بين النظرية والتطبيق"، و"تأملات قرآنية" من جزئيين، وفق شقيقته.

وقاد عيسى مع رفاقه عملية عسكرية أسر فيها الرقيب أول في جيش الاحتلال "نسيم توليدانو"، قرب مدينة اللّد المحتلّة بتاريخ 13 كانون الأول/ ديسمبر 1992، وطالبوا سلطات الاحتلال بإطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين مقابل الإفراج عنه، لكن "إسرائيل" لم تستجب لمطلبهم فقُتل "توليدانو".

وصنفت السلطات الإسرائيلية هذه العملية، على أنها أخطر عملية أسر في تاريخ المقاومة الفلسطينية، واستدعت اجتماع الكنيست يومها، وأعلن عن ضرورة اعتقال أخطر خلية في شرق القدس.

وفي نهاية عام 2011، أفرج الاحتلال عن أفراد مجموعته في صفقة تبادل الأسرى مقابل الجندي جلعاد شاليط، ورفض الاحتلال إطلاق سراحه ضمن الصفقة.