بجهود مكثفة تعمل جماعات الهيكل الاستيطانية بتنسيق كامل مع شرطة وحكومة الاحتلال الإسرائيلي؛ من أجل إحداث تغيرات جوهرية، وفرض وقائع جديدة في مدينة القدس عمومًا، والمسجد الأقصى المبارك على وجه الخصوص، مستغلين موسم الأعياد اليهودية، الذي يبدأ اليوم الأحد، ويمتد على مدار 22 يومًا.
ومنذ سنوات، ارتبط موسم الأعياد اليهودية بتصعيد العدوان على المسجد الأقصى، فخلال هذه الفترة، يزداد عدد المقتحمين، ويتعمدون تنفيذ طقوسهم الاستفزازية بشكلٍ علني، مع محاولات متواصلة لتحقيق مكاسب؛ أبرزها النفخ في البوق، وإدخال القرابين النباتية.
ويبدأ موسم الأعياد، برأس السنة العبرية، وهو يحل في اليومين الأول والثاني من شهر "تشري" من التقويم العبري (16 و 17 سبتمبر/ أيلول)، متبوعًا بأيام ما يسمى "التوبة العشر"، وخلاله ينفخ المستوطنون في البوق "الشوفار".
فيما يحلّ "يوم الغفران" في العاشر من شهر "تشري" العبري (25 سبتمبر)، وهو اليوم الأهم والأكثر قداسة توراتيًا، ويصوم فيه اليهود لـ 25 ساعة متواصلة، يجري فيها "محاسبة النفس والتكفير والتطهير من الذنوب، وتأدية الصلوات والطقوس التلمودية في الكنس".
وتتعطل الحياة تمامًا في هذا العيد، ويرتدي فيه اليهود ملابس "التوبة البيضاء"، وخلال الصوم يؤدون 5 صلوات، ويسعى المتطرفون لمحاكاة طقوس "الغفران" في المسجد الأقصى.
وبعده بأسبوع يأتي ما يسمى بـ ""عيد العرش" (المظلة) الذي يستمر ثمانية أيام (من 30 سبتمبر 7 أكتوبر/ تشرين أول)، وهو أحد أعياد الحج التوراتية الثلاث التي ترتبط بـ "الهيكل" المزعوم، والذي تعمل الجماعات المتطرفة لفرض كل طقوسه داخل المسجد الأقصى.
ويسعى المتطرفون خلال العيد لإدخال القرابين النباتية وهي "الأترج، والصفصاف، وسعف النخيل، والآس"، إلى المسجد الأقصى.
تكثيف الاقتحامات..
الباحث في شؤون القدس زياد ابحيص، يقول إنّ المسجد الأقصى مقبل على موسم الأعياد التوراتية الأطول والأشد، مشيرًا إلى أن هذه الفترة يرافقها إجراءات أمنية مشددة، وانتشار مكثف لشرطة الاحتلال في أزقة القدس وبلدتها القديمة، ومحيط المسجد الأقصى؛ لتأمين اقتحامات واستفزازات المستوطنين.
ويؤكد "ابحيص" لـ "وكالة سند للأنباء" أنّ "جماعات الهيكل تعمل منذ عام 2019 عبر استغلال موسم الأعياد؛ للتأسيس المعنوي للهيكل عبر فرض الطقوس التوراتية، مع عودة السعي النشط لفرض تقدم جديد في فكرة التقسيم الزماني والمكاني للمسجد، وتحويله من مقدس إسلامي خالص إلى مقدس مشترك".
وتمكنت سلطات الاحتلال من فرض عزلة كاملة على الساحة الشرقية لـ "الأقصى" خلال الاقتحامات، ونجحت "جماعات الهيكل" في تنفيذ طقس نفخ البوق وتقديم القرابين النباتية في الأقصى على مدى العامين الماضيين، وهو بمثابة مقدمات وسوابق ستشجع جماعات الهيكل على المضي قدماً في مشروعها، وفق "ابحيص".
ويكمل: "هدف جماعات الهيكل الأساسيّ في رأس السنة العبرية سيكون نفخ البوق مرارًا في المسجد الأقصى وفي جواره، لإعلان أن الزمان العبري يبدأ منه، كونه الهيكل المزعوم، كما حدث في العامين الماضيين".
أمّا فيما يسمى أيام "التوبة العشرة"، يُضيف "ابيحص" "من المتوقع اقتحام الأقصى بالثياب البيضاء؛ لتكريس حضور الملابس التوراتية، وحضور طبقة الكهنة فيه، وهي الطبقة التي تقود صلاة اليهود في الهيكل حسب التصور التوراتي".
وعن "يوم الغفران" يُشير إلى أنّه "يتمثل في محاكاة القربان، وتسجيل رقم قياسي لأعداد المقتحمين فيه، مردفًا أنّ محاولة إدخال القرابين النباتية إلى "الأقصى" ستتكرر في "عيد العرش"، تعبيرًا عن كون المسجد، الهيكل المزعوم.
ويبيّن ضيفنا، أن هذه الأيام ستشكل موسمًا سنويًا لرفع أعداد المقتحمين إلى ما يقارب أو يتجاوز 1500 مقتحم يوميًا، على مدى عدة أيامٍ متتالية، واصفًا إياها بـ "الموسم الأعتى والأكثر شراسة وخطورة على هوية المسجد الأقصى المبارك".
ويردف: "هذه الأعياد هي الأكثر تفجرًا على مدى تاريخ الصراع، ففي مثل هذا الموسم وقعت مجزرة الأقصى 1990، وهبة النفق 1996، وانتفاضة الأقصى 2000، وهبة السكاكين 2015".
ويستدرك: "لكن استحواذ تيار "الصهيونية الدينية" وجماعات الهيكل، على نصف حقائب حكومة بنيامين نتنياهو الحالية، يجعل موسم الأعياد هذا العام، أكثر خطورة، كونها مدفوعة بكل السبل لفرض نفوذهم غير المسبوقة في المسجد".
غطاء للتصعيد..
من جانبه، يشير الباحث المقدسي جمال عمرو، إلى أن أذرع الاحتلال تستعمل الأعياد اليهودية كغطاء للتصعيد ضد المقدسيين والمسجد الأقصى المبارك.
ويقول "عمرو" لـ "وكالة سند للأنباء": "إنّ حكومة الاحتلال توفر كامل الصلاحيات لجماعات الهيكل لانتهاك حرمة المسجد الأقصى وذلك عبر سلسلة من الإجراءات أو الانتهاكات التي تمارسها ضد المقدسيين تحت حجة العبادة اليهودية".
ويسهب: "ما يجري لا يتمثل فقط بمجرد زيادة في أعداد المقتحمين، بل أيضاً تصعيد في أداء الطقوس الدينية التوراتية اليهودية علنًا وبحماية مشددة من شرطة الاحتلال داخل الأقصى".
ويرى أن الاحتلال يتصرف كونه المالك الوحيد لـ "الأقصى" ما يجعله يفتح جميع الأبواب لجماعات الهيكل لفرض وقائعها التهويدية عليه، مبينًا أن هناك خمسة وقائع أساسية تسعى حكومة الاحتلال ومستوطنيها لتثبيتها في الأقصى.
أبرز تلك الوقائع، وفق "عمرو"، هو تثبيت فرض التقسيم الزماني والمكاني على "الأقصى" خلال فترة الأعياد اليهودية، حيث تفتح أبوابه أمام الاقتحامات وتغلق أمام المسلمين، وفي الوقت نفسه يمنع الاحتلال، دخول المسلمين بشكلٍ كامل إلى المنطقة الشرقية ومحيط باب الرحمة فيما تساعد على حشد أكبر عددٍ من المستوطنين فيها.
وأما الهدف الثالث فيتمثل في تعزيز أجندة أداء الطقوس والشعائر والصلوات اليهودية بكثافة داخل مساحة الأقصى لإعلانه "هيكلًا"، خاصة طقوس الأعياد كالنفخ بالبوق والصلوات الجماعية ورفع الأعلام الإسرائيلية، ورابع هذه الوقائع هو تقييد صلاحيات حراس المسجد والعاملين من دائرة الأوقاف الإسلامية، وسحب إدارة المسجد، والتحكم فيه بشكل كامل، وفق "عمرو".
ويُتابع: "أما الأمر الأخير، يتمثل في تطبيع وجود أعداد كبيرة من المستوطنين في الأقصى، لإيجاد وتثبيت موطئ قدم بلا قيود، للمتطرفين المقتحمين داخل المسجد الأقصى.
ويشدد أن التواجد والرباط والاعتكاف في المسجد الأقصى هو السبيل الوحيد لمواجهة هذه المخاطر المحدقة بإسلامية وهوية المسجد، خاتمًا حديثه بالتساؤل: "ما الذي يمنع اندلاع انتفاضة جديدة دفاعًا عن الأقصى والقدس؟".
تطوير تدريجي للأدوات..
وأما نائب مدير دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس والمبعد عن المدينة قسرًا، الشيخ ناجح بكيرات، يشير إلى أن حكومة الاحتلال و"جماعات الهيكل"، طوروا على مدار سنوات مجموعة من الأدوات لتحقيق فكرة وهدف أساسي يتمثل بإقامة وبناء الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى المبارك.
ويضيف في حديثه لـ "وكالة سند للأنباء": "تعد الأعياد اليهودية واحدة من هذه الأدوات الرامية لتنفيذ مخطط الهيكل، من خلال تكثيف الاقتحامات للمسجد، وإقامة كافة الصلوات والطقوس التلمودية".
ومن الأدوات التي يمارسها ويطورها الاحتلال في سبيل تحقيق أهداف جماعاته المتطرفة _والكلام لبكيرات_ هي عمليات هدم ومصادرة الأراضي بمحيط "الأقصى" وإبعاد وطرد المقدسيين والناشطين من مدينة القدس، حيث تصب كلها لذات الغاية.
ويصف الأعياد اليهودية بأنها "كارثة تحل على الأقصى والقدس في كل عام، حيث يتخللها سلسلة من انتهاكات ضد أهالي القدس والمرابطين في الأقصى تتمثل بالاعتقال والإبعاد والطرد ومنع الدخول إلى الأقصى أو الوصول لمحيطه".
وأمام كل ذلك، يؤكد أن على الفلسطينيين "تبني مشروعًا مقاومًا، يعتمد أولًا على تعميق الوعي لدى الفلسطينيين والعالم العربي والإسلامي بما يقوم به الاحتلال ضد الأقصى، والعمل بكل الإمكانات من أجل الحفاظ على الوجود الإسلامي والهوية الوطنية للمدينة المقدسة ومسجدها".
ويوجه ضيفنا دعوته لاتخاذ قرار مقدسي فلسطيني عربي وإسلامي؛ لرفض الاحتلال والتطبيع معه، والعمل على إنهائه عبر الاستمرار في مقاومة مشروعه.